
المحامي المستشار محمد علي إبراهيم باشا عضو تحالف القوى الديمقراطية لـ نينار برس: الإعلان الدستوري وضع أغلب الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية بيد الرئيس وهذا مؤشر على ولادة استبداد
ليس هناك من مؤشرات كافية على انفتاح العهد الجديد “الحكومة الانتقالية” بعدُ على الفعالية السياسية وتشكيل الأحزاب وقوننة الحريات والإعلام، مما منع القوى والتيارات السورية الوطنية والديمقراطية من تشكيل الأحزاب، والذي يساعد على المشاركة الفاعلة في إدارة الشأن العام الوطني.
صحيفة نينار برس التقت المحامي محمد علي إبراهيم باشا عضو “قوى التحالف الديمقراطي في سورية” والمستشار القانوني في دولة الإمارات العربية المتحدة سابقاً، وأجرت معه الحوار التالي.
السؤال الأول
لا تزال القوى الديمقراطية السورية غير قادرة على بناء إطار تحالف سياسي حول نقاط برنامجية تخصّ المرحلة الانتقالية وما بعدها.
برأيكم ما الأسباب التي تمنع تشكيل هذا التحالف ذاتياً وموضوعياً؟
فرّقتنا الأنانية والمصالح الشخصية
يجيب الناشط السياسي والحقوقي المحامي محمد علي إبراهيم باشا على سؤالنا الأول فيقول:
منذ بداية الثورة السورية جمعت القوى الديمقراطية أهدافٌ عديدة، سعت إليها غالبية أطيافها وتمثّلت بسورية دولة مدنية ديمقراطية ليبرالية علمانية، وفرّقتها المصالح الشخصية الآنية والأنانية السياسية، والتبعية لأجندات إقليمية ودولية موّلتها وفرضت عليها رؤى واتجاهات معينة تضاربت مع مصالح بقية القوى الديمقراطية الفاعلة، مما أوقعها في جدالات بيزنطية عقيمة وشغلها عن أهدافها بصراعات جانبية، وأدّى بالنتيجة إلى فشل أغلب محاولات التوحيد وإنتاج هياكل سياسية قوية يمكنها أن تؤسس لدعائم متينة، تبنى عليها مؤسسات الدولة السورية الجديدة.
ويضيف المحامي محمد علي إبراهيم باشا:
ولاتزال هذه المشاكل موجودة رغم سقوط النظام واستشعارها للخطر مع انتقال السلطة إلى فريق مصنف على أنه إسلامي راديكالي، لا تربطه بالديمقراطية وبقية الأفكار الغربية روابط محبة وقبول، فعلى الرغم من مرور ما يقارب ستة أشهر على استلامها زمام الأمور في دمشق، ورغم أن جميع القرارات الصادرة عنها تتعارض بصورة وأخرى مع مبادئ الديمقراطية والليبرالية، إلا أن تلك القوى لا تزال تتعثر في توحيد صفوفها لذات الأمراض المزمنة التي عانت منها منذ أربعة عشر عاماً، ولا زلنا نرى مؤتمراً هنا ومؤتمراً هناك، وهيكلاً سياسياً هنا وآخر هناك، وبيان تأسيسٍ هنا وبيانات انسحاب في اليوم الذي يليه.
السؤال الثاني
المرحلة الانتقالية مغيبة عنها الأنشطة السياسية لقوى وتيارات. والإعلان الدستوري لم يهتم بتشكيل قوى وأحزاب عبر مواده.
كيف يمكن للقوى الوطنية والديمقراطية ممارسة نشاطها السياسي دون مواد دستورية أو قوانين تخصّ تشكيل أحزاب؟
وهل تعتقدون أن ممارسة قوى واحزاب لنشاطها في سورية سيعرضها للقمع والمنع والعقوبات؟
المنع من النشاط لا القمع
يقول المحامي محمد علي إبراهيم باشا في إجابته على سؤالنا الثاني:
علينا أن نميز ما بين الحراك السياسي والحقوقي والمدني كجزء من حراك المجتمع المدني السوري، وبين تنظيم الحياة السياسية وقوننتها، وتحديد آليات عمل مؤسساتها في الدولة.
فبالنسبة للحالة الأولى لا يوجد شيء يمكنه أن يمنع الناس من تنظيم الفعاليات والمؤتمرات بكل ما يتعلق بالمجتمع المدني السوري بعد الحصول على التراخيص اللازمة لذلك، والتي يفترض بأي سلطة تدّعي الحد الأدنى من الديمقراطية منحها بيسر وسرعة، فنجاح أي دولة مرتبطٌ بنجاح منظمات مجتمعها المدني وفعاليتها.
ويضيف باشا:
أما بخصوص الحالة الثانية فلا شك إن الأمور لا تزال ضبابية لعدم صدور قوانين لتنظيم الأحزاب وتنظيم آليات مشاركتها في الحياة السياسية، الذي يفترض وجود برلمان منتخب يقرّ القوانين التي تتناسب وولادة سورية الجديدة، ولا اعتقد إن ممارستها لنشاطها سيعرّضها للقمع، ولكنه سيعرضها للمنع على الأغلب، وقد حصلت حالات عديدة تم منع سوريين من تنظيم فعاليات سياسية ومؤتمرات بحجة عدم وجود قانون أحزاب وبحجج أمنية.. إلخ.
الحجج واهية إلا إنها جاءت فردية وقليلة، ولم ترقَ لتاريخه إلى أسلوب ممنهج يهدف إلى تعطيل الحياة السياسية، وإن كانت آليات ومواد الإعلان الدستوري لا تبشّر بالخير في مناحي الديمقراطيات والحريات الاساسية وتداول السلطة.
السؤال الثالث
لا تزال البلاد تفتقد لأفق سياسي واضح يشير إلى دولة مواطنة ومؤسسات ديمقراطية. هل تعتقدون إن حكومة الشرع تريد كسب الوقت لترسيخ نفسها كسلطة اللون الواحد؟ ألا ترون إن هذه الحكومة لم تظهر بعد أي اهتمام بالتعددية سيما وإنها تريد تمرير مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات؟ كيف تقرأون بنية وتوجهات هذه الحكومة وفق رؤيتكم السياسية؟
الإشارات المرسلة من السلطة سلبية
يجيب المحامي محمد علي باشا على سؤالنا بالقول:
رغم إن قصر المدة التي مضت على سقوط النظام وانتقال السلطة لا تكفي للجزم بنوايا حكومة الشرع ورؤيتها لمستقبل سوريا، وتمنعنا من الحكم عليها بناءً على الشكوك التي بتنا نشعر بها، إلّا إن كافة الإشارات المرسلة من قبلها سلبية ولا تدعو للتفاؤل، وتشير إلى رغبة دفينة بكسب الوقت لفرض أجندتها ونفسها كأمرٍ واقع على السوريين.
ويوضح باشا فكرته فيشرح:
فآلية تنصيب الشرغ كرئيس انتقالي للبلاد، والخطوات التي تبعتها من الدعوة إلى مؤتمر وطني شكلي، إلى كتابة إعلان دستوري خلى من مفردات تشير بوضوح للديمقراطية وتداول السلطة، ومنح الرئيس سلطات واسعة مع فرض شروط وآليات تحصّن الرئيس من المساءلة والمحاكمة، وتضع بيديه أغلب الصلاحيات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتعيين أعضاء البرلمان دون انتخابات تشريعية، هي إشارات لسلطة وليدة تحمل في طياتها بذور الاستبداد.
ويضيف باشا إلّا إن بذور الحريات والديمقراطيات ليست بذور دولة قومية دينية، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار نسب المنتمين لدين معين، أو قومية معينة، لتميّزهم عن الغير. وقد تجلّى ذلك بعدة أمور أُورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر، كالمادة التي اشترطت دين رئيس الدولة فهكذا مادة لا يمكنها أن تؤسس لدولة مواطنة حضارية طالما إنها تميّز بين مواطنيها.
السؤال الرابع
لا تزال ظروف المعيشة صعبة بسبب عوامل كثيرة منها العقوبات الغربية على سورية والتي لن يتم رفعها بدون انتقال سياسي حقيقي.
كيف تشرحون رؤيتكم للانتقال السياسي في سورية الجديدة؟
وجود “أمانة سياسية” هو احتكار للقرار
يجيب المحامي محمد علي إبراهيم باشا على سؤالنا بسؤال يقول:
هل تعتقدون إن حكومة الشرع يمكنها تحقيق انعطافة سياسية تتخلى بموجبها عن دور ما يسمى “الأمانة السياسية”؟ ألا توافقون على إن وجود أمانة سياسية هو احتكار للقرار من قبل هيئة تحرير الشام؟ لا شكّ إنها لن ترفع بدون عملية انتقال سياسية حقيقية، وهو ما أعلنه صراحة المجتمع الدولي، إن كان من قبل الدول العربية التي تعاملت بإيجابية مع السلطات الجديدة وكانت واضحة بهذا الشأن، أو من الدول العظمى التي نظرت بريبة إلى الوافد الجديد مما يضعها “حكومة الشرع” امام استحقاقات كبيرة، نأمل أن تكون على قدرها، لإن اللعب على التوازنات وعامل الوقت والوعود لن يفضي إلى نتيجة من وجهة نظري.
ويضيف باشا:
الأمور ستصل في الختام الى استعصاء تكون نتائجه كارثية، وسيطيل من معاناة السوريين فالإدارة الأمريكية والاتحاد الاوربي بتجميدهم للعقوبات لمدة ستة أشهر وتعليقهم إلغاءها على شرط البدء بحياة سياسية جديدة قوامها الحريات والديمقراطيات، ومشاركة السوريين كافة في كتابة دستورهم، واختيار شكل نظامهم السياسي، وتداول السلطة… إلخ، كل ذلك يضع الكرة في ملعب حكومة الشرع.
أما بخصوص رؤيتنا للانتقال السياسي في سورية الجديدة فهي رؤية واضحة الملامح، سهلة، غير معقدة، تتمثل في الدعوة الى مؤتمر وطني جامع، يمثّل كافة مكونات الشعب السوري بأسلوب يتخلّف تماماً عن الأسلوب الساذج الذي استخدمته الحكومة الحالية في المؤتمر السابق ليبادر هذا المؤتمر الى انتخاب لجنة من أعضائه تتولى صياغة إعلان دستوري يحدّد شكل ومدة المرحلة الانتقالية، وآلية إدارتها للدولة والتي تنتهي بانتهاء مدتها، بعد أن تدعو إلى انتخابات عامة، ليبادر النواب المنتخبون إلى انتخاب لجنة لكتابة الدستور النهائي للدولة، ولينتخب من بين أعضائه رئيساً للجمهورية.
ويرى باشا: أنه من أنصار النظام البرلماني لأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا الحوار وتحتاج الى آخر مستقل.
قرار تأسيس الأمانة السياسية غير دستوري
ويعتقد المحامي محمد علي إبراهيم باشا:
بالنسبة لقرار تأسيس الامانة السياسية فهو قرار غير دستوري، وسيؤدي في حالة الإصرار عليها إلى ذات النتائج الكارثية التي وصلنا إليها.
ومن هذا المنبر أدعو حكومة السيد الشرع إلى إلغاء هذه الهيئة، واستبدالها برقابة منظمات المجتمع المدني، والبدء بخطوات تأسيس دولة مواطنة ديمقراطية ليبرالية علمانية، تتماشى مع قيم العصر الذي نعيشه وتحاول اللحاق بركب الدول المتحضرة التي قطعت أشواطاً كبيرة في هذا الشأن، وعدم اجترار ذات أساليب النظام السابق الاستبدادية ومحاولة فرضها على السوريين. لإنها لن تجد نفعاً معه ومع المجتمع الدولي الذي وضع سورية وسلطتها الحالية تحت المجهر.
وإن أي قرار خاطئ صادر عنها، أو أية محاولة للفّ والدوران لكسب عامل الوقت، أو لمحاولة خداع الغير بغرض فرض رؤية معينة واحدة، سيعني إطالة أمد معاناة السوريين، وسيعيق قيامة سوريا الجديدة كما يحلم بها بناؤها، وسيقودنا مجدداً إلى دروبٍ لا نعلم ماذا سينتظرنا في نهايتها.
محمد علي باشا
- ليسانس حقوق جامعة حلب عام 1997 وعضو نقابة المحامين السورية فرع الحسكة منذ عام 1998.
- مستشار قانوني في دولة الامارات العربية المتحدة في الفترة الممتدة بين 2000 ولغاية 2004.
- مستشار الشركة الوطنية للتامين في الفترة الممتدة من 2010 ولغاية 2015.
- عضو منظمة العفو الدولية فرع فرنسا ومستشار قانوني سابق لراديو روزنة.
- نائب رئيس مجلس إدارة منظمة ديناميكيات الشمال والعالم الكرامة في المجتمع وهي منظمة حقوقية معنية بمناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء ومقرها الدانمارك، مقيم حالياً في فرنسا.