fbpx

الحرب في سوريا حصدت أرواح الرجال وألقت النساء في أسواق عمل لا ترحم

0 255

لطالما أظهرت مسلسلات البيئة الشامية المرأة الدمشقية بأنها امرأة عاجزة وجاهلة لا تصلح إلا أن تكون زوجة وأماً مع كامل الاحترام والتقدير والامتنان لسيدات المنازل، لكن كانت الدراما تهدف لإظهارهن بمظهر العاجزات، قليلات العقل عديمات الثقافة وطبعاً غير متعلمات، مع أنه في تلك الحقبة كان هناك العديد من المثقفات السوريات وقمن بتأسيس مجلة العروس التي أسستها الأديبة ماري منبرا والسيدة نازك العابد التي أسست بدورها أول جمعية نسائية ومدرسة خاصة للنساء وكانت معنية بشؤون المرأة والسعي إلى توعية النساء وتسليط الضوء على حياتهن بل وشاركت في النضال ضد المستعمر الفرنسي الذي قام بإبعادها إلى لبنان بسبب نشاطاتها المناهضة للانتداب الفرنسي ومطالبتها بالاستقلال، وفي منتصف القرن الفائت كان الظهور الأكبر للنساء في المجتمع السوري بالإضافة إلى دخولهن إلى مختلف مجالات العمل وتقاسمهن مقاعد الدراسة مناصفة مع الرجال في الجامعات وبدأ ظهور المرأة يتزايد بشدة في المجتمع السوري وأصبحت مشاركتها واضحة في المجتمع، أي أن المجتمع لم يعد عائقاً لطموح وأحلام المرأة طبعاً في المدن، ولكن للأسف كان الوضع مختلفاً في الأرياف وفي بعض الأسر المتشددة التي تمنع تعليم المرأة ومزاولتها المهن، وكان عدد قليل من النساء، ممن كنّ مسؤولات عن إعالة أسرة بكاملها، فكان دور المرأة غالباً مسانداً للرجل ولم تكن المسؤولية ملقاة على عاتقها فقط.

ومع بدء الحرب خسرت النساء كثيراً، بدءاً من فقدان الأبناء والآباء والأزواج والإخوة، منهم من استشهد ومنهم من غيب إلى هذه اللحظة ومنهم من اضطر لترك الوطن لكي لا تهدر دماؤهم أو يتورطوا في حرب حصدت الكثير من الأرواح البريئة، وإضافة لذلك حصدت الحرب أرواح الكثير من النساء وابتلعت السجون عدداً كبيراً منهن وعانين الأمرين ما بين تعذيب وتحرش لفظي وجنسي واغتصاب، وحتى النساء اللواتي نجون من تلك الممارسات وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن أسر بأكملها تضم أطفالاً صغاراً بحاجة إلى الطعام واللباس وكل احتياجات المعيشة. فشهد سوق العمل دخولاً كبيراً للمرأة، للأسف ليس برغبتها بل أصبحت مجبرة على ذلك، فبت ترى النساء في أماكن لم يوجدن فيها قبل الحرب، كالعمل في المقاهي والمطاعم أو كبائعات في المحلات أو بائعات جوالات، وأسوأ مهنة من وجهة نظري عندما زج النظام النساء في حروبه وجندهن في صفوفه أحياناً للقتال وأحياناً كثيرة يلقي بهن على الحواجز ليقمن بتفتيش السيدات والإساءة إليهن.

قامت نينار برس بالحديث إلى عدد من السيدات والفتيات اللواتي اضطررن لدخول سوق العمل فأخبرتنا السيدة (ع.ن) أنها كانت من سكان دوما ونزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة إلى دمشق وبعد عدة أيام من نزوحها اعتقل زوجها على أحد حواجز دمشق واضطرت للعمل لتعيل أبناءها وبسبب عدم امتلاكها شهادة وانعدام خبرتها اضطرت للعمل كعاملة تنظيف في أحد المطاعم، وتشتكي من سوء ظروف العمل والضغط الشديد، بالإضافة إلى قلة الراتب إذ إنها اضطرت للعودة إلى دوما لعدم قدرتها على دفع الإيجار، علماً أن البيت الذي تسكنه بلا ماء ولا كهرباء، أما الطالبة الجامعية (أ.ع) تعمل بائعة في إحدى مؤسسات الدولة بساعات عمل تصل إلى ثماني ساعات يومياً، أخبرتنا أن والدها عاجز وأخيها طبيب الأسنان الذي كان مسؤولاً عن الأسرة خرج ولم يعد كأن الأرض ابتلعته ولا يعرفون عنه شيئاً، ما اضطرها للعمل في سن مبكرة، وتتحدث عن معاناتها في التعامل مع مختلف أنواع الناس منهم المحترم ومنهم السيء ومنهم المتحرش، وإذا تقدمت بشكوى بأحد الزبائن سخر منها المدير قائلاً هذا الموجود لدينا، وتشتكي من قلة فرص العمل ما يجبرها على الاستمرار بهذا الوضع المزري، سوريا دولة ظالمة بكل المقاييس إلا بتوزيع المآسي والأوجاع، فتوزعها بعدل على جميع فئات الشعب فترى الجميع يعاني بدرجات متفاوتة لكن الألم والذل أصبح سمة لحياة المواطن السوري دون وجود أي حافظ لكرامته أو حام لحقوقه.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني