fbpx

العدالة تلاحق الأسد: مذكرة توقيف دولية تضعه في مواجهة القضاء الفرنسي

0 43

لحظة مفصلية في مسار العدالة:

في لحظة تاريخية تحمل رمزية العدالة المنتظرة، أصدر قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية في باريس مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، متهمين إياه بالتواطؤ في جريمة حرب. هذا القرار، الذي جاء بعد تحقيق استمر لسنوات، يمثل خطوة متقدمة في مسار المحاسبة الدولية على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين.

خلفية القضية: من درعا إلى باريس.. طريق العدالة الطويل:

تعود جذور القضية إلى السابع من حزيران/يونيو 2017، عندما استهدفت مروحيات تابعة لقوات الأسد منزلاً في حي طريق السد بمدينة درعا، كان يُستخدم كمدرسة تديرها منظمة إنسانية. أسفر الهجوم، الذي تم باستخدام البراميل المتفجرة، عن مقتل المواطن الفرنسي-السوري صلاح أبو نبوت (63 عاماً).

لم يكن هذا القصف مجرد حادثة معزولة، بل جاء في سياق سياسة ممنهجة اعتمدها النظام لاستهداف المدنيين والبنى التحتية المدنية، ما يشكل جريمة حرب وفق القانون الدولي. إثر ذلك، قدم نجل الضحية، عمر أبو نبوت، شكوى أمام القضاء الفرنسي، مطالباً بفتح تحقيق في الجريمة. وبعد سنوات من المتابعة القانونية، استجاب المدعي العام وقاضي التحقيق لطلب الضحايا، مما أدى إلى إصدار مذكرة التوقيف بحق الأسد.

مذكرات التوقيف السابقة: تضييق الخناق على مجرمي الحرب:

لم يكن الأسد وحده في دائرة الاتهام، فالقضاء الفرنسي سبق أن أصدر، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أربع مذكرات توقيف دولية بحق ضباط رفيعي المستوى في النظام السوري، متهمين بالتورط في جرائم حرب، وهم:

العماد فهد جاسم الفريج: وزير الدفاع الأسبق والمسؤول عن العمليات العسكرية أثناء الهجوم.

العماد علي عبد الله أيوب: رئيس هيئة الأركان آنذاك، والذي كان يشرف على تنفيذ الأوامر العسكرية.

اللواء أحمد بلول: قائد القوى الجوية، والمسؤول عن الضربات الجوية باستخدام البراميل المتفجرة.

العميد علي كامل صفتلي: قائد اللواء 64 للمروحيات، الذي نفذ الهجوم.

هذه المذكرات جاءت استناداً إلى أدلة وشهادات وثقتها منظمات حقوقية، تؤكد ضلوع هؤلاء القادة العسكريين في الهجمات ضد المدنيين.

مسؤولية الأسد القانونية: سقوط الحصانة وبداية المحاسبة:

وفقاً لمبدأ “مسؤولية القائد” في القانون الدولي الإنساني، فإن القائد يتحمل مسؤولية الجرائم التي ترتكبها قواته إذا كان على علم بها ولم يتخذ أي إجراء لمنعها أو معاقبة مرتكبيها. ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، فقد الأخير الحصانة السياسية التي كانت تحول دون ملاحقته قانونياً.

مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي تطبقه فرنسا ودول أوروبية أخرى، يتيح محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية المتهم. وبالتالي، أصبح الأسد مطلوباً أمام القضاء الفرنسي، مما يفتح الباب لمزيد من القضايا ضده.

دور الشبكة السورية لحقوق الإنسان: توثيق الجرائم ودعم العدالة:

لعبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان دوراً محورياً في تقديم الأدلة والشهادات التي ساعدت في بناء القضية. فمنذ وقوع الجريمة، وثقت الشبكة تفاصيل القصف، وأصدرت تقارير تؤكد نمط استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة كأسلوب ممنهج لاستهداف المدنيين. كما قدمت شهادات ناجين، وساهم مديرها التنفيذي، فضل عبد الغني، في الإدلاء بشهادته أمام القضاء الفرنسي كخبير في هذا الملف.

نحو عدالة لا تسقط بالتقادم:

يمثل إصدار مذكرة التوقيف الدولية بحق بشار الأسد نقطة تحول في مسار العدالة الانتقالية في سوريا. فبعد سنوات من الإفلات من العقاب، بات الأسد مطلوباً أمام أحد أقوى الأنظمة القضائية في العالم. هذا القرار يفرض ضغوطاً على الدول الأعضاء في الإنتربول لتنفيذ المذكرة، مما يحد من قدرة الأسد على التنقل دولياً، ويمهد الطريق لمحاسبته مستقبلاً.

في النهاية، تبقى هذه الخطوة جزءاً من معركة طويلة ضد الإفلات من العقاب، لكنها تبعث الأمل لدى الضحايا بأن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني