العنف ضد المرأة: جريمة لا تسقط بالتقادم
يشكل العنف ضد المرأة انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وعائقاً كبيراً أمام تحقيق المساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة.
هذه الظاهرة عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية والاقتصادية، وتتخذ أشكالاً متعددة، تشمل العنف الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي، ولا يقتصر تأثير العنف على الضحايا أنفسهن، بل يمتد ليشمل أسرهن ومجتمعاتهن، ما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
لقد أدرك المجتمع الدولي خطورة هذه المشكلة، وسعى جاهداً لوضع آليات قانونية وسياسية لمناهضتها، من أهمها “إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة (1993)”، الذي يعدّ أول صك دولي يعرّف العنف ضد المرأة تعريفاً شاملاً، ويضع إطاراً للعمل على المستويات الوطنية والدولية للقضاء عليه، ويُشدد على مسؤولية الدول في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع العنف وحماية الضحايا ومحاسبة مرتكبيه، و”قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 104/48″، الذي أعلن يوم 25 نوفمبر من كل عام “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة”، وذلك لرفع الوعي بهذه المشكلة وحثّ الحكومات والمنظمات على اتخاذ إجراءات فعّالة لمكافحتها، و”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) (1979)”، التي تُعدّ بمثابة “الشرعة الدولية لحقوق المرأة”، حيث تُعرّف التمييز ضد المرأة بأنه “أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، وتُطالب الاتفاقية الدول باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك مجال العنف.
بالإضافة إلى ذلك، قامت الأمم المتحدة بتعيين مقررة خاصة معنية بمسألة العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، وذلك لرصد الوضع العالمي للعنف ضد المرأة وتقديم توصيات للدول والمجتمع الدولي.
هذه الجهود الدولية تُشكّل إطاراً قانونياً هاماً لمكافحة العنف ضد المرأة، ولكن يبقى التحدي الأكبر في تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع وتغيير الممارسات الاجتماعية والثقافية التي تُساهم في استمرار هذه الظاهرة.
رغم كل ذلك، فإن هذه الظاهرة لم تنته، ولوحظ ازديادها في فترات الحروب والنزاعات، وعانت النساء السوريات اللاجئات في تركيا منها بشكل ملحوظ.
نينار برس التقت بسيدتين للحديث حول العنف الذي تعرضتا له.
السيدة نجوى (21 عاماً) متزوجة من تركي، أم لطفل واحد، حدثتنا عن تجربتها: “تزوجت في عمر صغير وكان زوجي يقيم مع أهله في قرية نائية وبعيدة، وكانوا يعلمون أنني جاهلة بالقوانين التركية، ويستغلون كوني سورية وغريبة عن البلد”.
وتضيف: “كان زوجي يعاقر الخمر، ويضربني لأتفه الأسباب، حتى لو ناقشته نقاشاً عادياً، وأهلي كانوا دائماً في صفه، ويطلبون مني أن أكون مطيعة وأتجنب إثارة غضبه”.
وتتابع نجوى: “ذات يوم حدث بيننا خلاف كبير وتطور كثيراً، وحاول خنقي بيديه لولا تدخّل والدته التي قالت حينها، هذا يكفي، حمداً لله أن زوجتك لا تعرف القوانين ولا تعرف كيف تتقدم بشكوى ضدك وإلا كنت ستسجن”.
وتكمل: “بعد هذه الحادثة يئست من متابعة الحياة مع زوجي، وأردت الطلاق منه، لكنني لا أعرف كيف أقوم بالإجراءات اللازمة، حتى أنني لم أكن أعرف مكان الكراج الذي أسافر منه إلى المدينة اتصلت بمركز أمل للمناصرة، وكانوا متعاونين جداً، وقدموا لي المساعدة والمعلومات اللازمة، لأستطيع الحصول على الطلاق والنفقة لي ولابني.
السيدة علياء (32 عاماً) متزوجة في سورية وانتقلت مع زوجها إلى تركيا تقول: “كان زوجي متشدداً جداً، وكنت هنا وحيدة، فأهلي لم يخرجوا من سوريا، كنت أقيم مع زوجي في منطقة من مناطق المخالفات في بيت مستقل يحوي فناء أمام الغرف، قام زوجي بتغطية جميع النوافذ مستخدماً البطانيات، خوفاً من أن يراني أحد، علماً أن الفناء ضمن البيت ومحاط بسور عالٍ”.
وتضيف علياء: “الخروج لم يكن مسموحاً أبداً بالنسبة لي إلا برفقته، إضافة إلى أنه كان يستولي على جميع المساعدات التي كنت أحصل عليها من بعض المنظمات، وعندما اعترضت إحدى المرات قام بضربي، وكانت حجته دائماً هذا حرام.. المرأة يجب ألا تفعل كذا وكذا وتخرج بمفرها”.
وتتابع: “تركت البيت دون علمه، وذهبت لإحدى صديقاتي التي ساعدتني بالانتقال إلى مركز إيواء، ومن هناك اتصلت بمركز أمل للمناصرة، الذي قدم لي المساعدة القانونية، فتقدمت بطلب مستعجل للنائب العام، الذي أبعد زوجي عن البيت، وعدت لأقيم في بيتي، بانتظار إتمام إجراءات الطلاق”.
كما التقت نينار برس الحقوقية بسمة رفاعي من المكتب القانوني في “مركز أمل للمناصرة” لتحدثنا عن نشاط المركز وطبيعة عمله: “تأسس مركز “أمل للمناصرة والتعافي” عام 2014 في أنطاكيا، وتم ترخيصه رسمياً عام 2017، يهتم المركز بقضايا المعتقلين/ات والناجين/ات والمختفين/ات قسرياً، ويقدم الدعم القانوني لقضايا مختلفة وشرائح متنوعة من المجتمع السوري في تركيا، كما يهتم المركز خصوصاً بقضايا العنف ضد المرأة ودعمها قانونياً استناداً للقانونين السوري والتركي”.
وتتابع: “قضية العنف ضد المرأة موجودة في كل المجتمعات لكنها تتركز في المجتمعات الفقيرة والتي تعاني من عدم استقرار في الحالة الاجتماعية كالمجتمع السوري في تركيا إضافة إلى انتشار المخدرات وإدمان الكحول ونقص التعليم، والعنف الجسدي ضد النساء، من أكثر أنواع العنف شيوعاً، ويعتقد الكثيرون أنه الوحيد، لكن أنواع العنف كثيرة منها الاقتصادي، تقييد الحريات، اللفظي”.
وتضيف: “انتشرت في أوساط المجتمع السوري الزيجات غير المثبتة، وزواج القاصرات، ما يؤدي إلى ضياع حقوق الكثير من النساء، وتعرضهن للتعنيف”.
كما التقت نينار برس السيدة معالم عبد الرزاق مديرة منظمة “إكليل الجبل” لتحدثنا عن نشاطات المنظمة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة وحملة “علّي صوتك”:
“علّي صوتك”، حملة مرافقة لحملة 16 يوم لمناهضة العنف تجاه النساء، في هذه السنة تكون المشاركة الرابعة على التوالي، تركز على مناهضة العنف تجاه النساء بأشكاله كافةً.”
وتضيف: “في عام 2024 تعاونت منظمة إكليل الجبل مع منظمات سورية محلية تهتم بشؤون النساء، وتم توسيع نشاط منظمتنا الذي اقتصر سابقاً على ولاية غازي عينتاب، ليصل إلى ولاية أورفا بالتعاون مع مجموعة من المنظمات مثل “ورد البلد”، “نساء الغد”، “المؤسسة النسائية للعدالة الانتقالية” ومنظمة “نساء ديمقراطيات”، كما قمنا بتنظيم مجموعة ورشات وجلسات توعوية حول أشكال العنف وكيفية مناهضتها، تتضمن جملة من النشاطات منها مسرحية وتدريب حول كتابة القصة الإبداعية للنساء الناجيات من العنف، إضافة إلى إنتاج فيديوهات تعريفية بموضوع العنف ضد المرأة”.
وفي الختام فإن العنف ضد المرأة لا يزال يمثل تحدياً كبيراً للمجتمعات. يجب أن نعمل على تغيير النظرة المجتمعية للمرأة، وتعزيز دورها في المجتمع، حتى نتمكن من القضاء على هذه الآفة.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”
هذه المقالات تجعلنا على متابعة دائمة لهذه المشكلة الأزليّة مشكلة العنف ضدّ المرأة وأهميّة توعية النساء حول حقوقهنّ في أيّ بلد كنّ فيه .ودور المنظمات في ذلك . شكراً لكلّ من ساهم في تقديم هذه المادّة .
موضوع العنف موضوع كبير وشائك كونه متعدد فالعنف الممارس ليس فقط ضد المراة هو عنف جسدي انما نفسي ولفظي واقتصادي والكتروني وسياسي وآخرها الجنسي والنفسي الذي عانت منه المعتقلات في سجون الاسد فكل هذا الانواع من العنف تحتاج الى توعية للاسرة والمجتمع وتحتاج الى قوانين رادعة واليات لتفعيل القوانين الموجودة فالشرع والقانون انصف المراة بمنحها حقها من الارث ولكن المجتمع والاسرة حرمت المرأة من حقها وذلك نتيجة العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي فلا يمكنن لوم الرجل وحده بممارسة العنف ضد المراة فالمجتمع مارس عنف على الناجيات واعتبرهن وصمة مجتمعية والكلام يطول شكرا لتسليط الضوء على هذا الموضوع
شكرا لتسليط الضوء على هذا الموضوع ولكن يحتاج لمواد اكثر لاعطاء الموضوع حقه فانواع العنف متعدد وكثيرة واخر الوصمة المجتمعية ضد الناجيات من المعتقل و هناك انواع اخرى للعنف الاقتصادي والالكتروني والسياسي
ثقافة العنف ضد المرأة هي ثقافة متجذرة في شعوب منطقتنا…..وبحاجة لجهود مساندة لتسليم الضوء على هذه القضية من جميع النواحي…بارك الله في جهودكم الطيبة..