fbpx

الاعتقال التعسفي في سوريا الجديدة: تحديات المرحلة الانتقالية ومخاطر انتهاك الحقوق

0 43

بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة سياسية جديدة تتطلب إصلاحات جذرية لضمان سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان. لكن مع استمرار الاعتقال التعسفي من قبل مختلف القوى المسيطرة، يتجدد القلق من إمكانية إعادة إنتاج الممارسات القمعية.

التقرير الشهري الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان لشهر شباط/فبراير 2025 يكشف عن 216 حالة احتجاز تعسفي، مما يسلط الضوء على تحديات المرحلة الانتقالية، ويؤكد الحاجة الملحّة إلى تبني سياسات صارمة تضمن الحريات الأساسية وتمنع تكرار أخطاء الماضي.

خريطة الاعتقالات: بين الحكومة الانتقالية والقوى المسيطرة الأخرى:

بحسب التقرير، توزعت حالات الاعتقال على مختلف الأطراف:

21 حالة على يد الحكومة الانتقالية، استهدفت موظفين حكوميين سابقين، بعضهم تم الإفراج عنه بعد التحقيق.

34 حالة اعتقال على يد فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني، شملت مدنيين قادمين من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

68 حالة اعتقال على يد قوات سوريا الديمقراطية، بينهم 6 أطفال، معظمهم بسبب معارضة سياسية أو رفض التجنيد القسري.

أظهر التحليل الجغرافي أن حلب كانت المحافظة الأكثر تضرراً، تلتها دير الزور، الرقة، الحسكة، دمشق، وريف دمشق.

سياسات الاعتقال: بين الإجراءات القانونية والانتهاكات المستمرة:

رغم تعهد الحكومة الانتقالية بتطبيق العدالة وسيادة القانون، إلا أن التقرير أشار إلى حملات اعتقال طالت موظفين حكوميين سابقين، وصحفيين، وحتى مدنيين على خلفية اتهامات غامضة. في المقابل، تواصل قوات سوريا الديمقراطية نهجها في الإخفاء القسري والتجنيد الإجباري للأطفال، وسط تزايد عمليات الاعتقال ضد المدنيين الذين يرفعون علم الثورة السورية أو ينتقدون سياساتها.

أما الجيش الوطني فقد استمر في تنفيذ اعتقالات تعسفية، بعضها اتسم بطابع عرقي، مستهدفاً القادمين من مناطق سيطرة “قسد”، ونازحين عادوا إلى ديارهم في المناطق المحررة.

الإفراجات: خطوات محدودة لا تكفي لمحو المخاوف:

على الرغم من تسجيل 53 حالة إفراج خلال شباط/فبراير 2025، إلا أن العديد منها تم دون إجراءات قانونية واضحة.

19 حالة إفراج من قبل الحكومة الانتقالية، معظمهم من حلب وريف دمشق.

9 حالات إفراج من قبل قوات سوريا الديمقراطية، بعد احتجاز دام أياماً إلى شهر.

23 حالة إفراج من قبل الجيش الوطني، لكنها لم تكن كافية لمحو المخاوف بشأن استمرار الاعتقال خارج الأطر القضائية.

انتهاكات جسيمة: التعذيب والإخفاء القسري مستمران:

كشف التقرير عن تعذيب ممنهج في مراكز الاحتجاز التابعة لمختلف الأطراف، في انتهاك واضح لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984. كما استمر الإخفاء القسري، حيث لم يتم الكشف عن مصير العديد من المعتقلين، مما يعد جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.

التوصيات: خارطة طريق للعدالة الانتقالية:

إلى الحكومة الانتقالية:

تعزيز الرقابة على الأجهزة الأمنية ومنع الاعتقال خارج إطار القانون.

نشر قوائم المعتقلين والإفراج عن المحتجزين تعسفياً فوراً.

إشراك المجتمع المدني في رسم سياسات العدالة الانتقالية.

إلى المجتمع الدولي:

الضغط لتمكين المنظمات الحقوقية من الوصول إلى أماكن الاحتجاز.

دعم الآليات الدولية للكشف عن المختفين قسرياً.

إحالة جرائم الاعتقال التعسفي إلى المحكمة الجنائية الدولية.

إلى القوى المسيطرة في سوريا كافة:

وقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي والكشف عن مصير المحتجزين.

احترام الحريات الأساسية وعدم استخدام القضاء كأداة سياسية.

تمكين عائلات المعتقلين من معرفة أماكن احتجازهم والتواصل معهم.

نحو عدالة حقيقية: إنهاء الاعتقال التعسفي وبناء دولة القانون في سوريا الجديدة:

تمر سوريا بمرحلة فارقة تتطلب بناء مؤسسات قائمة على الشفافية وسيادة القانون، وليس استبدال قمع بآخر. استمرار الاعتقال التعسفي والانتهاكات الحقوقية يهدد مكتسبات الثورة، ويؤكد أن الحرية لا تكتمل إلا بسيادة العدالة والمساءلة. إن وضع حد لهذه الممارسات هو الاختبار الحقيقي لمدى التزام الحكومة الانتقالية والقوى المسيطرة بمبادئ حقوق الإنسان، وإن أي فشل في ذلك قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الاستبداد بوجوه جديدة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني