fbpx

نساء في إدلب.. بين غياب المعيل وصعوبات العمل

0 180

خسرت الكثير من الأسر السورية معيلها جراء الحرب بين قتيل أو معتقل أو مصاب، لتأخذ المرأة دور المعيل وتتحمل مسؤولية الإنفاق على المنزل والأولاد، وتعاني من ضغوطات ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ عدّﺓ ﻓﻲ ظلّ ضعف الدعم ﺍﻟﻤقدّﻡ من المنظمات الإغاثية ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ.
أم وائل (29عاماً) من معرة النعمان فقدت زوجها جراء غارة حربية على المدينة منذ سنتين، ﻭﻫﻲ تعيش ﻣﻊ أطفاﻟﻬﺎ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﻭﺍلدﻳﻬﺎ في خيمة صغيرة ﻣﻨذ ﺃﻛثر من ﺛﻼﺛﺔ أشهر ﺑﻌدﻣﺎ ﻧزﺣت ﻣن ﺍﻟرﻳف ﺍﻟﺠﻨوﺑﻲ ﻫرﺑﺎً ﻣن ﺍﻟﻘﺼف، ﻭﺳط ظروﻑ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﺟداً، فهي ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺍﻷمرّين لتؤمن نفقات أولادها الأيتام.
تتحدث أم وائل لـ نينار: “توفي زوجي قبل سنتين، فقدنا بموته السند والمعيل، ومنذ ذلك الوقت بدأت أبحث عن عمل دون جدوى بسبب انتشار البطالة، واقتصار فرص العمل على النساء المتعلمات.”
تبين أم وائل أنها تعاني أيضاً من ضغوطات اجتماعية جراء نظرة المجتمع للأرملة، وعن ذلك تقول: “ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﻜوﻥ ﺯﻭﺝ ﺍﻟﻤرﺃﺓ ﻏﺎﺋﺒﺎً ﺣﺘﻰ ﺗﻠوﻛﻬﺎ الألسن، وهذا ما دفعني للعيش مع والديّ، كذلك أعاني من ﺗرﺑﻴﺔ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻓﻲ هذه ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ.”

تشير أم وائل أنها كانت تتردد إلى مقر إحدى المنظمات الإغاثية للحصول على المساعدات العينية والمواد الغذائية، ولكن تمادي أحد المسؤولين معها محاولاً التقرب منها ومهدداً بانقطاع الدعم عنها جعلها تعزف عن تلك المساعدات، والاكتفاء بما تحصل عليه من مبالغ مالية من إخوة زوجها بين الحين والآخر.
من ﺟﻬﺘﻬﺎ أم مروان (33عاماً) من مدينة إدلب فضلت العمل بمبلغ زهيد على المكوث في المنزل، وذلك لإعالة أبنائها الخمسة بعد اختفاء زوجها وعن ذلك تقول: “زوجي سائق حافلة، فُقد أثناء سفره إلى مدينة حلب لجلب البضائع، وبعد ذلك وجدت نفسي مع أطفالي في مواجهة ظروف حياة قاسية تزيد الحرب من وطأتها.”
تشير أم مروان إلى أنها بحثت عن عمل تعول به أطفالها، وبعد معاناة مع الفقر والحرمان قبلت بالعمل كمستخدمة في مركز فريق تطوعي بأجر زهيد لا يتعدى مبلغ 20 دولار شهرياً، لكنه يظل أفضل من لا شيء بحسب وصفها.
وعن ذلك تضيف: ” لم يكن ﺃﻣﺎﻣﻲ سوى ﺍﻟﻘبوﻝ ﺑﺄﻱ ﻋﻤل، حتى لو كان أجره ﺯﻫﻴداً ﺟداً ﻻ يكفي ﻟﺘﺄﻣﻴن ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻲ، لكن ﻛﺎﻥ ﻫﻤﻲ ﺃﻥ ﺃﺟﻠب ﻟﻬم ﺍﻟﺨبز ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗل ﻓﻲ ظل ﻗﻠﺔ ﻓرﺹ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺒطﺎﻟﺔ، ﻭﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋدﺍﺕ ﻣن ﻗﺒل ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴن ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴر ﻣن ﺍﻟﻤﻨظﻤﺎﺕ ﻭﺃﻗﺎﺭﺑﻬم.” الهجران والحياة المعلقة هو مصير أم علي (30عاماً) من مدينة خان شيخون، حيث تخلى عنها زوجها بعد زواجه من امرأة أخرى وعن ذلك تقول: “عشت مع زوجي الفقر والحرمان، ورضيت بهما على أمل أن تتحسن الظروف والأحوال، ولكن بعد التحاقه بإحدى الفصائل المقاتلة، كثر المال بين يديه، وﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻲ وعن أطﻔﺎﻟﻪ ﻭلم ﺃعد ﺃﻋرﻑ ﺷﻴﺌﺎً ﻋنه، ﺃﻭﺍﺟﻪ ﻗﺴوة ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺣدﻱ ﻻ ﻣﺎﻝ ﻻ ﻋﻤل.”
كذلك زوجات الجرحى والمصابين لسن أفضل حالاً، حيث أن عدداً كبيراً من الرجال تعرضوا للبتر أو الحرق أو غيرها من الإصابات جراء الحرب المستعرة منذ سنوات، ما جعل مسؤولية تأمين نفقات المنزل والأولاد تقع على كاهل النساء.
عائشة الحسين (35عاماً) من ريف سراقب أم لطفل وطفلة، تعرض زوجها لبتر قدمه جراء غارة حربية، لكنها استطاعت أن تكمل دراستها وتجد لنفسها عملاً لمساعدة أسرتها، توضح ذلك قائلة: “كانت المعاناة سبباً في اكتشاف إمكاناتنا، ودافعاً للنجاح، فعندما أصيب زوجي قررت أن أفعل شيئاً لمساعدة أسرتي، ثم بدأت بدراسة الثانوية العامة، وبعد نجاحي انتسبت لجامعة إدلب، وبدأت أعلم في مدرسة المخيم الذي أقطن به في مدينة سرمدا الحدودية، وأحصل على مردود كريم يكفينا العوز والحاجة.”
المرشدة الاجتماعية نور الشحنة من مدينة إدلب تتحدث عن معاناة النساء المعيلات بالقول: “رغم ﻛل ﻣﺎ ﻳﺒدﻳﻪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻴط من تعاطف مع المرأة ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ، فذلك ﻻ يحميها من النظرة ﺍﻟﺘﻘﻠيدية، ففضلاً عن فقدان شريكها ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ليعيد ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻭﺍﻗﻌﻬﺎ، فيفرض ﻋﻠﻴﻬﺎ قوانين ﺗﻤﻨﻌﻬﺎ من الزواج مرة أخرى، ﺃﻭ ﺍﻟﺨروﺝ إﻟﻰ العمل، ﺇﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ بأهل ﺍﻟزﻭﺝ ﻭﺗﺒﻌﻴﺘﻬﺎ ﻟﻬم.
وتؤكد الشحنة أن النساء ﺍﻟمعيلات يعانين من ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﻟﺤﻘوﻗﻬن ﻭسوء ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛن العمل أثناء ﻛﻔﺎﺣﻬن من أجل ﺇﻋﺎﻟﺔ أسرهن، حيث يصبحن عرضة للاستغلال وقسوﺓ ﺃﺭﺑﺎﺏ العمل، ﺧﺎﺻﺔ بعد ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻬم.
تحاول الكثير من النساء إيجاد فرصة عمل كضرورة للبقاء على قيد الحياة، لكن جهودهن تتعثر بتحديات وعوائق كثيرة، يتصدرها الإطار الاجتماعي الخانق والنزعة الذكورية، وليس انتهاءً بتبعات الحرب الدائرة في البلاد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني