العودة إلى المدارس في دمشق في ظل خطر الكورونا وانهيار النظام التعليمي ونقص المعلمين
بعد انحسار الموجة الأولى من الكورونا بدأت بعض الدول في العالم العودة إلى حياتها الطبيعية وتخفيف الإجراءات الصارمة التي طبقت مع انتشار الكورونا وعاد معظم المواطنين إلى أعمالهم وأشغالهم، وأعادت معظم الدول افتتاح المدارس والجامعات والسماح بالطلاب بالعودة لكن مع ضمان سلامتهم وصحتهم فألزمت الطلاب بارتداء الكمامات وبالتعقيم وقياس درجة الحرارة قبل الدخول والحفاظ على التباعد بين الاجتماعي بين الطلاب.
وضع المدارس في سوريا في ظل الكورونا:
حذت سوريا حذو باقي الدول وقررت إعادة افتتاح المدارس مع العلم أن الجامعات في سوريا افتتحت منذ الشهر السادس، ومع أن الجامعات ألزمت الطلاب وقتها بالكمامات فقط عند الدخول إلا أن افتتاح الجامعات أدى إلى انتشار الكورونا بشكل كبير وخاصة في الشهرين السادس والسابع والتي وصلت فيها سوريا إلى ذروة المرض، ومع ذلك أصر وزير التربية على افتتاح المدارس في موعدها المحدد في ظل غياب أي إجراءات حماية ووقاية ضد الكورونا، فقد خسرت سوريا في ظل الحرب 3000 مدرسة بين دمار كلي وجزئي وتحولت 1500 مدرسة إلى مراكز إيواء ما زاد من الضغوط على المدارس المتبقية، وهذا ما حذر منه عميد كلية الطب الدكتور نبوغ العوا: إذ أعلن أن العودة إلى المدارس ستؤدي إلى كارثة خاصة وأن الصفوف تمتلئ بالطلاب ففي بعض المدارس يصل عدد الطلاب إلى 50 طالباً في الصف الواحد ويجلس في المقعد الواحد 3 طلاب، وقد برر وزير التربية قراره بأن الصغار أكثر وعياً من الكبار والدليل على ذلك أن الأطباء يموتون بالكورونا والأطفال لا يصابون، وقد طلب الوزير من الدكتور نبوغ أن يغلق المشافي فهي التي تنشر كورونا وليست المدارس ما أثار موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أدت المهاترات بين الوزير والدكتور نبوغ إلى إقالة الدكتور من منصبه كعميد كلية الطب، وقام الوزير بجولات على المدارس وقام بإظهار المدارس بصورة مثالية وإخراج صور تدل على الاهتمام والتعقيم وتطبيق التباعد الاجتماعي ولكن سرعان ما انتشرت الصور الحقيقية من داخل المدارس والتي أظهرت الوضع المزري للمدارس وغياب أي إجراء وقائي أو اهتمام بالمرافق الصحية للمدارس مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة وغياب أي وسائل للتخفيف منه.
الواقع التعليمي للمدارس في سوريا:
والوضع العلمي لا يقل سوءاً عن الوضع الصحي إذ تعاني المدارس الحكومية في دمشق نقصاً كبيراً في الكادر التدريسي نتيجة عزوف معظم المعلمين عن التدريس في المدارس الحكومية نظراً إلى ضآلة الراتب إذ يصل راتب المعلم المثبت إلى 40000 ليرة سورية بعد عدة سنوات من الخدمة أي 20 دولار أمريكي بينما المعلم الوكيل الذي يتقاضى عن الساعة التدريسية 300 ليرة سورية أي أقل من ربع دولار، وقد قمنا بزيارة أحد المدارس الثانوية في دمشق وأجرينا حواراً مع الطلاب واستفسرنا منهم عن كيفية سير العملية التعليمية فأخبرونا أنه لا يوجد معلمين وقد أخبرهم المدير أنه لا يوجد معلمين حتى الآن وطلب منهم العودة إلى منازلهم، وحتى طلاب الشهادات الإعدادية والثانوية يعانون من انعدام المدرسين لذلك يلجؤون إلى الدروس الخاصة، أو المدارس الخاصة التي تعود ملكيتها للمسؤولين والوزراء في سوريا والتي تصل تكلفة السنة فيها إلى أكثر من مليون ليرة سورية، وقد قامت هذه المدارس باستقطاب المعلمين وإفراغ المدارس الحكومية منهم.
سألنا السيدة علياء وهي معلمة رياضيات تعمل في إحدى المدارس الحكومية، فأخبرتنا أنها تعمل وزوجها في التعليم، ولكن مجموع راتبيهما لا يكفي لتسديد إيجار المنزل الذي يقطناه لذلك يلجأ الاثنان إلى الدروس الخاصة وبالسر لأن الحكومة منعت المعلمين الحكوميين من إعطاء دروس خاصة تحت طائلة الحبس والغرامة.
أما بالنسبة لأهالي الطلاب فقد كان الوضع أدهى وأمر نظراً لزيادة أسعار الكتب والقرطاسية واللباس التي تضاعفت أسعارها عشر مرات، في ظل غلاء فاحش ورواتب لا تسد الرمق، وتتالي الأزمات على رؤوس المواطنين دون أدنى تدخل من الحكومة كما اعتادت في جميع المشاكل التي يتعرض لها المواطنون، واكتفت بالتنظير والعيش في الأحلام الوردية وإيهام الشعب أن سوريا بخير ونشر إعلانات لتشجيع المواطنين لإرسال أبنائهم إلى المدارس متوهمين أن الغش والخداع وتجميل الواقع السيء مازال يجدي نفعاً مع المواطنين الذين فاض بهم الكيل من فشل الحكومة وسوء الأوضاع وانعدام أي أمل في حلول قريبة و جذرية.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”