نحو وصاية دولية على سوريا
الخيار الأفضل للسوريين هو الإقرار بالعجز عن قيادة المرحلة القادمة، والدعوة إلى تشكيل وصاية دولية على سوريا برعاية أممية، تعيد تركيب الدولة السورية من جديد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأما الحلم بقيام دولة طبيعية فهو مجرد حلم لا يستطيع أمراء الحرب تحقيقه. فالذي لم يدركه السوريون أن الثورات تنجب أمراء حرب ولا تنجب علماء اجتماع أو متخصصين في فن الإدارة، لأن زمن الثورات انتهى منذ عقود من الزمن، لكننا نقرأ متأخرين تاريخ الثورات، ظناً منّا أننا في الزمن عينه، وهذا من سوء المدرسة وغفلة الأسرة، وندرة الكلمة والكتاب.
فعندما أراد ترامب أن يلتقي رئيس كوريا الشمالية، اختار المكان الأكثر أمناً، والأكثر أهمية في إيصال الرسائل السياسية لكل الثورات في العالم، وهي الرسالة التي وصلت إلى جميع من في الأرض. فمكان لقاء الزعيم الكوري كان في فيتنام، الدولة التي كانت منذ سنوات قليلة تخوض حرباً شرسة ضد الوجود الأمريكي، ومع أن جيل الثورة ذلك، المتحمس لروح الاستقلال لم يمت بعد، ولو كان التاريخ يعود للوراء لما حملوا السلاح قط، وسبب ذلك أنهم أدركوا متأخرين لعبة المصالح، لذلك ضحى الفيتناميون كثيراً، وعندما وصلوا إلى كرسي السلطة في سايغون، أدركوا الفرق بين لعبة المصالح وبين الشعارات الرنانة على طريقة بيونغ يانغ، وهكذا يمسك الفيتناميون بالسائح الأمريكي ويصنعون ما أمكن من فرص الاستثمار له، وأما ضحايا الحرب فهم ينتمون للصفحة السابقة من الكتاب.
الشعب السوري اليوم لا يزال يعيش أوهام الثورات بدلاً من الدخول في مدرسة المصالح، لذلك أمام سوريا حرب طويلة على شاكلة أفغانستان، وهذا ليس لأن العالم متآمر على الشعب السوري، ولكن لأن النخب السياسية (منعت وأقفلت الطريق) أمام قيام قيادة حقيقية تستطيع لملمة الوجع السوري بسبب زحمة أمراء الحرب، فالطريق إلى دمشق يشبه الطريق إلى كابول، وأما الحديث عن مجلس عسكري انتقالي، فهي قصة كان يجب الانتباه لها قبل عقد من الزمن، كما جرى في مصر لحظة تنحية مبارك، وذلك لأن الحكومات العسكرية يتوارثها الجنرالات تباعاً حتى تتفكك الدولة وما عليها.
أكثر من أربعين سنة مضت والأفغان لا يزالون يتصارعون للوصول إلى كابول، مع أن السوفييت اندثروا لكن الحرب أبت أن تندثر أو لم تجد من يدثرها، فقد تبين بعد طول استقراء هناك، أن عدم التزام المرأة بلباس الجلباب هو أكثر خطورة من وجود السوفييت، ولهذا السبب كان لابد من مقتل وجرح وتشريد ملايين الأفغان، من أجل إقامة إمارة إسلامية وفق شروط لم تقم أصلاً في التاريخ الإسلامي من الألف الأولى وصولاً إلى الحالة الصفرية التي لم تأت بعد. وعلى هذا الطريق ذاته، يتشكل الحضور الذهني في الميدان السوري على الأرض. فنحن أمام نخب مثقفة سورية بنسب محدودة، أمام مساحة هائلة تائهة بين الأمية من جانب، وبين الفوضى والبعد عن الإدراك الحقيقي للمشهد على الأرض، وفي أفضل أحوال السوريين ينتظرون مشهد دخولهم إلى دمشق على شاكلة دخول الفيتناميين إلى سايغون، ولكنهم يستخدمون أدوات الأفغان في معركة كابول، لذلك عندما انتهت الثورة الفيتنامية عرفوا كيف يعيدون فتح البوابة الأمريكية، بينما الأفغان وبعد أربعين عاماً لا يزالون يبحثون عن الطريق وعلى شاكلتهم يسير ثوار سوريا، غير أن قادة المعارضة السورية ليسوا بجاذبية الجنرال “جياب” أو “هوشيه منه”.
لقد أضاع السوريون الطريق الى دمشق واتجهوا إلى كابول، ولم يعد أمامهم خيار سوى الاعتراف بالعجز، ومناشدة المنظومة الدولية لفرض الوصاية على بلد مدمر وشعب منكوب، أو انتظروا عشر سنوات إضافية من التجارب السياسية العبثية.