fbpx

هيئة التفاوض السورية.. والبحث عن ثغرة في جدار التعطيل

0 304

لا يزال مشهد إعلان “هيئة التفاوض السورية” ماثلاً بقوة في أذهان السوريين، إذ تمّ تشكيل هذه الهيئة في مؤتمر الرياض1 الذي عقد في العاصمة السعودية بتاريخ العاشر من ديسمبر 2015م، وقد استمر عمل هذه الهيئة قرابة عامين، لتخلفها النسخة الثانية المنبثقة عن مؤتمر الرياض2 بتاريخ 22-23 /11/2017م.

إن ما يؤخذ على عمل الهيئتين المتتاليتين هو عدم قدرتهما على لعب الدور الذي أنشأتا لأجله، حيث لم تكن هناك استراتيجية تفاوض واضحة، وهذا تجلى من قيادة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا لملف المفاوضات، فوجود استراتيجية تفاوض بحديها الأعلى والأدنى، كان سيمنع ارتجال بعض المواقف أو عدم السماح باتخاذ مواقف يتم التراجع عنها، وهذا عيب كبير في مقدرة الهيئة على تمثيل مصالح السوريين، وفق قاعدة القرار الدولي 2254.

إن إدراك هيئة التفاوض لدورها الوظيفي، الذي تشكلت لأجله، وقدرتها على توفير مستلزمات هذا الدور، من ضبطٍ لعملها كبنية واحدة، لها آلية عمل واضحة، تتجلى من تضافر عمل أنساقها المكونة لها، هذه الآلية لا يجب أن تخرج عن ثابتين رئيسيين هما التمسك بوحدة الأراضي السورية والشعب السوري، والإصرار على إقامة نظام حكم يمثل أطياف الشعب كافةً، من خلال انتقال سياسي لا مكان لنظام الأسد فيه.

وظيفة هيئة التفاوض لا يمكن أن تكون ناجحة بغير دعم جدي من الحاضنة الشعبية للثورة، فهذه الهيئة من حيث بنيتها التنظيمية هي تعبير عن تمثيل أوسع قطاعات قوى الثورة والمعارضة السورية، وهذا أمر لم تحزه مؤسسة الائتلاف أو المجلس الوطني الذي تشكّل أولاً.

الدعم المطلوب لهيئة التفاوض ينطلق من تمسكها بثوابت القرار 2254 رغم تعطيل الروس لهذا القرار، فلا يمكن لهيئة التفاوض أن تكون قوية وفعالة في غياب إصرارها عن تلازم سلال الحل، هذا التلازم ينبغي الشغل عليه بأكثر من طريقة ووسيلة وأدوات.

الشغل على تلازم المسارات يعني تعطيل مسار الحل الروسي المعبر عنه عبر أستانة وسوتشي ومؤتمر إعادة اللاجئين. لقد وقفت المعارضة الرسمية عاجزة عن القيام بأي جهد سياسي وديبلوماسي فعالين أمام الدعوة الروسية لإعادة اللاجئين، فالروس يدركون أن اللاجئين لن يعودوا كما يرسمون، وأن الغرب لن يحضر هكذا مؤتمر دون خرق جدي في جدار ممانعة النظام للمفاوضات، وتقديم ضمانات سياسية بالموافقة على تنفيذ القرار 2254.

الروس لا يهمهم عودة اللاجئين وفق الصيغة الدولية التي ينص عليها القرار الدولي المذكور، فتلك الصيغة تعني إعادة ترتيب وضع نظام الحكم في سوريا دون تعويم للنظام والأسد، وهذا ما لا يريده الروس بغير ضمانات لاستثمارهم في الصراع السوري، ضمانات تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وبقية حلفائهما.

لو كان الروس مهتمين بحل الصراع وفق القرار 2254، ما كانوا احتاجوا لمسار بديل عن المسار الدولي هو مسار أستانة العسكري ومسار سوتشي السياسي ومسار مؤتمر عودة اللاجئين.

إذاً الروس لا يزالون بعيدين عن تنفيذ القرار الدولي المذكور وهم بالتالي لم يصلوا بعد إلى مربع تقاطع مصالح مع الغرب عموماً ومع قوى المعارضة خصوصاً وهذا خلل سياسي وديبلوماسي ترتكبه إدارة بوتين، خلل مكلف على المدى المتوسط والبعيد.

لهذا يمكن لهيئة المفاوضات وللمعارضة الرسمية الممثلة بالائتلاف وهيئة التنسيق وغيرهما توضيح مساحة التقاطع مع الروس بملف الصراع السوري على قاعدة القرار 2254، ودون تقديم أي تنازل جوهري، لأن الزمن لا يعمل لمصلحة المسار الروسي في ظل تبدلات جوهرية بموازين القوى كشفت عنها مؤخراً الحرب الأذربيجانية مع أرمينيا.

وهذا الأمر يتطلب وضع ورقة ممكنات بالتعاون السوري/الروسي من ضمن مربع تنفيذ القرار المشار إليه، هذه الورقة لا ينبغي أن تكون احتمالية أو مشوشة بل يجب أن تكون شفافة.

ورقة الممكنات بالتعاون السوري/الروسي تقوم على لحظ مصالح روسيا الاقتصادية والسياسية والتعاون طويل الأجل مع الحكومة البديلة عن نظام الأسد، دون أن يكون هناك تنازل عن سيادة سوريا بكل الحالات.

ولكن لا قيمة لورقة التعاون بدون رسم استراتيجية وطنية حقيقية يساعد على دعمها أصدقاء سوريا وفي مقدمتهم تركيا، وهذا يتطلب مأسسة الفصائل مع مأسسة المعارضة بطريقة مختلفة وبأدوات وبرنامج عمل مرنين غير انغلاقيين.

الفشل وعدمه يظهر من سلة النتائج، لهذا لم يحصل السوريون على نجاحات بأي صعيد في صراعهم مع النظام الاستبدادي وحلفه، وهذا يعني فشل الأسلوب والأدوات المستخدمين بالصراع، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة جدية وعزل جدي لعناصر الإعاقة في العمل الوطني التحرري.

هذا العزل يحتاج نهوضاً شعبياً سلمياً علنياً يطالب بالقيام بمثل هكذا خطوات، وللوصول إلى هذه النتيجة المطلوبة ينبغي تفعيل أطر القاعدة الشعبية السياسية وأطر المجتمع المدني، في الداخل والخارج، وإعادة الثقة بأهمية تلاحم قيادات المعارضة بالشعب الذي لم يبخل بنفيس وغال من أجل الخلاص من نظام الاستبداد.

وفق رؤيتنا التي تقدمت نتوقع أن تلجأ مؤسسات المعارضة إلى لعب الدور المنوط بها، كأن يعيد الائتلاف تكوين بنيته خارج محاصصات منتهية الصلاحية، وأن يعمد إلى تطوير أدائه السياسي من خلال بناء مرجعيته الثابتة التي ترتكز على إرادة السوريين عبر أطر شرعية حقيقية.

هذا الأمر يمكن البدء به في بنية هيئة المفاوضات، هذه البنية يجب أن ترتكز على إنجاز مهامها المنوطة بها وطنياً وليس على محاصصة حزبية وسياسية، هذه المهام يجب بيانها استراتيجياً ومرحلياً دون ضغوط إقليمية أو دولية، فمصلحة السوريين هي الأولى في هذا الصراع المرير مع نظام مستبد فظيع.

فهل تذهب المعارضة إلى برنامج عمل جديد بأدوات جديدة، أم سنبقى أسرى للإعاقة في وقت يتقدم فيه أعداء السوريين ويحصدون النتائج التي تطيل بعمر النظام الاستبدادي؟ لا وقت للانتظار طويلاً.    

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني