ويسمونها زوراً “انتخابات مجلس الشعب”!
عندما تسمع تصريحات اللجنة المشرفة على مسرحية “الانتخابات” في دولة الأسد، التي جرت يوم 15 تموز/يوليو 2024م، يُخيل إليك أنهم يتحدثون عن بلد مثل سويسرا، حيث تزعم اللجنة بأنها حرصت على توفير “مناخ ديمقراطي” من خلال اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان حرية الناخبين و”نزاهة الانتخابات”، وأن السلطة كانت على “مسافة واحدة من جميع المرشحين والأحزاب” (نسيت اللجنة أن تضيف كلمة الأحزاب الكرتونية لصاحبها حزب البعث). وتتحدث اللجنة عن “تفاعل المواطنين وحرصهم على ممارسة حقهم الانتخابي”. وتضيف بأن الفائزين بالعضوية” يمتلكون الكفاءة العلمية والخبرات المختلفة والحيثية الاجتماعية” (نسيت أن تقول إنهم جميعاً حظوا بموافقة مخابرات الأسد واغلبهم من المصفقين والشبيحة وأمراء الحرب والميليشيات المجرمة).
ويعرف السوريون تماماً بمن فيهم الموالون كيف يتم اختيار المرشحين وكيف تُحدد نتائج الانتخابات، وأن مجلس الشعب أصبح بعيون الناس مهزلة حقيقية لأنه يضم أشخاصاً مثل محمد قبنض صاحب نظرية “الطبل والزمر”، أو بوجود شخصيات تسمى رجال أعمال وهي تابعة مباشرة لعائلة الأسد مثل محمد حمشو الذي عاد من جديد إلى المجلس، وهو صاحب نظرية “الشلح” (ويقصد بها أن كل من يوالي السلطة الأسدية ومهما أصبح غنياً وذو جاه ومناصب، فهو لا يساوي فرنكاً عتيقاً في حسابات عائلة الأسد، واختصر حمشو ذلك بقوله على كل واحد في حاشية الأسد، أن يكون مستعدا “للشلح” في أي لحظة. وهذا يذكرنا بنكتة درجت أيام كانت نجاح العطار وزيرة للثقافة، واشتكى زوجها لحافظ الأسد بأنها لا تلبي واجباتها الزوجية، فقال الأسد المقبور: لا يوجد لدينا وزراء لا ي…..
في جو من الوضع الكارثي الذي تعيشه سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ، تحكمها سلطات أمر واقع، وتبلغ نسبة الفقر أكثر من 90%، وهناك ملايين الأسر المشردة والأطفال المرضى والناس الجائعين بكل معنى الكلمة، يريد النظام تقديم صورة بأن البلاد تعيش حياة طبيعية، والدليل هو ممارسة الناس لحقهم الانتخابي. والأنكى من ذلك، هناك من يطبل ويزمر للانتخابات من مرتزقة سوريين ومن غير السوريين بما فيها دول تعتبر نفسها صديقة لعصابة الأسد المجرمة.
وقد سمعنا جملة من التصريحات الرسمية الروسية قدمها وزير الخارجية سيرغي لافروف في حفل أقيم في موسكو بمناسبة الذكرى الـ 80 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وسوريا: “سوريا هي حليفنا الموثوق به، الذي صمد لامتحان الزمن، وشريك مهم في الساحة الدولية. وبفضل جهودنا المشتركة، استطعنا إخماد بؤرة الإرهاب الدولي في الأراضي السورية”. هذه هي الديباجة الروسية لم تتغير منذ التدخل العسكري في 30 أيلول/سبتمبر 2015 لمساعدة المجرم الإرهابي بشار الأسد على البقاء حتى اليوم.
ولكن الجديد في التصريحات الروسية هو ما قاله السفير الروسي في دمشق وهو المبعوث الخاص للرئيس بوتين للتنمية في سورية ألكسندر يفيموف، الذي أكد على “علاقات روسيا مع سوريا ارتقت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية”، ولكنه فاجأ الناس بقوله “إن إعادة الإعمار في سوريا غير ممكنة الآن لأن الحرب لم تنته بعد”!
وللتذكير فإن السيد لافروف سبق وأن صرح مراراً بأن الوضع في سوريا هادئ بعد وقف إطلاق النار بموجب اتفاقية موسكو وانقرة في 5 آذار/مارس 2020، ودعا لإعادة الإعمار. فما الذي استجد لتعلن موسكو بأن الاعمار غير ممكن وأن الحرب مستمرة في سوريا؟.
بلا شك فإن موسكو منذ البداية لم تفكر بتمويل إعادة الاعمار في سوريا، بل هي تخطط للمشاركة في الإعمار بأموال خليجية وأوروبية، واليوم تعقدت الأمور أكثر بسبب الحرب في أوكرانيا التي بدأت في شباط/فبراير 2022، وألحقت بروسيا خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة العقوبات الغربية الهائلة، ولذلك فإن موسكو ليست بوارد تقديم المساعدة لإعمار اقتصاد سوريا المدمر. ولم تربط روسيا يوماً بين إعادة الاعمار وبين إجراء أي تغيير سياسي في سوريا، بالرغم من موافقتها على قرار مجلس الأمن رقم 2254، كيف لا والأسد حبيبها ولن تجد أسوأ منه، مستعد لبيع بلاده والخضوع لإرادة الأسياد من خارج الحدود، بشكل مذل ووضيع (قال لي مرة عضو البرلمان الروسي ألكسي بوشكوف رداً على سؤالي هل فعلاً تصدقون في روسيا بأن بشار الأسد حليفكم وصديقكم وسيبقى وفياً لكم، فأجاب بوشكوف: لا. ولكن بشار الأسد “كلب ابن كلب ولكنه كلبنا”).
وإذا نظرنا إلى نتائج الانتخابات نجد أن ممثلي حزب البعث يشكلون ثلثي النواب، بينما من يسمونهم أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” التي تحولت إلى جثة حقيقية يتاجر بها النظام متى يشاء، فقد حصلوا على 14 مقعدا فقط مقابل 170 لحزب البعث.
وحتى الموالين اشتكوا من طريقة العملية الانتخابية المليئة بالفساد والرشوة والتزوير الفاضح. ولم تشارك السويداء فيها، وحتى قسد رفضت الانتخابات في مناطق سيطرتها.
ويزعم النظام زوراً بأن من يحق لهم الانتخابات 19 مليونا انتخب منهم 7 مليون فقط. والحقيقة أن النظام يبالغ بعدد السوريين الموجودين في رعايته. لكنه أصلاً ليس بحاجة لا لناخبين ولا لأصوات بل هو بحاجة لتوزيع صناديق انتخابية داخل سوريا وفي السفارات في الخارج ليقدم عرضاً بهلوانياً عن وجود عملية انتخابية وأن البلاد تعيش حياة طبيعية من الناحية السياسية. والحقيقة أن الوضع في سوريا منهار في المجالات كافةً والنظام لا يأبه بوضع الناس فعائلة الأسد وشبيحته يتاجرون بالمخدرات وينهبون موارد البلاد، ويعيش الناس جحيم غلاء المعيشة وفقدان الدخل الذي يحقق أدنى كرامة للإنسان.
وفي ظل هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكارثية للبلاد، نرى أن هناك من يحاول مد يد المصافحة والمصالحة والتطبيع مع نظام هزيل أصبح مكوناً من الشبيحة وأمراء الحرب وتجار الكبتاغون. وتستمر سلطات الأمر الواقع في كل الشمال السوري من غربه إلى شرقه بانتهاك الحقوق والظلم والنهب والفساد، وكلهم إما يتاجرون بأعلام الثورة أو بشعارات الديمقراطية، لكن الثورة والديمقراطية منهم جميعا براء.
والكلمة الفصل هي للشعب الحر المستقل والذي يقول كلمته وسيحسم مستقبل سوريا. والثورة موجودة في وجدان السوريين ولم تنطفئ نارها.
نشرت في غلوبال جستس سيريا نيوز