fbpx

اللقاء التشاوري السوري الأمريكي الأول.. جمعٌ للشتات السوري وتلمّس حلٍ

0 495

يتداعى سوريون من حين إلى آخر إلى عقد لقاءات أو مؤتمرات أو أطر عمل سياسي بمسميات مختلفة، وهم في الغالب الساحق يعقدونها في الخارج، بسبب عدم توفر شروط أمان انعقادها في البلاد، لهيمنة سلطات الأمر الواقع، بما فيها هيمنة ميليشيا النظام الأسدي، وهم يرومون البحث عن وسيلة أو أخرى من أجل تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي لا يزال حبراً على ورق من ناحية تنفيذه.

في هذا المناخ السياسي المحيط بالقضية السورية، انعقد لقاء تشاوري لسوريين أمريكيين بتاريخ 29 أكتوبر 2022، تحت سقف البحث عن وحدة الطيف السياسي السوري المعارض للاستبداد الأسدي، وقد حضر هذه الفعالية شخصيات ذات وزن سياسي واقتصادي وعلمي واجتماعي، حيث شملت الدعوة لأول مرة شخصيات يهودية من أصل سوري معارضة للاستبداد، وشخصيات من الأزيديين إضافة إلى حضور ممثل مكتب عشائر تدمر بأمريكا.

تمّ في اللقاء تسليط الضوء على القضية السورية من زوايا مختلفة، ولكن الجميع اتفقوا على ضرورة وحدة السوريين في إطار عمل سياسي معارض واحد، فالحرب في البلاد صارت حرب الكل ضد الكل، هذه الحالة تسبب فيها غياب تدخل المجتمع الدولي، وهذا ما يدفعنا لاستعراض وجهات النظر التي طرحها المشاركون في اللقاء التشاوري في واشنطن.

ولكن، يمكن مع ذلك رصد تغيّرٍ في الجيواستراتيجية الأمريكية حيال الشرق الأوسط، بما فيها القضية السورية، وهناك رأي يقول إن الأمريكيين يعتمدون على مبدأ سياسي هو درء دور روسيا استراتيجياً، والتي تعتاش على استدامة الأزمة السورية هي ونظام حكم الملالي في إيران.

هذه الجيواستراتيجية الأمريكية الجديدة ولدت مع حرب روسيا على أوكرانيا، فالأمريكيون لاحظوا أن تفويضهم للروس في سوريا بإدارة ملف الصراع فيها، قاد بوتين إلى شنّ حربه ضد الشعب الأوكراني، في ظلّ حساباته السياسية المشتقة من تدخله الفظ في سوريا.

الأمريكيون يدركون تماماً أن حيوية الشرق الأوسط بالنسبة لهم تعتمد على تأمين الممرات المائية في المنطقة (البحر الأبيض المتوسط، البحر الأحمر، بحر العرب والمحيط الهندي، الخليج العربي)، فكل الدول التي تطلّ على هذه الممرات المائية هي تندرج ضمن الجيواستراتيجية الأمريكية، وهذا يعني انتهاء التفويض الأمريكي للروس في المنطقة.

إن نزول قوى الانتفاضة الإيرانية إلى شوارع مدن وبلدات إيران، سيدفع حكم الملالي إلى البحث عن محاولة سحق هذه الانتفاضة، وهذا سيزيد من تدهور الوضع السياسي لحكم الملالي، ما سينعكس بالضرورة لاحقاً على تحالف هذا الحكم مع النظام الاستبدادي الأسدي، وهذا ما يجب أن تستفيد منه قوى الثورة والمعارضة عبر توظيفه من خلال توحيد نفسها على برنامج عمل واحد يطيح بالاستبداد ويقيم دولة ديمقراطية تداولية.

في اللقاء هناك من ذهب للقول إن حرية السوريين تبدأ مع سقوط نظام الأسد، هذا السقوط يستلزم جهداً وطنياً لقوى الثورة من خلال طرح رؤية واضحة، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة صريحة هو ماذا سينتج عن لقاء واشنطن التشاوري الأول؟.

إن إغماض العيون عن ضرورة محاسبة قتلة السوريين هو أمرٌ لا يخدم التغيير المنشود في البلاد، وإن النخب السورية العلمية والفكرية والثقافية ليس لها مهمة سوى مساندة التغيير وقواه، وليس لعب دور المقرّر عن قوى الثورة.

إن مؤسسات قوى الثورة والمعارضة بغض النظر عن طريقة تشكّلها، هي مؤسسات ضرورية للتعبير عن مصالح الشعب السوري الثائر ضد الاستبداد الأسدي، ولهذا لا يمكن إهمال كل ما يتعلق بما افرزته حرب النظام الوحشية، سواء على وضع النازحين في الخيام على الحدود، أو أوضاع اللاجئين، فهذه المؤسسات بالتعاون العميق في إطار عمل واسع مسؤولة عن إدارة ملف أوضاع السوريين، وتحديداً في مناطق الشمال المحرر.

لم يخل اللقاء التشاوري من طرح فكرة خطر (الإسلام السياسي المتشدد) على بنية الدولة السورية التي ستولد بعد هذا المخاض، وهذا يتطلب سياسة واضحة يطرحها فريق واحد يمثّل السوريين، فليس طبيعياً أن يقوم أمريكيون من أصل سوري بتشكيل أطر ضيّقة لا تتسم بالطيف الوطني الواسع، هذه الأطر لا يمكن أن يحترمها الأمريكيون أو الأوربيون ما دامت متعددة ولها نفس الأهداف، فذلك الوضع يوحي بتفوق الذاتوية على الوطنية الواحدة، وهو فشل سياسي واضح.

إن اللقاء التشاوري الذي انعقد في واشنطن هو خطوة باتجاه توحيد السوريين في إطار عمل سياسي وطني غايته تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، عبر تشكيل هيئة حاكمة نصّت عليها القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري، وفي مقدمتها القرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر عام 2015.

اللقاء التشاوري بقي مسترشداً بوحدة سوريا واستقلالها، وضرورة مشاركة كل مكوناتها الوطنية في الخلاص من الاستبداد الأسدي، وبناء دولة المواطنة الديمقراطية، التي تحفظ حقوق كل هذه المكونات ضمن إطار مربع الوطنية الواحد.

إن تشكيل لوبي من الأمريكيين السوريين هو قوة سياسية لهم أمام باقي القوى السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، هذا أولاً، وثانياً سيكون تأثير وجود هذا اللوبي حاسماً في اتخاذ قرارات لصالح كفاح السوريين ضد نظام الاستبداد، فالأمريكيون من أصل سوري يمكنهم بتوحيد أنفسهم بإطار عمل سياسي واحد غير فئوي أو اقصائي، أن يدعموا قوى الثورة السورية من خلال تفعيل قانون قيصر ودعوة الإدارة الأمريكية لتنفيذ التزاماتها حيال القرار الدولي 2254.

فهل سيكون اللقاء التشاوري الأول، الذي عُقد في واشنطن في التاسع والعشرين من أكتوبر، عتبة لبداية توحيد الأمريكيين من أصل سوري، في إطار سياسي واحد وفاعل؟

هذا ما ينتظره الشعب السوري في أرجاء سوريا من أخوتهم السوريين الأمريكيين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني