fbpx

أوهام إسرائيلية عن تحالف أقليات مع الكرد والدروز

0 5٬192

دعا وزير خارجية إسرائيل الجديد “جدعون ساعر” في حفل تَسلّمه منصبه الجديد من “يسرائيل كاتس” إلى تعزيز العلاقات بين الدولة اليهودية والمجتمعات الدرزية والكردية في الشرق الأوسط.

وقال ساعر “إنّ الأقليات في المنطقة ستحتاج الى التماسك معا”، وأضاف ” الشعب الكردي أمة عظيمة، واحدة من الأمم العظيمة التي لا تتمتع باستقلال سياسي”، واعتبر الوزير الإسرائيلي أنّ “الأكراد ضحايا للقمع الإيراني والتركي” وقال يجب على إسرائيل “أن تَمدّ يدها وتُعزّز العلاقة معهم وأنّ هذا له جوانب سياسية وأمنية”.

كما أشار الوزير ساعر إلى الأقليات الدرزية في سوريا ولبنان كـ “شركاء محتملين”، وأضاف “يجب أن نفهم أنه في منطقة حيث سنكون دائما أقلية، فإن التحالفات الطبيعية ستكون مع أقليات أخرى”، وأضاف “موقف إسرائيل الثابت خلال العام الماضي وإنجازاتها في الحرب ضد المحور الإيراني تجعلها لاعباً إقليمياً ودولياً أكثر أهمية مما كانت عليه”.

يُعبّر الوزير الإسرائيلي عن وجهة نظر شخصية أو موقف لحزبه “أمل جديد” وهو حزب وسط يميني ليبرالي وممكن أن تكون لتصريحاته صدى عند بعضهم في المجتمع السياسي الإسرائيلي لكنها لا وزن لها والتاريخ يُثبت فشل إسرائيل في دعم الأقليات أو تقديم خدمات إستراتيجية لهم، بل كانت أيّ علاقة معهم هي تهمة خطيرة بِحدّ ذاتها.

ولأنّ الكيان الإسرائيلي المُغتصِب للأرض والحقوق الفلسطينية يحتاج لعدو لكي يلعب دور الضحية دائماً، في خطوة تهدف لِشدّ عصب اللُحمة الداخلية لخليط مهاجر من القارات الخمس ومن أصول عرقية مختلفة في محاولة لخلق شعب وهوية وطنية لا تتماسك أو تنضج إلا بوجود عدو خارجي، وعدا ذلك ستظهر كل التناقضات الداخلية لذلك المجتمع الهجين.

ويعلم دهاقنة دولة الاحتلال وحاخاماتها الكبار أنها مشروع للنظام الدولي الغربي، الغاية منه حَلّ المشكلة اليهودية في القارة الأوربية بل والعالم، وأيضاً غرس رأس الرمح الاستعماري والإمبريالي في القلب العربي والإسلامي السني وفي بقعة جغرافية إستراتيجية تحول دون تكامل أو تواصل العرب شرقه وغربه.

ويعلم دعاة الصهيونية الأوائل أنّ الدولة اليهودية غير قادرة على الدفاع عن نفسها بإمكانياتها وأنّ مرضها العضال هو وهنها الجيوسياسي مهما امتلكت من وسائل القتل الحديثة، ويعلم من صنعها أنّ الدولة اليهودية لا تملك مُقوّمات الدول التي تعيش في بحر من الأعداء من الدفاع عن نفسها بإمكاناتها الذاتية، بل هي أرض وجغرافيا تَضمّ أكبر جالية يهودية مسلحة في العالم.

كذلك لا تغيب عن أذهان جيران إسرائيل من العرب، إستراتيجية بن غوريون القائمة على أساس أنّ قوة إسرائيل لا يمكن أن تحميها بل ما يُؤمن لها الحماية الحقيقية هو ضعف أعداءها، وعمل على إرساء ذلك مع من خلفه من زعماء إسرائيل وبدعم غربي غير محدود على إضعاف وشرذمة المحيط السني العربي بدعم ورعاية انقلابات عسكرية عربية كان عدوها الحقيقي شعوبها وليس إسرائيل كما تدّعي حيث يَتمّ رفع الشعارات لتدميرها وتعطيل أيّ تنمية حقيقية اقتصادية ومجتمعية بِحجّة أنّ الهدف الأهم هو تحرير فلسطين من (العدو الإسرائيلي).

بَنَت فرنسا في عهد الجنرال ديغول (والذي يعتقد الكثيرون من العرب أنه صديقهم) المفاعلات النووية الإسرائيلية وأمدّتها بكل المعارف البشرية والتقنية لذلك، وبعد الحرب العالمية الثانية وبالأخصّ بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 انتقلت الرعاية لها من العجوزين الفرنسي والإنكليزي إلى راعي البقر الامريكي الشاب والقوي ولا يزال…

فشلت إسرائيل في حماية ثورة المُلّا مصطفى البارزاني في بدايات سبعينيات القرن الماضي وأظنها أساءت له أكثر مما أفادته بخروج دعمها له للعلن، وقوّى ذلك الدعم من موقف الحكومة العراقية في الحرب عليه وأساء ذلك الدعم للقضية الكردية بشكل عام، وأثبت ذلك أنّ إسرائيل دولة قَزِمة أصغر من أن تمتلك أوراق إقليمية للعب فيها، وكانت نهاية انتفاضة البارزاني في اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام حسين.

وبنفس الطريقة أساء الدعم الإسرائيلي لموارنة لبنان في الحرب الأهلية (1975-1990) وحصل اغتيال بشير الجميل وخسارة الموارنة للحرب وتَمّ دسترة ذلك في اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية ضِد مصالح من دعمتهم إسرائيل.

حاولت إسرائيل ورُعاتها في الغرب من الاستفادة من تحالف أقليات جديد في الشرق الأوسط عبر تخادم غير مُعلن لكنه واضح وجلي، يمكن اعتباره أدنى درجة من درجات التعاون على إنهاك الجسد العربي المسلم ( السني ).وكان أن حصل التمدد للهلال الشيعي الإيراني والذي أحاط بإسرائيل من جهات ثلاث وبدل أن يحميها أغرته قوته بالتهامها بعد أن ظَنّ أنه التهم وهضم فريسته العربية، وتدور الآن حرب طاحنة لكسر العظم بين الهلال الشيعي الإيراني ونجمة داوود اليهودية، وفشل تحالف الأقليات فشلاً تاريخياً هائلاً في حماية إسرائيل، بل كاد أن يُودي بها.

وجدت إسرائيل السلام مع تركيا الدولة السنية القوية منذ بواكير إنشائها بل وكانت العلاقات أكثر من طبيعية.

ونجحت اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أكبر دولة عربية سنية، ثم تلاه سلام مع المملكة الأردنية الهاشمية (العربية السنية) وسلام مُجحف (ولم يكتمل أيضاً) مع السلطة الوطنية الفلسطينية وهي (عربية سنية)، وفي أواخر عام 2020 انضمت أربع دول عربية سنية لما عُرِفَ لاحقاً بالسلام الإبراهيمي، وكانت المملكة العربية السعودية (بثقلها العربي والإسلامي السني) على وَشَك إقامة سلام مع الدولة اليهودية وإنهاء حالة الصراع القومي العربي والإسلامي السني معها لولا الهجوم عليه من نظام الملالي الشيعي في السابع من أكتوبر 2023.

لا أعتقد أنّ بني معروف في سوريا ولبنان سيُلقون بالاً للهرطقات الإسرائيلية وهم أحفاد سلطان باشا الأطرش الذي رفض مع غيره من زعماء سوريا الفدرلة والتقسيم باكراً وأصرّ على الاندماج في محيطه العربي، كما أنّ مواقف كمال جنبلاط في رفضه التعاون مع أيّ مخططات إسرائيلية كان واقعاً على الأرض بل كان حليفاً رئيسياً للمقاومة الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية ضد من دعمتهم إسرائيل.

كما أنّ أغلبية الكرد في سوريا والعراق تعرف أنّ مصلحتها في المشاريع الوطنية لتلك الدول ولن تَقبل أن تكون ورقة إسرائيلية تُناكف بها إيران وتركيا وتتخلى عنها عند مصلحتها، فقد نضجت المنطقة وشعوبها وتعرف أين مصالحها فيما الوزير جدعون ساعر وغيره من الإسرائيليين وبعض المراهقين السياسيين والمراهنين من الدروز والكرد يعيشون في عالم الأساطير والأوهام والخرافات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني