fbpx

هيئة المفاوضات السورية.. هيئة كل السوريين وليس هيئة محاصصات حزبوية

0 220

مرّ عامان على عدم اجتماع هيئة المفاوضات السورية بكامل أعضائها (مكوناتها السياسية)، التي تشّكلت منها بموجب اتفاق دولي آنذاك.

المكونات السياسية التي تتشكل منها هذه الهيئة هي منصة الائتلاف الوطني، ومنصة هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي الموجودة في دمشق، إضافة إلى منصة القاهرة ومنصة موسكو.

يضاف إلى هذه المنصات مجموعة تمثّل الفصائل العسكرية للجيش الوطني، ومجموعة المستقلين التي تتكون من ثمانية أعضاء.

تعطلّت اجتماعات هيئة المفاوضات نتيجة الخلاف حول قضيتين آنذاك، فحين تمَ انتخاب السيد أنس العبدة رئيساً لهذه الهيئة بأكثرية نسبية من المشاركين في عملية الانتخاب، والتي قاطعتها منصات هيئة التنسيق الوطنية ومنصة موسكو ومنصة القاهرة، وبذلك لم يعترفوا بشرعية العبدة على رأس هذه الهيئة، رغم أن انتخابه جاء بتصويت أكثر من النصف العام لعدد أعضاء هيئة المفاوضات.

الحجة التي وضعتها هيئة التنسيق الوطنية هي أن الائتلاف الوطني يحوز في أي تصويت على أي قرار على الأكثرية في حال امتناع المنصات الثلاث الرافضة لانتخاب العبدة.

لكن العبدة وبشكل علني طرح آنذاك أن أي تصويت هام يخصّ القضية السورية يمكن أن يتم عبر أحد أسلوبين. أسلوب رفع نسبة التصويت على القرارات الهامة إلى 60% من مجموع الأعضاء، وهذا يعني عملياً أن الائتلاف وحلفاءه لن يتمكنوا من تأمين هذه النسبة، ما يجعل من التوافق قاعدة لاتخاذ القرارات.

الحقيقة ليست هنا، فهيئة التنسيق التي أيّدت دعوة السعودية لانتخاب أعضاء مستقلين جدد، وجدت نفسها أنها أيّدت إجراءً غير شرعي لأن انتخاب الأعضاء المستقلين الجدد وعددهم ثمانية يجب أن يتم عبر الطرق الشرعية وفق اللائحة التنظيمية لعمل هيئة المفاوضات، وبذلك بدأت محاولة ربط وحدة عمل هيئة المفاوضات بحلً مسألة المستقلين الجدد، الذين لم تنتخبهم أو تتوافق عليه هيئة المفاوضات.

إذاً، في قراءة هذا المشهد يمكن تلمس وجود عدم ثقة بين مكونات هيئة المفاوضات، فظهرت هذه الهيئة وكأنها ملكية شخصية للقوى المشكلة لها، وهذه رؤية خطيرة تمس جوهر المسألة السورية، فهذه المكونات وبكل بساطة وبكل أحزابها وتمثيلاتها، ليست هي الممثل الشرعي المنتخب من قبل السوريين وبالتالي من حقهم التعبير عما يخدم هذا الشعب.

جرت محاولات تقريب وجهات النظر، وشارك بها عدد من الوطنيين الغيورين على قضية بلادهم، فتعطيل عمل هيئة التفاوض هو تعطيل للجهد الثوري للخلاص من الاستبداد، لأن هيئة المفاوضات شكلت للتفاوض على تنفيذ مضمون القرار الصادر في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2015 الذي يحمل الرقم 2254.

كانت هيئة التنسيق الوطنية تصرّ على اعتبار انتخاب المستقلين الثمانية في الرياض هو أساس لعودة لحمة هيئة المفاوضات، وطرحت مبادرة تحت مسمى 6+2 كحل تقبل هيئة التنسيق الوطنية، أي ستة أعضاء تختاره هي واثنان يختارهم الائتلاف.

وطرحت مبادرة 4+4 أي أربعة مستقلين يحددهم كلاً من الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق. ولكن كل هذه المبادرات آلت إلى الفشل، والسبب الحقيقي له هو أن هيئة التنسيق لا تستطيع الخروج عن إرادة السعودية في تلك المرحلة، وكانت علاقات الأخيرة متوترة وسلبية مع الدولة التركية التي تحتضن بصورة عملية قوى الثورة السورية بصورتيها السياسية والعسكرية.

القضية السورية ليست ملكاً شخصياً لهيئة التنسيق الوطنية التي تقيم في دمشق، وهي كذلك ليست ملكية شخصية للائتلاف الوطني، ولهذا كانت طرق معالجة الانقسام في هيئة المفاوضات يحتاج إلى آليات جديدة لتوحيد هذه الهيئة خارج مبدأ المحاصصة المكشوف علناً.

إن تعطيل عمل هيئة المفاوضات هو تعطيل لفرص التفاوض على السلال الأربع بشكل متزامن وليس كما يريد نظام بوتين حليف النظام الأسدي أن يفرض هذه الطريقة للوصول إلى تفريغ القرار 2254، وهو بالأساس قرارٌ لا يؤدي إلى حلٍ حقيقي مادام يمنح النظام الأسدي الذي دمّر البلاد وشرّد العباد فرصة التفاوض والتسويف والتعطيل، فقرار كهذا لا يحل الصراع السوري، بل يزيد أواره، فالقرار المذكور إن لم يضم في طياته بنداً ملزماً بالحل على أساس البند السابع أي استخدام القوة العسكرية لتنفيذه في حالة رفض النظام الأسدي العمل به والتوقيع على نتائجه.

لذلك وباعتبار أن هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي لا تزال ترفض مبدأ اتخاذ القرارات المصيرية الخاصة بالصراع بين قوى الثورة والمعارضة من جهة وبين النظام الأسدي الاستبدادي من جهة أخرى على أساس قاعدة التوافق بين مكونات الهيئة، فهذا يعني بصريح العبارة أنها غير مهتمة بدفع عربة الحل السياسي من جهة، وعدم حشد السوريين وراءها من جهة أخرى.

السوريون لا يريدون شعارات فارغة من الفعل وبرّاقة المظهر، بل يريدون برنامج عمل وطني شامل يجمع كل قوى الثورة والمعارضة والقوى الرافضة للاستبداد والنظام الشمولي، وإبعاد الحزبوية والعقليات الأيديولوجية أنى كان مضمونها، فالغاية هنا استعادة استقلال سوريا ووحدة أراضيها والخلاص من الاستبداد وفق القرار 2254 الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حاكمة انتقالية تضع دستوراً للبلاد يلحظ مصالح كل مكوناتها على قاعدة المواطنة المتساوية.

وفق هذه الرؤية أناشد هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، وأناشد الائتلاف الوطني وحلفاءه في هيئة المفاوضات العمل بصورة حقيقية جديدة لإعادة الحياة لهيئة المفاوضات، والتي لا يستفيد من عطالتها وتعطيلها سوى القوى المضادة للثورة وعلى رأسهم النظام الأسدي.

فهل سيصل نداؤنا للجميع أم سيكون هناك من يعلن أن المعطلين هم أعداء للحل السياسي في سوريا وفق القرارات الدولية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني