هيئة مفاوضات المعارضة.. الاعتراف بالخطأ وتصحيحه فضيلة
يقترب العام الخامس على انطلاقة هيئة المفاوضات من نهايته، ولا يزال الحصاد مراوحة في المكان، هذه المراوحة لها أسبابها، والمعارضة لا تريد أن تشرح الأسباب الحقيقية لها، ولا تقدم أن تفعل ما يغيّر هذه الحالة المربكة.
إن النظر إلى مفاوضات بين طرفين متنازعين، يحتاج من المراقب المحايد معرفة ميزان القوى بينهما، ويحتاج معرفة القدرات التفاوضية لدى كلٍ منهما، كما يحتاج إلى معرفة الزمن، الذي يجب أن تنطلق فيه هذه المفاوضات، أو تتوقف.
فهل قرأت المعارضة السورية هذه الحالة، وأجابت عليها دون اللجوء إلى مفهوم الحق والباطل؟.
الجواب كان واضحاً لدى الهيئة العليا، التي انبثقت عن مؤتمر الرياض1، فرياض حجاب الذي انشق عن النظام وكان يشغل منصب رئيس حكومة، قال في خطاب استقالته بتاريخ 20/11/2017: “بعد مسيرة تقارب السنتين من العمل الدؤوب للمحافظة على ثوابت الثورة السورية، أجد نفسي اليوم مضطراً لإعلان استقالتي من الهيئة العليا للمفاوضات”.
جواب حجاب، كان تعبيراً عن رفض فريق عمله، تقديم تنازلات سياسية، تُخفّضُ من سقف مطالب الثورة، وتحديداً في مسألتي الانتقال السياسي، والتحول الديمقراطي.
جواب حجاب كشف (بدون إعلان) عن هشاشة موقف دول أصدقاء الشعب السوري، هذه الهشاشة ظهرت بعدم وجود استراتيجية عمل حقيقية تجبر النظام السوري وحلفه على الامتثال للانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، وهذا ترافق مع انطلاق الوحشية الروسية في تدمير المدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام، عام 2015.
إذاً، يمكن القول: إن ميزان القوى، كان يعمل لمصلحة النظام، في ظل التدخل الروسي وصمت أصدقاء سوريا، وهذا سبب كاف، لرفض مفاوضات، تجري تحت شرط التدمير، وسياسة الأرض المحروقة.
وفق هذا الميزان الراجح آنذاك لمصلحة النظام، كان من المفترض على المعارضة، أن تعيد حسابات صراعها وأدواته وأساليبه مع النظام، لتجنيب نفسها وشعبها خسائر إضافية بدون فائدة سياسية. لكن المعارضة المتمثلة بهيئة المفاوضات الثانية، كانت تضع كل بيضها في سلال من يطلقون على أنفسهم دول أصدقاء سوريا، في وقت هم أصدقاء مصالحهم وأجنداتهم، التي تتعارض أصلاً مع جوهر أهداف الثورة السورية، التي لو تركت تقاتل بنفسها، لغيّرت معادلات السياسة في المنطقة.
الهيئة المنبثقة عن مؤتمر الرياض 2، الذي انعقد ما بين 22-24/11/2017، تشكلت لتعديلٍ في بنيتها تحت ضغوط دولية، الغاية منها تسويف مطالب الثورة بالانتقال السياسي والتحول الديمقراطي.
هذه الهيئة، لم تستطع أن تنجز للشعب السوري أي منجزٍ، وبالتالي، فوجودها بصيغتها القائمة يخدم عملياً إجهاض الثورة السورية، عبر تحويل مربعات المطالب الكبرى إلى أجزاء صغيرة، وهذا ما فعله الوسيط الأممي عبر سلاله الأربع، ووافقت عليه هيئة المفاوضات برئاسة الدكتور نصر الحريري.
لقد غاب عن ذهن هيئة المفاوضات أن مطلبي الثورة المتمثلين بالانتقال السياسي والتحول الديمقراطي هما هدفان لا يمكن فصلهما عن بعض، فأي فصلٍ بينهما، ينتج عنه إضعافهما كل على حدة.
هذه الرؤية تستند في عمقها إلى معرفة الهيئة أن لا ميزان قوى حقيقي يقف خلفها، وبالتالي، فهي تعمل وفق الممكن بحده الأدنى، كما ذكر لي أحد أعضاء هذه الهيئة. مثل هذا الأمر، يجعل خسائر الثورة والشعب السوري تزداد تراكماً، ولا يستفيد منه غير النظام وحلفه.
فمن لا يملك قوة على الأرض، أو تحالفات حاسمة، تمنحه الأفضلية، على ماذا يفاوض وبماذا يضغط على عدوه، إنه أمر مخيف، أن تستمر هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية بالتفاوض، دون أن تمتلك ميزان قوة ضاغطة، ولو بشكل نسبي على العدو. الأمر المخيف، هو أن هذه الحالة تزيد من تراكم الإحباط في الحاضنة الشعبية، وفي مهمات فصائل الثورة السورية، وهو أمرٌ أدركته هيئة الرياض1، وتغافلت عنه هيئة الرياض2.
البراعة اللفظية والمعرفية قد تفيد في نقاط جزئية ولكنها لا تعوّض الفارق في ميزان القوى. لذلك كان على هيئة المفاوضات أن تستقيل كما فعل بشجاعة رياض حجاب، والفرصة لا تزال قائمة لفعل ذلك، من أجل فتح طريق أخرى، للانتقال بالصراع مع النظام إلى عتبات مقدور عليها، تُحرجُ الروس وأصدقاء الشعب السوري، وتُعيدُ الثقة للحاضنة بقضيتها، وبزخم هذه القضية.
إن استقالة هيئة المفاوضات، يجب أن يترافق بمطلب عقد مؤتمر دولي، ترعاه الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤتمر يمنع أي استخدام للفيتو، أو لخلق تكتلات معادية للشعب السوري، هذا المؤتمر، يجب أن يترافق معه تغيير أسلوب مواجهة النظام، واستنزافه مع حلفه.
إن الحلقة المفقودة في الصراع السوري، هي حلقة تغيير نمط التفكير، الذي ساد سنوات الثورة، وأنتج فشلاً ذريعاً على صعيد تحقيق الحد الأدنى من مطالب الثورة. فهل تبادر قوى سورية طليعية إلى اختراق هذا الحاجز الوهمي، وإطلاق قوى الشعب من جديد، لكنس نظام قاتلٍ ومدمرٍ، جلب الويلات للشعب السوري، وحتى لحاضنته الجائعة والخائفة.
هذه الحلقة المفقودة، تتطلب ممن كشف هشاشة موقف أصدقاء سوريا، أن يبادروا لتفعيل نمط عمل تفكير وممارسة ثوريين جديدين، الشعب السوري بأمس الحاجة إليهما. فهل نتوقع حدوث تغييرات قريبة، تستفيد من كل أخطاء السنوات التسع المنصرمة، التي مرت على قيام الثورة السورية؟.
أسئلة بحاجة إلى إجابات وفي كل الأحوال على المخطئين ممن تصدروا المشهد السياسي أن يقدموا اعتذاراً للشعب السوري، عن خطأ التقدير السياسي، الذي وقعوا فيه، وسبّب خسائر في الزمن والأرض والأرواح، دون مبرر. فهل يمتلك أولئك المتصدرون الشجاعة على الاعتراف بخطأ تقدير الموقف وتقديم الاعتذار، ننتظر من يفعل ذلك قبل فوات الأوان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”