fbpx

القضية الكردية في سورية… صراع الهوية والانتماء

0 219

مدخل:

تشكو المجموعة العرقية الكردية في مناطق وجودها في البلدان الأربعة (إيران – العراق – تركيا – سورية) من عدم قدرتها على إنجاز مهمة بناء كيانها القومي الخاص بها، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى توزع الوجود السكاني الكردي على تلك الدول ورفض الأنظمة السياسية في هذه البلدان من تمكين الأكراد من حكم ذاتي يقود إلى انفصال مناطقهم عن الوطن الأم. هذه الأنظمة السياسية تعتبر قيام كيان كردي خاص تهديداً لأمنها القومي ولوحدة أراضيها دون التمكن من إيجاد صيغة سياسية تساعد الأكراد في بلدان وجودهم على الإحساس بعدم الغبن الوطني سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ومن جهة أخرى فإن النخب السياسية الكردية عموماً تكشف عن حالة عدم تماسك داخلي لهذه المجموعة بسبب كثرة مجموعاتها السياسية والحزبية رغم وجود نقاط تقاطع كبيرة على صعيد قضيتهم.

وفي سورية يمثل الأكراد نسبة سكانية يختلف عليها المهتمون بالشأن الكردي، هذه النسبة تبلغ 8 بالمئة من عدد سكان البلاد وفق تقديرات جهات سياسية سورية منحدرة من الأكثرية العربية، بينما هي تتراوح ما بين 10 بالمئة إلى 15 بالمئة لدى الجهات السياسية المنحدرة من العرق الكردي. أما البيان الإحصائي فيقول إن الأكراد في سورية لا يُعرف عددهم الفعلي في ظلّ غياب أي إحصاء رسمي. ولكن التقديرات الأولية لأعداد الأكراد تتراوح ما بين المليون والمليوني نسمة من أساس ثلاثة وعشرين مليون مواطن سوري.

ويقطن أكراد سورية ضمن مناطق الشريط الحدودي بين سورية وتركيا والعراق في منطقة الجزيرة بمحافظة الحسكة، حيث تتركز قرب هذا الشريط تجمعات الأكراد السكانية مثل الدرباسية وعامودا والقامشلي، وكذلك يقطن قسم آخر من الأكراد السوريين في منطقة عفرين الجبلية المحاذية لتركيا في محافظة حلب، إضافة إلى منطقة عين العرب التي تسمى “كوباني” لدى الأكراد.

والأكراد في غالبيتهم الساحقة ينتمون دينياً إلى الإسلام وهم في أكثريتهم الساحقة من المسلمين السنة.

إن إحصاء الحسكة الذي جرى في الخامس من أكتوبر عام 1962 في عهد الرئيس ناظم القدسي أي في مرحلة الانفصال سبّب انقسام الأكراد بخصوص الجنسية إلى الحالات التالية وخلق مشكلة لاحقة: 

1- أكراد يتمتعون بالجنسية السورية 

2- أكراد يتجردون من الجنسية السورية ومسجلون في القيود الرسمية على أنهم أجانب 

3- أكراد مجردون من الجنسية السورية وغير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية ويمكن تسميتهم (مكتومو القيد)1.

هذا الإحصاء شكّل لاحقاً مرجعاً لشكوى النخب السياسية الكردية والتي تعتبره تمييزاً بحق مجموعتهم القومية حيث تسبب هذا الإحصاء حينها بي حرمان أكثر من سبعين ألف كردي من الحصول على الجنسية السورية2.

ويرتكز الإحساس بالغبن لدى أكراد سورية على تجاهل السلطات المتعاقبة على الحكم في سورية لهويتهم وطمسها لهذه الهوية من خلال منع استخدام اللغة الكردية في التعليم وإنتاج الثقافة وكذلك من خلال تغيير الأسماء الكردية للقرى التي يقطنونها بأسماء عربية، ولهذا فإن النخب السياسية الكردية تلتقي على قاعدة إلغاء القوانين الاستثنائية وبناء حكم ذاتي في المناطق التي يشكلون غالبية سكانها.

إن بنية المجتمعات الكردية “تطورت بالتفاعل مع طبيعتهم الجبلية الصعبة التي فرضت عليهم أنماطاً قبلية وساعدتهم على الاحتفاظ بهويتهم لكنها عزلتهم إلى حدٍ كبير عن المدنية”3.

ويتكلم أكراد سورية اللغة الكردية “اللهجة الكرمانجية” ولا توجد موانع لغوية في تفاهمهم، إلا أن الأكراد المقيمين منذ القديم في دمشق أو اللاذقية أو حوران يتكلمون اللغة العربية ونسيت أجيالهم المتعاقبة والجديدة اللغة الكردية4.

الأحزاب الكردية السورية

المجلس الوطني الكردي:

تنتظم الحياة السياسية الكردية في سورية عبر تشكيلين سياسيين رئيسيين، التشكيل الأول هو المجلس الوطني الكردي في سورية، وهو ائتلاف سياسي يضمُّ أحد عشر حزباً سياسياً كردياً سورياً. “وقد تشكل المجلس الوطني الكردي بتاريخ 26 تشرين الأول أكتوبر عام 2011 في مدينة أربيل العراقية وبرعاية من رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك السيد مسعود البرزاني”.

وقد بنى هذا المجلس رؤيته السياسية على أساس اللامركزية السياسية وهو ما سبب خلافاً عميقاً بينه وبين المجلس الوطني السوري الذي كان يمثل المعارضة السياسية، إذ رفض برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري آنذاك طلباً للمجلس الوطني الكردي باعتماد الفيدرالية في سورية ما بعد الأسد معتبراً ذلك بأنه وهم”5.

وعرض المجلس الوطني السوري الاعتراف بالأكراد دستورياً كجماعة إثنية منفصلة في الدستور الجديد وحل القضية الكردية من خلال “إزالة الظلم والتعويض على الضحايا والاعتراف بالحقوق الوطنية الكردية ضمن سورية موحدة أرضاً وشعباً”.

لكن المجلس الوطني الكردي كان يريد تطبيق مفهوم اللامركزية السياسية وهذا قد يفتح الباب لاحقاً إلى انفصال جزء من الأرض السورية الأمر الذي جعل المجلس الوطني السوري لا يقبل بأكثر من اللامركزية الإدارية.

وقد نشر المجلس الوطني السوري في نيسان عام 2012 الميثاق الوطني/المسألة الكردية في سورية إذ استبعدت الوثيقة الصياغة التي تعترف بالأمة الكردية داخل سورية ما أدى إلى انسحاب المجلس الوطني الكردي.

أما علاقات المجلس الوطني الكردي مع المعارضة السورية خارج المجلس الوطني وتحديداً مع هيئة التنسيق الوطنية لم تكن تختلف كثيراً إذ كان موقف الهيئة الأصلي يتوخى حلاً ديمقراطياً للقضية الكردية في إطار وحدة الأراضي السورية مع بقاء سورية جزءاً من العالم العربي.

لكن المجلس الوطني ذهب إلى إيجاد توازنات سياسية له في توقيعه على اتفاقية تعاون مع ما يسمى مجلس غرب كردستان وهي هيئة أنشأها حزب العمال الكردستاني في تركيا وذلك بتاريخ 11 حزيران 2012 ووقع عليها أيضاً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية والذي يُصنف كفرع لحزب العمال الكردستاني التركي.

إن علاقات المجلس الوطني الكردي في سورية تقوم على أساس تحالف وثيق مع إقليم كردستان العراق وحكومته، ومع ذلك ينظر المجلس الوطني الكردي بعين الشك والريبة إلى تركيا ويتهمها بالضغط على المجلس الوطني السوري لحمله على عدم الرضوخ لمطلب الحكم الذاتي الذي ينادي به المجلس الوطني الكردي في سورية.

ويطلب المجلس الوطني الكردي في سورية في برنامجه السياسي تحقيق الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية وبالشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية، ويطالب كذلك بإلغاء السياسات والقوانين المطبقة على أكراد سورية بما في ذلك حظر استخدام اللغة الكردية وإنشاء المدارس الكردية والتعويض على المتضررين وتحقيق اللامركزية السياسية في الحكم في سياق وحدة الأراضي السورية.

ولكن المجلس الوطني الكردي قام بالتوقيع على مسودة اتفاق ينضم بموجبها لائتلاف قوى الثورة والمعارضة بتاريخ السابع من أيلول سبتمبر 2013.

حزب الاتحاد الديمقراطي PYD:

يعتبر كثير من المهتمين بالشأن الكردي السوري أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا والذي يطلق عليه اختصاراً “PKK “. هذا الحزب يلعب دور المنافس السياسي الرئيس للمجلس الوطني الكردي، وقد تأسس في 20/9/2003 وعقد مؤتمره التأسيسي في جبال قنديل المعقل الرئيسي لحزب PKK. ويأتي تأسيسه على خلفية محاولة الالتفاف على قرار إدراج الـ PKK على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. ولذلك اضُطر إلى إقرار مطالب سياسية لا تشمل قيام دولة كردية وإنما إدارة ذاتية وحكم ذاتي كردي.

وفي البرنامج السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي “برنامج عام 2017” أقرّ الحزب خلال انعقاد مؤتمره يومي 28-29 /9/2017 في مدينة رميلان السورية بمحافظة الحسكة المشروع الفيدرالي كحلٍ للمسألة السورية عموماً وقد جاء في بيان الحزب الختامي للمؤتمر السابع “إن الحزب يؤكد على دوره في إنجاح العملية التفاوضية لإيجاد حلٍ للأزمة السورية على أساس مساره السياسي الديمقراطي بالاستناد إلى مشروع الفيدرالية الديمقراطية”.

هذا التغيير في البرنامج السياسي يعبّر عن محاولة مواكبة التغيرات السياسية والجغرافية في سورية ليس تماشياً مع ما يتمّ الاتفاق عليه في مؤتمراته مع قاعدته الشعبية “فالحزب شارك في المشروع الفيدرالي قبل أن يصادق عليه في مؤتمره السابع، هذا التغيير والإصرار على الفدرلة لم يكن موقف الحزب عام 2011 الرافض آنذاك للفيدرالية، إذ هدّد صالح مسلم رئيس الحزب في تلك الفترة من يطالب بالفيدرالية واتهمهم بالخيانة”6.

ويبدو أن المشروع الفيدرالي الذي تبناه حزب الاتحاد الديمقراطي يجد دعماً أمريكياً وأوروبياً عن طريق منظمات أمريكية وأوربية عاملة في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية “قسد” التي يشكل حزب الاتحاد عمودها الفقري.

إن دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي على ما يسميه “دمقرطة المجتمع – دمقرطة الدولة” تنسجم وخطابه السياسي. لكن هذا الحزب الذي يكن العداء العلني للدولة التركية لا يفعل ذلك مع النظام السوري الذي يتسم بطبيعة ديكتاتورية واستبدادية في سورية وهذا لا ينسجم مع دعوته الديمقراطية.

قوات سورية الديمقراطية (قسد): 

تشكلت قوات سورية الديمقراطية “قسد” من تحالف فصائل عسكرية مختلفة في محافظة الحسكة في العاشر من أكتوبر عام 2015، وتمّ تشكيل هذه القوات بناء على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية بهدف محاربة وطرد تنظيم داعش من الأراضي السورية ومن الشريط الحدودي السوري/التركي، وتهدف هذه القوات إلى المساهمة بإنشاء دولة سورية ديمقراطية يتمتع جميع مواطنيها بالعدل وكامل الحقوق. وقد استطاعت قوات سورية الديمقراطية طرد تنظيم داعش من قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي بعد الدعم العسكري الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة لهذه القوات عبر إلقاء السلاح عليها جواً.

وتتألف قوات سورية الديمقراطية من عدة ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، ويبلغ تعداد هذه القوات ما بين 30-40 ألف مقاتل ومقاتلة7.

وجاء في بيان تأسيس هذه القوات: “إن هذه القوات تضمّ القوى العسكرية التالية: التحالف العربي السوري وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة والمجلس العسكري السرياني ووحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة الكردية. وتشكل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وهي قوى مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية “قسد” والتي تسيطر الآن على مساحة 35 ألف كم مربع من مجموع مساحة سورية المقدرة 185 ألف كم مربع.

وتخطط الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم هذه القوات بدورٍ سياسي لاحقاً في حل المسألة السورية بعد القضاء على داعش، وقد ظهر ذلك من خلال نوعية التسليح الكبير الذي زودت به واشنطن حليفتها قوات سورية الديمقراطية بغرض فرضها كمعادلة عسكرية وسياسية في الصراع السوري. ويتضح من عمليات الشدّ والجذب في التصريحات الأمريكية والتركية أن استخدام قوات سورية الديمقراطية من قبل الولايات المتحدة هو نوع من الالتفاف على قرارات أمريكية وأوربية سابقة صنّفت حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي كقوة إرهابية. لذلك طلبت الولايات المتحدة من هذا الحزب تشكيل ما يسمى قوات سورية الديمقراطية للقول بأن هذه القوات ليست تابعة لـ PYD وبالتالي هي غير مشمولة بالتصنيف السابق على أنها قوات ارهابية.

وفي هذا السياق قال المتحدث باسم البنتاغون الأمريكي “إريك باهون”: “إن الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري في سورية طالما كان ذلك ضرورياً وسنحتفظ بالتزاماتنا طالما دعت الضرورة لدعم شركائنا ومنع عودة الجماعات الإرهابية إلى هذا البلد”8.

إن قراءةً حقيقيةً لدور قوات سورية الديمقراطية لا ينبغي فصله عن مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة وهذه القوات تُدار فعلياً من حزب الـ PYD الكردي والذي يخضع بدوره لإشراف أمريكي حقيقي. وقد كشف العقيد طلال سلو المتحدث الرسمي السابق باسم هذه القوات عن هذه الحقيقة باعتباره من الدائرة الضيقة لصنع القرار فيها. يقول طلال سلو: “كنّا نوقع على تسلّم الأسلحة على وثائق أمريكية ولكن جميع الأسلحة كانت تذهب إلى شخص يدعى “صفقان” وهو قيادي لدى الـ PKK ومن أكراد تركيا. ويضيف سلو: “الولايات المتحدة هي التي تُدير قوات سوريا الديمقراطية، فكل ما يجري كان عبارة مسرحية حتى ولو جرت انتخابات”9.

ولتأكيد هذا الاتجاه الذي تذهب إليه الأمور يقول قائد لواء التحرير عبد الكريم عبيد: “كنت من الدائرة الضيقة في قوات سورية الديمقراطية، نحضر اجتماعات التحالف الدولي لكن كجزء من البروتوكول، أما تنسيق العمليات فيتم حصراً مع قائد قوات سورية الديمقراطية شاهين جلو ونائبه “قهرمان” والاثنان من حزب العمال الكردستاني، وإن هناك منعاً تاماً لحصول الفصائل العربية على السلاح الثقيل بل حتى القناصات والذخيرة الاحتياطية، وما عدا ذلك فهو للاستهلاك الإعلامي لا أكثر”10.

مجلس سوريا الديمقراطي: 

تشكل مجلس سورية الديمقراطي في مدينة المالكية السورية “ديريك” بمحافظة الحسكة بعد دعوة وجهتها “حركة المجتمع الديمقراطي” لعقد مؤتمر يضمّ قوى المعارضة المعتدلة تحت شعار: “معاً نحو بناء سورية حرة ديمقراطية”.

وقد انعقد هذا المؤتمر بتاريخ 9/12/2015 في الفترة التي تم فيها انعقاد مؤتمر الرياض الأول في السعودية والذي ضم قوى الثورة والمعارضة السورية والذي انبثقت عنه الهيئة العليا للتفاوض مع النظام السوري من أجل التوصل إلى حلٍ سياسي للصراع في سورية.

وضمّ مجلس سورية الديمقراطي في صفوفه حزب الاتحاد الديمقراطي وهو الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية بقيادة صالح مسلم. وجاء في الورقة السياسية للمؤتمر “مجلس سورية الديمقراطي هو مشروع سياسي وطني ديمقراطي سوري يعمل على ضمّ كل المكونات المجتمعية والكيانات السياسية في هذه المرحلة الاستثنائية المصيرية، ويخوض بقواه المدنية والسياسية وشخصياته الاعتبارية المعارك السياسية القادمة من أجل انتقال البلاد من العنف والاستبداد والتطرف إلى دولة القانون”11.

وتمثلت في المؤتمر قوى عديدة ذات وجود سياسي ضعيف على الساحة السورية باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي يعتبر القوة الكبرى في هذا المجلس. ومن القوى التي انخرطت في هذا الكيان السياسي تيار قمح الذي يقوده هيثم مناع وصالح النبواني وماجد حبو إضافة إلى تجمع عهد الكرامة والحقوق ويمثله مرام داود وبشار الشرع وحركة المجتمع الديمقراطي التي تتزعمها إلهام أحمد وجهاد محمد عمر، وكذلك التحالف الوطني الديمقراطي السوري بقيادة علاء الدين الخالد وروان محمد، وكذلك الكتلة الوطنية الديمقراطية التي يتزعمها أحمد الجربا الرئيس السابق لائتلاف قوى الثورة والمعارضة.

لكن مجلس سورية الديمقراطي لم يستطع أن يلعب أي دور سياسي حقيقي والسبب في ذلك يعود إلى أن تشكيله لا يتعدى أن يكون واجهةً سياسية يختبئ خلفها حزب الـ PYD والذي تتعارض مواقفه السياسية مع الأجندة الوطنية الديمقراطية للمعارضة السورية بما فيها موقف المجلس الوطني الكردي. ولهذه الأسباب بقي الدور السياسي لمجلس سورية الديمقراطي دوراً يتعلق بنخب سياسية معزولة عن فعل الصراع السياسي في الساحة السورية وعجز عن تمثيل شرائح اجتماعية ذات قاعدة واسعة لحقتها نيران الصراع الدامي في البلاد. وبالمحصلة يمكن القول إن القوة السياسية والعسكرية لحزب PYD هي المحرك الرئيس لسياسات هذا المجلس باعتبارها القوة الأكبر التي تملك نفوذاً عسكرياً ودعماً دولياً من الولايات المتحدة الأمريكية ومن بعض الدول الأوربية.

حزب مستقبل سورية:

تمّ تشكيل حزب مستقبل سورية الجديد لتلبية ضرورات سياسية فرضتها مجريات الصراع العسكري والسياسي في سورية، وقد انعقد هذا المؤتمر في مدينة الرقة السورية التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية “قسد” بالتعاون مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والواضح في الأمر أن خبر انعقاد هذا المؤتمر التأسيسي تمّ الاعلان عنه بتاريخ 27/3/2018 أذيع عن طريق قوات سورية الديمقراطية. حيث جاء: “وقد أفادت مصادر في قوات سورية الديمقراطية بأنه سيتم اليوم الإعلان عن حزب جديد من ساحة الساعة وسط مدينة الرقة”12.

ويبدو أن هذا الحزب الجديد الذي انتخب ابراهيم القفطان العربي الأصل والمنحدر من مدينة منبج السورية رئيساً له سيكون حزباً مختلفاً بعدة نقاط عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأبرز هذه النقاط أن حزب مستقبل سورية يتبنى رؤية المعارضة السورية بما يتعلق بتحميل مسؤولية استمرار الأزمة للنظام وحده، إضافة لأخذه اللائحة الدولية بالمنظمات الإرهابية وقصد بالتنظيمات الإرهابية بالنصرة وداعش، وتأكيده على أن ما جرى في سورية هو انتفاضة الشعب السوري من أجل بناء سورية ديمقراطية تعددية تشاركية يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات والتأكيد على الحل السلمي الذي توافقت عليه جميع الأطراف الدولية والمحلية أي التخلي عن فرض الأمر الواقع، إضافة إلى رفض الحزب الارتباط بالأجندات الإقليمية والدولية أو برامج أي أحزاب أو تنظيمات سياسية وهذه إشارة واضحة على فك الارتباط أو عدم تبني فلسفة وأيديولوجية PKK 

أو أي تنظيم خارجي. ويشدّد على إقامة أفضل العلاقات مع المعارضة السورية والدعوة للتعاون والعمل المشترك ويشدد على الالتزام بمخرجات جنيف والقرارات الدولية ذات الشأن وخاصة القرار 2254 وتأكيد سيادة الدولة السورية ورفض اقتطاع أي جزءٍ منها وذلك لإبعاد تهمة الانفصال عن الحزب الجديد. ويسعى حزب مستقبل سورية إلى إقامة أحسن العلاقات مع دول الجوار وشعوبها بما فيها تركيا والعراق والتخلي عن الحلول الفردية”13.

التباينات والاتجاهات لدى أكراد سورية:

يبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD والذي قبل أن يشكل المحور الرئيس للقوات الجديدة التي ستؤسسها الولايات المتحدة وتنشرها على الحدود السورية مع كلٍ من تركيا والعراق لم يتوقع أن تتطور الأمور ويقوم الأتراك بحملة عسكرية كبيرة بالتعاون مع قوات من الجيش الحر ضده في منطقة عفرين السورية المتاخمة للحدود التركية. ولم يتوقع الحزب أن تتخلى عنه الولايات المتحدة وحتى أوروبا ما أدى إلى هزيمته عسكرياً وطرده من عفرين مع استمرار التهديدات بطرده من تل أبيض ومن منبج وغيرهما من مناطق بسط عليها سيطرته بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الدولي. لم يدرك الحزب أن دوره المنوط به أمريكياً كان مخصصاً لوظائف سياسية بعيدة المدى تريدها الولايات المتحدة للضغط على تركيا لقبول سياسات ترفضها الدولة التركية تتعلق بأمنها القومي وبمصالحها العليا. وقد كشفت معارك عفرين عن تراجع الولايات المتحدة عن حماية حليفها الكردي في عفرين وتركه لمصيره بمواجهة القوات التركية. ويبدو أن هذا التراجع الأمريكي أتى على قاعدة التقارب الجديدة بين الدولتين التركية والأمريكية وبناء على تصحيح السياسات الأمريكية اتجاه تركيا ودورها في معادلات الصراع في منطقة الشرق الأوسط وفي الصراع الجاري على سورية وفيها.

لقد أدرك الأمريكيون أنهم معنيون بتفكيك التحالف الثلاثي المؤقت بين كلٍ من روسيا وإيران وتركيا من خلال تقديم تنازلات ملموسة للأتراك تُثبت لهم جدية الموقف الأمريكي الجديد الذي شهد توترات كبيرة بين البلدين منذ الانقلاب الفاشل في الخامس عشر من تموز عام 2016.

ويبدو أن حزب الـ PYD أدرك أن هذا المسار الجديد للسياسة الأمريكية كان المطلوب منه إعادة تقييم دوره وعلاقاته وتحديداً بما يخص الموقف من الصراع في سورية وعليها.

إن رغبة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالخلاص من ارتباطه السابق بحزب الـ PKK ومن البرنامج السياسي الذي يقول بالفيدرالية الشمالية اضطره أن يقبل بتعديل صيغته السياسية الجديدة ويطلق حزباً جديداً تحت اسم “حزب مستقبل سورية” وهو يريد من هذا الحزب أن يجد تقاطعات واسعة مع المعارضة السورية المنضوية تحت مظلة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وكي يتجنب الحديث عن ارتباطاته بأجندات إقليمية ودولية. 

القوى الكردية السورية ودورها الوطني المفقود:

لا يزال التمزق السياسي في الساحة الكردية يقوم بمفاعليه بين التيارين الكرديين المجلس الوطني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والذي لم يسع إلى ردم الهوة مع باقي الأحزاب الكردية على قاعدة الممكن من المهام وعلى أرضية برنامج وطني ديمقراطي يشمل كل سورية، هذا التمزق مع ما رافق ذلك من جرّ الويلات على أكراد عفرين والتي تسببت بها سياسة الحزب المنخرطة فعلياً مع سياسة حزب الـ PKK الذي يعتبر حزباً تركياً كما يقول معارضوه يحتاج إلى مراجعة سياسية حقيقية سواءً منه أو من المجلس الوطني الكردي. فالحزب جرّب أشكالاً سياسية مختلفة وتحالفات متعددة دون أن يعيد النظر فعلياً بمرتكزيه الفكري والسياسي القائمين على التشدد بالمسألة القومية الكردية في ظروف إقليمية ودولية غير ناضجة لتفهم هذه المسألة. إن تجاوز عتبة الرؤية القومية سيساعد أكراد سورية على الانخراط جدياً بالمشروع الوطني الديمقراطي السوري بما يخدم مكونات سورية المتعددة ضمن وحدتها. لذلك فالرأي الذي يقول إن حقوق أكراد سورية تتحقق عبر مزيد من التشدّد دون فهم التكوين السياسي لأنظمة المنطقة التي يعيش الأكراد موزعين فيها سيجرّ مزيداً من التعقيدات في حياة أكراد هذه الدول، فمن حق الأكراد الحصول على مواطنة متساوية تنظمها دساتير عادلة وفاعلة وأول هذه الحقوق هي الحقوق الثقافية وحقوق العمل. فهل تجد النخب السياسية الكردية الجرأة المطلوبة لمراجعة نقدية وتصويب سياساتها على قاعدة انتمائها الوطني في بلدان وجودها؟ هذا تقرره التطورات السياسية لدى الأكراد السوريين وفي الإقليم.

ثبت المراجع 

1- القضية الكردية في سورية محمد موسى محمد الجزيرة نت 11/6/2006 

2- الجزيرة نت 3/4/ 2011 الأكراد في سورية 

3- المصدر السابق 

4- الجزيرة نت 23/5/2006 د. طاهر حسو زيباري 

5- القضية الكردية في سورية محمد موسى محمد الجزيرة نت 11/6/2006 

6- مركز كارنيغي للشرق الأوسط – المجلس الوطني الكردي.

7- برنامج حزب الاتحاد الديمقراطي عام 2017 

8- العربية نت 23/5/2016 سورية الديمقراطية من هي وعلاقتها بالأسد؟ 

9- Arabic sputnik 17/12/ 2017 

10 – زمان الوصل – حكاية تشكيل مجلس سوريا الديمقراطي – نقلاً عن وكالة الأناضول 2/12/2017 

11 – الجزيرة نت 21/11/ 2016 قوات سورية الديمقراطية – جيش الأكراد بسورية رأفت الرفاعي 

12 – BBC عربي 8/6/2017 نبذة عن سورية الديمقراطية 

13 – مجلس سورية الديمقراطي – المؤسسة السورية للدراسات 9/1/2016 أحمد خورشيد 

14 – الشرق الأوسط – سورية المستقبل _ حزب جديد شرق الفرات 27/3/2018 

15 – مدار اليوم 28/3/2018 PYD يتخلى عن مشروعه ويطلق حزب مستقبل سورية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني