fbpx

أفق الفلسطيني ومأزق الصهيوني

0 64

في هذا الوقت الذي يمارس فيه المحتل الجريمة بحق فلسطيني غزة والقدس ونابلس وسائر فلسطين المحتلة مدعوماً بدول الغرب وأمريكا يجب أن نعود إلى السؤال وماذا بعد؟

هل هناك أفق للفلسطيني وخروج الصهيوني من مأزقه؟

قد يشي العنوان بأن صاحبه واقع في نزعة وطنية فلسطينية، أو خاضع لوعي منحاز لقضيته يفسد عليه مطلب الموضوعية، فكيف لأحد،في هذه الظروف، أن يتحدث عن أفق للفلسطيني ومأزق إسرائيلي.

أن أكون ذا نزعة وطنية فلسطينية ومنحازاً إلى فلسطين قضيةً فهذا أمر طبيعي ولا سبيل لنكرانه أبداً. غير إن قولي لن يصدر عن هذين الأمرين فقط وإنما عن قراءة للحركة الواقعية للتاريخ المشرقي الآن أيضاً.

فمنذ إعلان قيام إسرائيل والفلسطيني يؤسس وعيه الذاتي على أن فلسطين هي الوطن الأم المحتل من قوة خارجية أخذت اسم دولة إسرائيل. وأسس ممارسته السياسية الثورية والسلمية على وعي كهذا. وفي المقابل فإن اسرائيل ومنذ قيامها تؤسس وعيها على حماية أمنها والحفاظ عل وجودها عبر القوة العسكرية والحماية الدولية الأوربية الأمريكية. لم يلغِ انتصارها في حرب حزيران وصمودها في حرب تشرين هذا الوعي بذاتها، بل ظلت تحل مشكلاتها مع الفلسطيني بواسطة القوة العسكرية والدعم الأمريكي – الأوربي.

يكافح الفلسطيني كي يوجد في صورة يرضى عنها في فلسطين، ويسعى الإسرائيلي للحفاظ على وجوده في فلسطين التي أخذت اسم إسرائيل.

ولّدت حرب 1948 اعتقاداً لدى السياسي الإسرائيلي بأن الخطر على إسرائيل آتٍ من العرب متفرقين أو مجتمعين، كما خلقت لدى الفلسطيني يقيناً بأن العرب هم الأساس بتحرير فلسطين. والحق إن اشتراك الفلسطيني والإسرائيلي في النظر إلى مكانة العرب في الصراع

قد حدد علاقة الفلسطيني والإسرائيلي بالمستقبل، وبمفهوم القوة.

حتى عام 1965 لم يكن لدى الفلسطيني شك في قدرة العرب على تحرير فلسطين حتى وجد الفلسطيني نفسه في وعي جديد بقضيته يقوم على استقلال نسبي للإرادة الوطنية الفلسطينية وترابط مع الإرادة القومية العربية، وبالمقابل لم يكن الإسرائيلي مكترثاً بالفلسطيني سواء الفلسطيني الذي بقي داخل الدولة أو الفلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية والخاضع للإدارة المصرية، والعائش في مواطن اللجوء. ولأول مرة بعد الثورة وجد اليهودي الذي صار إسرائيلياً نفسه أمام اللاجئ الفلسطيني المدعوم عربياً والذي نفى وجوده أصلاً. ثم جعلته حرب حزيران في وضع المواجهة اليومية مع غزة والضفة. وهكذا مع تنوع حالات الصراع والمواجهة صار الفلسطيني في كل أماكن وجوده جزء من وعي الإسرائيلي بوجوده حتى لو أنكر ذلك على مستوى الخطاب.

وعوضاً عن أن يواجه الواقع بعقلانية الاعتراف به قرر أن ينفيه مأسوراً بالأيديولوجيا والخوف. فوقع في مأزق وجودي صعب كما سأبين، فيما ظل الفلسطيني محتفظاً بالأفق بواقعية سمحت له بالتعامل مع الواقع رغم الأيديولوجيات النافية لإسرائيل.

دخلت إسرائيل حال المأزق والذي قد يطول لعدة أسباب:

أولاً: اختلاف الشرط التاريخي بين نشأتها ووجودها الراهن، وعدم رؤيتها لهذا الأمر، سواءٌ كان شرطاً فلسطينياً أو شرطاً عربياً أو شرطاً عالمياً، بكلمة واحدة، فإذا كان الشرط التاريخي

العالمي الاستعماري أدى إلى قيام إسرائيل بوصفه حلاً لما سمي بالمسألة اليهودية فإن وجودها، وخاصة بعد نهاية الحقبة الاستعمارية، ونشوء الوعي الفلسطيني والممارسة الكفاحية في الداخل والخارج قد ولد المسألة الفلسطينية. وبولادة المسألة الفلسطينية دخلت إسرائيل مأزقاً عميقاً إذا إن الدول الاستعمارية نفسها التي انتجت الدولة الإسرائيلية اعترفت بالمسألة الفلسطينية وضرورة حلها.

واللحظة الوحيدة التي اعترفت فيها إسرائيل بالمسألة الفلسطينية هي لحظة أوسلو.

ثانياً: في الوقت الذي احتفظ فيه الفلسطيني بمفهوم القضية الفلسطينية بوصفها قضية شعب تعامل مع قضيته بوصفها مسألة شرق أوسطية ثم بوصفها مشكلة فلسطينية. وهو بهذا وسع إمكانيات مستقبله السياسي. فمفهوم القضية انطوى على إزالة إسرائيل كدولة وعودة فلسطين والمفهوم المطابق لمفهوم القضية هو التحرير. بانتقاله إلى النظر إلى قضيته بوصفها مسألة انتقل إلى أمكانية التسوية الدولية، وباعتباره قضيته مشكلة صار يبحث عن إمكانية الحل.

لقد وصل الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير حداً قال فيه لليهودي: الأرض تتسع لي ولك، فولّد بقوله هذا جملة ممكنات: ممكن العيش المشترك في دولة ثنائية القومية، ممكن الدولة الفلسطينية المتعايشة مع الدولة الإسرائيلية، إمكانية كونفدرالية، فوسع من أفقه السياسي والعملي، لكن الجواب الإسرائيلي غالباً ما جاءه في قول فصل: الأرض لا تتسع إلا لي، وبالتالي رفض كل الحلول الممكنة، وبرفضه الحلول الممكنة والنظر إليها على أنها تهديد لوجوده وقع في المأزق التاريخي وهو البحث عن حل مستحيل، والمستحيل لا وجود له أصلا إلا في الذهن. ولهذا فإن الاعتراف بالفلسطيني في أوسلو من قبل الإسرائيلي لم يشهد تطوراً الى حد الاعتراف بأحد الممكنات، بل على العكس، فلقد عاد الإسرائيلي الى حالة نفي الواقعي داخلاً في المأزق الوجود ألا وهو الخوف من ضياع الوجود.

وهكذا، فنحن أمام وجودين وجود فلسطيني حقيقي مسلوب الحق لديه إحساس بوجوده الدائم دون خوف على وجوده ويمتلك الحياة أفقاً بوصفه الساكن الأصلي لفلسطين وقادر على استعادة وعيه بفلسطين قضيةً في محيط عربي يسمح بذلك، ووجود إسرائيلي سالب الحق لديه إحساس دائم بالخوف على وجوده متورط في عالم غير عالمه وواقع في مأزق تاريخي، ويعتقد بأن القوة العسكرية وحدها هي التي تحميه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني