fbpx

العنف ضد المرأة

0 177

بداية مَنْ هي المرأة؟ وما المقصود بالتمييز والتعنيف؟

1- مَنْ هي المرأة؟

المرأة لغة: من (مَرِئَ): أي استساغ، والمرأة مؤنث المرء، وجمعها: (نِسَاء ونِسْوة) من غير لفظها.

اصطلاحاً: هي ذلك المخلوق الجميل صانع الحياة: أمّأً، وأختاً، وزوجة، وبنتاً، وعمة، وخالة، وجدة، وصديقة، وحبيبة. وفي المعجم: الأنثى البالغة، وتستخدم لتمييز الفرق بين الجنسين بيولوجياً، أو لدورها الاجتماعي في ثقافات الشعوب.

2- ماذا يعني التمييز والعنف؟

التمييز لغة: (ميّز تمييزاً) بمعنى: عَزَلَه وفَرَزَه عن غيره، وفضَّلَه على سواه.

اصطلاحاً: حسب اتفاقية القضاء على أشكال العنف ضد المرأة يعني: “أيّ تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل”.

العنف لغة: (عَنُفَ عُنْفَاً وعَنَافة، وعنَّفَ تعنيفاً) لامه، وعامله بشدّة وقسوة، ولم يرفق به، والعنف في الذكر يقابله اللطف في الأنثى.

اصطلاحاً: كل شكل من أشكال المعاملة التي تتضمّن الشدّة والقسوة واللّوم على اختلاف درجاتها جسدياً أو معنوياً، وبعضهم يعتبر التمييز شكلاً من أشكال العنف، لكنهما كثيراً ما يستخدمان بمعنى واحد.

3- هل هناك عنف ضد المرأة؟

نعم، إنّ ما يلحق بالمرأة معنوياً من كلام جارح يمس كرامتها أو التحرش بها، أو الاعتداء عليها جسدياً، أو سلبها حقها المعنوي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي يعتبر عنفاً ضدها. وحسب اتفاقية إسطنبول التي أبرمها المجلس الأوربي وفتح باب التوقيع عليها في 11/5/2011 وضّحت أن ” العنف ضد المرأة يُفهم على أنه انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة، ويعني جميع أشكال العنف القائم على أساس نوع الجنس التي تؤدي إلى أضرار بدنية أو جنسية، أو نفسية أو اقتصادية أو من المحتمل أن تؤدي إلى ذلك بما في ذلك الحياة العامة أو الخاصة” في الأسرة، وفي المجتمع، والدولة، وحالات النزاعات المسلحة. وعليه فالعنف يشمل:

1ـ العنف الأسري: وهو كل عنف تتلقاه المرأة في محيطها الأسري من غرس مفهوم الطاعة والتبعية، أو كلام جارح، أو زواج قاصر أو قسري، أو سفاح الأقارب، أو إكراه جنسي بين الزوجين، أو الاعتداء العاطفي أو النفسي، وموافقة السفر، أو الضرب، أو ما يسمّى جرائم الشرف.

2ـ العنف داخل المجتمع

آـ في المدرسة: كل كلام يجرح أو يحبط أو يهين، أويغرس مفاهيم التفرقة بين الجنسين، وأنّ الأنثى أضعف من الذكر، والفصل بين الجنسين. وتعزيز مفهوم الطاعة والتبعية، والضرب.

ب ـ في المجتمع المحيط: كالتحرش، الترهيب في العمل والمؤسسات، والاغتصاب، والاتجار بالنساء لأغراض جنسية واقتصادية، والسياحة الجنسية، وكل ما يقسر المرأة على عمل ليس من اختيارها.

3ـ عنف الدولة: وهو كل عنف تتغاضى عنه الدولة ومسؤولوها كـ(سن القوانين غير المنصفة بين الجنسين، أو الممارسة بتفضيل الذكر على الأنثى بالقبول في الوظائف العامة، أو تمثيل المؤسسات أو الحكومة، أو في شروط العمل والإجازات.).

4ـ العنف في حالات النزاع المسلح: وهو انتهاك لحقوق المرأة كإنسان من (قتل، اغتصاب، رهائن، تشرد، استرقاق، الحمل القسري، زواج القاصرات، الإتجار بها جنسياً أو بأعضائها.).

تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن 35٪ من النساء يعانين من العنف الجسدي والجنسي، وأن (87000) امرأة قتلن في عام 2017، منهن 72٪ فتيات، وأن (700 مليون) فتاة تزوجن قاصرات، منهن (250 مليون) دون 15 سنة، و(120 مليون) تعرضن لأفعال جنسية، و(200 مليون) تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية أكثرهن في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعرض ما يقرب من (209) مليون شخص للإتجار بالأعضاء أكثرهم من النساء.

4 – متى بدأ العنف ضد المرأة؟

تقول الأسطورة إن الإله خلق المرأة من ضلع قصيرة لآدم، وحمّلها سبب خروجه من الجنة، لكنها تحوّلت إلى آلهة في العصور الأولى وبعد انتقال البشرية من مرحلتي المشاعية والصيد إلى مرحلة الزراعة، ثم التحولات الصناعية تجلّى تعنيفها بأشكال مختلفة حيث أخذت المرأة تتنازل للرجل عن حقوقها لصالحه إلى أن كادت تتحوّل إلى عبدة في بعض المجتمعات، وفي القرن الثامن عشر بدأت المطالبة بحقوق المرأة، وفي القرن التاسع عشر وبفعل التطور التاريخي للمجتمع أخذت تسترد بعض حقوقها إثر مطالبة بعض الفلاسفة بمساواتها مع الرجل قانونياً كـ(جون ستيوارت مل)، ومع الثورة الأوروبية تصاعدت الدعوة، وظهرت تنظيمات نسائية تطالب بحقوق المرأة، وفي القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء هيئة الأمم المتحدة التي سعت لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، حيث أعطاها حق المساواة مع الرجل، وفعّلت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك في اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة (سيداو) 1979 لتحميها من العنف الواقع عليها.

وعلى أثر عملية اغتيال وحشية للأخوات (ميرابال) من الدومنيكان في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1960 انطلقت الأنشطة حول العالم للاحتفال بيوم عالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وفي عام 1993 أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي بدأ نفاذه في 1999، وقررت اعتبار 25 نوفمبر/تشرين الثاني يوماً عالمياً للمرأة؛ للتوعية بجميع أشكال العنف الممارس عليها، وحملة مناهضة للعنف ضدها مدتها 16 يوماً، تستمر حتى 10 ديسمبر/كانون الأول من كل عام.

5- ما أسباب العنف ودوافعه ضد المرأة؟

يرجع العنف ضد المرأة إلى أسباب أو دوافع التمييز بين الجنسين، وعدم المساواة بينهما وأهمها:

1ـ أسباب مجتمعية: وهي الأبرز لمظاهر العنف ضد المرأة وتتبدى في ثقافة المجتمع التي يتلقاها كلّ من الرجل والمرأة، وتتجلّى في فرض قوة الذكورية مع الجهل الذي يساعد على ترسيخ الموروث من المعتقدات الدينية، والأعراف الاجتماعية والعادات المتوارثة والخاطئة المتعلقة بالمرأة كمفهوم العفاف، وشرف العائلة، وزواج القصّر، وحجزها في المنزل، وانتهاك حقها في العمل، والمشاركة الاجتماعية في المنظمات والجمعيات والنوادي إلا بموافقة الأب أو الزوج.

2ـ أسباب نفسية: كل ما يتعرض له الإنسان في الصغر، وبخاصة مرتكبي العنف ضد المرأة تترك آثارها النفسية التي تظهر في سلوكياتهم عند الكبر بشكل عدائي، واستعداد للإيذاء نتيجة ما يعانون من اضطرابات في الشخصية تؤدي لخلق شخصية غير متوازنة ومعادية للجميع، وقد يأخذ بعضها ردة فعل معاكسة تتمثل في الرأفة والرحمة الزائدتين عن الحدّ، وتشكل ضعفاً لدى أصحابها فلا يستطيعون اتخاذ القرارات المناسبة لما يواجهونه من مشكلات.

3ـ أسباب اقتصادية: وتكون بسبب الضغوطات الاقتصادية، وتدني مستوى المعيشة لدى شرائح واسعة، لجانب البطالة والفقر الشديد، تشكل كلها ضغوطات نفسية على معيل الأسرة، خاصة المرأة.

4ـ غياب القوانين الرادعة لأي مظهر من مظاهر العنف يساهم في انتشاره، وعدم تفعيل بعضها الذي أنصف المرأة إذ بقيت حبراً على ورق.

6- ما أشكال العنف ضد المرأة؟

للعنف ضد المرأة أشكال تقوم على أساس نوع الجنس، وأهمها:

1ـ العنف الجسدي: وهو كل أذى جسدي يلحق بالمرأة كالضرب باليد أو باستخدام آلة ما من أحد أفراد الأسرة، أو الزوج، أو غيرهم، وقد يتسبب بالإعاقة أو الوفاة، ويترتب على أثره مخاطر صحية أو نفسية للضحية وأسرتها كـ (جرائم الشرف..).  

2ـ العنف المعنوي والنفسي: كالألفاظ المهينة والشتائم، والسخرية، والتهديد بالحجر والاغتصاب، أو الطلاق مما يترك آثاراً سلبية تنعكس على نفسية المرأة، وتسبب لها أمراضاً خطيرة، وأهمها الاكتئاب الذي يؤدي غالباً إلى الانتحار.

3ـ العنف الجنسي: وله أشكال كالتحرّش، والتهديد الجنسي، والإكراه، والاغتصاب، وقد يمارس من الزوج أو من الآخرين، وخاصة في حالات الحرب والنزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.

4ـ العنف الاقتصادي: كل انتهاك يمنع المرأة من ممارسة حريتها واستقلاليتها الاقتصادية، ويجعلها تابعة لغيرها كحرمانها من التعليم، والتدريب، والعمل، وتمتعها بحقها في حرية اختيار العمل والمهنة.

5- العنف الصحي: كل ما يسببه العنف الممارس على المرأة من أمراض نفسية أو جسدية أو حروق أو ندوب. تترك آثاراً ظاهرة على جسدها وقد تؤدي أحياناً إلى الوفاة.

6- عنف الموروث الثقافي والاجتماعي: إن الكثير من الأعراف والعادات والتقاليد والمعتقدات الدينية تلتصق في لا وعي الإنسان، وتصبح إحدى مكوناته الفكرية والوجدانية التي يصعب التنازل عنها أو حتى مناقشتها إلا بشق النفس، وتنعكس آثارها على المرأة نفسها، وعلى الأسرة والمجتمع المحيط بها.

7- ما آثار العنف ضد المرأة؟

آثار العنف ضد المرأة لا تقتصر عليها وحدها إنّما تتعداها إلى الأسرة والمجتمع المحيط بها وأهمها:

1ـ آثار صحية: تعود على المرأة نفسها أولاً، فالإصابات الجسدية الناتجة عن العنف كالرضوض والجروح والكسور. تؤدي لإضرابات في الحركة وقصور في أداء العمل، وفي جهاز الهضم، والوفاة أحياناً.

2ـ آثار نفسية: وتتبدى في:

آ- انعدام الثقة بالنفس، والإقدام على ما يسبب المشاكل كالإدمان على التدخين، وشرب الكحول، وتعاطي المخدرات التي تنعكس على صحة المرأة وسلامتها.

ب- الأمراض النفسية لها ولأطفالها، وأشدها خطراً الاكتئاب الذي يؤدي أحياناً إلى الانتحار.

ج- القلق والخوف وانعدام الشعور بالأمان حيث يؤدي إلى تشتت الأسرة وتفرّقها، وضياع أفردها.

3ـ آثار اجتماعية: كون المرأة عضواً هاماً في المجتمع بصفة عامة، والمجتمع المحيط بها فإن كل ما تتعرض له من عنف ينعكس على أسرتها ومحيطها المجتمعي، ويسبب تفكك الأسرة، ويصيب أفرادها بعدم الاستقرار النفسي والعاطفي، ويؤثر في سلوكياتهم في المحيط من حولهم.

4ـ آثار اقتصادية: إن ما تتعرض له المرأة من عنف يبعدها عن ممارسة حقها في العمل إذ يحدّ من مشاركتها، ويحرمها والمجتمع أيضاً من استثمار قدراتها ومهاراتها مما يكبد الأسرة أعباءً اقتصادية إضافية خاصة في حالات العلاج، وبطالة المعيل في الأوساط ذات الدخل المحدود والفقيرة.

8- المرأة في المجتمع العربي:

لا تختلف أوضاع المرأة في المجتمع العربي عن غيرها من النساء في المجتمعات الأخرى، بخاصة في الدول النامية، من حيث أسباب وأشكال العنف وآثاره عليها، ولكن لها خصوصية في:

  1. اشتداد حالات النزاعات المسلحة حدة، تلك التي تنتهك حقوق المرأة بشكل سافر وكبير؛ مما أدى إلى زيادة نسبة الثكالى، والأرامل، ومعيلات الأيتام، والمشردات في مخيمات النزوح واللجوء، وأكثرهن تأثراً ومعاناة المرأة في الدول التي طال النزاع فيها كسوريا، وفلسطين، والعراق، واليمن، وليبيا، حيث تشير بعض الإحصائيات التي وثقتها الأمم المتحدة إلى (29250) امرأة سقطن قتلى، و(11325) امرأة تعرضن للاعتقال، و(89398) امرأة تعرضن للعنف الجنسي عدا الأعداد التي لم توثق لأسباب تتعلق بالشرف أو الخوف، و(102) طفلة جُندن في الأعمال القتالية، لجانب مئات الآلاف من النساء والأطفال اللواتي تشردن نازحات أو لاجئات، ولم تحصَ أعدادهن.
  2. ظاهرة الختان، وتشويه الأعضاء التناسلية بسبب الاغتصاب أو الإتجار بالأعضاء، وهذه الحالات يصعب جداً إحصاؤها..
  3. نيلها المتأخر لحقها السياسي في الانتخاب والترشح، وأول دولة منحتها ذلك جيبوتي 1946، وآخرها الإمارات العربية 2006، أمّا السعودية فقد منحتها حق الانتخاب والترشح في المجالس البلدية فقط 2015.
  4. عدم منحها جنسيتها لأولادها أسوة بالرجل في دساتيرها.
  5. الموروث الاجتماعي والثقافي الذي يشكل حيزاً كبيراً من فكر ووجدان الإنسان في المجتمع العربي المتمسك بالأعراف، والعادات، والتقاليد الموروثة للديانات الإبراهيمية الثلاث ذكوراً وإناثاً على السواء، وهذا ما يُلحَظ في نصوص الموسوية، والمسيحية، والإسلام فهي ( أصل الشر، ورقيق يباع ويشترى، وتعدد زوجات، وزواج القاصرات، والخضوع والتبعية للرجل، وهو قوّام عليها، وفي الإرث، والشهادة..).

9 – كيف نحمي المرأة من العنف؟

لحماية المرأة من العنف لا بدّ من تكاتف وتكافل أفراد المجتمع والعمل على:

1ـ دحض الثقافة السائدة في المجتمع، ونشر الوعي الصحي والثقافي في الأسرة عن طريق برامج التوعية بحقوق المرأة.

2ـ تضمين المناهج المدرسية التعريف بحقوق المرأة وحمايتها مما يمارس عليها من عنف، والمساواة في إتاحة التعلّم والتحصيل العلمي العالي بين الجنسين دون أيّة تفرقة بينهما.

3ـ نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتعريف بحقوق المرأة من خلال برامج علمية مدروسة في أجهزة الإعلام المتنوعة، وتنشيط دورها الاجتماعي بانضمامها إلى المنظمات والجمعيات والنوادي.

4- وضع خطط اقتصادية تستهدف المرأة وتعزز دورها وتمكّنها من إبراز قدراتها ومهاراتها، وتتيح لها المشاركة كعضو فاعل في المجتمع، وتمتعها بحقوقها كافة.

5ـ تفعيل القوانين الخاصة بالمرأة، والمنسجمة مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، وتعزيز تطبيق المساواة بين الجنسين بإعطائهما فرصاً مماثلة بينهما في جميع المجالات المدنية والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

6ـ حماية الأسرة بتقديم الدعم المادي والمعنوي من الدولة والجمعيات لخلق جو من التفاهم والتعاون الأسري لمواجهة مشكلات الحياة وحلّها بالشكل الأمثل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني