fbpx

نقابة المحامين الأحرار في حلب: الخلافات الداخلية وانعكاساتها على مستقبل سوريا

0 192

في العاشر من أغسطس 2024، اجتمع أعضاء نقابة المحامين الأحرار في حلب لعقد مؤتمر كان من المفترض أن يكون حدثاً مهنياً هاماً لمناقشة قضايا مهنية وقانونية حيوية. ولكن، بدلاً من الحوار البنّاء، اندلعت التوترات وأدت إلى تعطيل أعمال المؤتمر بشكل غير متوقع. هذا الحدث لم يكن مجرد صدفة، بل كان انعكاساً واضحاً لأزمة متجذرة في النقابة، أزمة تحمل في طياتها تداعيات أعمق على مستقبل العمل النقابي والسياسي في سوريا.

البذور الأولى لهذه الأزمة تعود إلى مارس 2023، عندما أثار موضوع التصويت الإلكتروني للأعضاء المغتربين خلافات حادة داخل النقابة. هذا الخلاف كان بمثابة الشرارة التي أشعلت سلسلة من النزاعات، حيث شعر بعضهم أن التصويت الإلكتروني يُشكّل تجاوزاً لصلاحيات النقابة وابتعاداً عن أهدافها. ورغم أن المحاولات لإلغاء هذا التصويت باءت بالفشل في انتخابات يوليو 2023، إلا أن النتائج أظهرت تفاقماً في الانقسام داخل النقابة، مما أدى إلى تأسيس “فرع ريف حلب للمحامين الأحرار”، وهو فرع غير شرعي حسب حكم محكمة النقض في الراعي.

التوترات التي تفجرت في مؤتمر أغسطس لم تكن وليدة لحظتها؛ بل هي تجلٍّ لخيارات وإخفاقات سابقة. القادة الذين عمدوا إلى تعطيل المؤتمر عبروا عن رفضهم لما اعتبروه انحرافاً عن الأهداف المهنية للنقابة، وهو ما يعكس التوتر بين الفردية والطموحات الجماعية داخل الهيكل النقابي. ولكن ما هو أكثر إثارة للقلق هو أن هذه الخلافات تتجاوز النقابة لتشمل مشهداً سياسياً أوسع في الشمال السوري المحرر، حيث يتجلى الصراع بين التوجهات السياسية المختلفة.

تحليل هذه الخلافات يكشف عن محاولات بعض الأطراف لتأسيس بدائل للنقابة، وهو ما يعكس فشل تلك الأطراف في التعامل مع الوضع السياسي المعقد في سوريا. هذه المحاولات لتأسيس كيانات جديدة تأتي في وقت يواجه فيه المجتمع الدولي تحديات هائلة في التعامل مع الأزمة السورية، ومع ذلك، فإن أي خطوة نحو إنشاء مؤسسات بديلة ستواجه رفضاً دولياً حاسماً، حيث إن المؤسسات القائمة حالياً تحظى باعتراف دولي لا يمكن تجاوزه بسهولة.

بالنظر إلى هذه الحقائق، يصبح من الواضح أن السعي إلى خلق بدائل سياسية أو نقابية لا يخدم القضية السورية بأي شكل من الأشكال. بل على العكس، فإن هذه المحاولات قد تؤدي إلى تفتيت الجهود وتعطيل العمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. في هذا السياق، يعتبر العمل من داخل المؤسسات القائمة وإصلاحها من الداخل هو السبيل الأمثل لتحقيق التغيير المطلوب. من خلال النقد البناء والعمل الجاد ضمن هذه الأطر، يمكن تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق تقدم حقيقي نحو سوريا موحدة ومستقرة.

إن التجارب السابقة أثبتت أن إنشاء مؤسسات بديلة دون وجود دعم حقيقي على الأرض هو مسار محفوف بالمخاطر، وغالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية. لذلك، يجب أن تكون الجهود مركزة على تقوية النقابات والمؤسسات الموجودة بدلاً من البحث عن حلول مؤقتة لا تمتلك الشرعية أو القوة اللازمة لتحقيق تغيير حقيقي. في نهاية المطاف، فإن هذه الانقسامات لا تخدم سوى مصالح ضيقة، وتؤدي إلى تآكل الثقة بين القوى التي من المفترض أن تعمل معاً لتحقيق أهداف الثورة السورية.

علاوة على ذلك، من المهم أن نفهم أن محاولة إنشاء بدائل نقابية أو سياسية جديدة هي خطوة غير مدروسة تعكس عدم فهم دقيق لتعقيدات الوضع السوري الداخلي والخارجي. العمل ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية القائمة، وتعزيزها من الداخل، هو ما سيضمن تحقيق التغيير المنشود. ويجب أن تكون هناك رؤية واضحة ومحددة للعمل النقابي والسياسي، مبنية على الوحدة والتعاون بدلاً من الانقسام والتنافس.

إجمالاً، تعزيز العمل النقابي والسياسي داخل سوريا المحررة يتطلب تضافر الجهود لإصلاح السياسات من الداخل بدلاً من خلق المزيد من الفوضى والانقسامات. هذا النهج ينطبق على العمل النقابي والسياسي على حد سواء، حيث إن المجتمع الدولي لن يستبدل المؤسسات القائمة والمعترف بها بكيانات جديدة تفتقر إلى الشرعية والدعم. وبالتالي، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تعزيز هذه المؤسسات والنقابات لتكون قادرة على تحقيق التغيير المطلوب وتلبية تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة.

في الختام، فإن الوحدة النقابية والسياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الثورة السورية. العمل من داخل المؤسسات القائمة وتقديم النقد البناء هو ما سيضمن استمرار النضال من أجل سوريا موحدة وديمقراطية. أما محاولات القفز في الفراغ بتشكيل بدائل غير فعالة، فلن تؤدي إلا إلى تأخير تحقيق هذه الأهداف وتعطيل الجهود المشتركة. لهذا، من الضروري أن تتضافر الجهود لتحقيق التغيير المطلوب من داخل الأطر الشرعية والمستقرة، لضمان مستقبل مشرق لسوريا ولشعبها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني