fbpx

موت الكاتب

0 275

إلى كاتبي ديرالزور الشهيدين محمد رشيد رويلي وإبراهيم الخريط
يتفاجأ المرء، في زحمة ثنائية الحياة والموت، وفي ظل تحول العالم إلى مجرد بيت واحد، بمداهمة أنباء رحيل الأحبة له – أينما كان – واحداً تلو الآخر، وطبيعي أن لصدى الغياب الأخير لأمثال هؤلاء، تأثيره الكبير على المرء، لأن ألم الفجيعة بالإنسان، ليعد في طليعة الآلام الكبرى، التي من شأنها أن تلتف، كأنشوطة حول روحه، وعنقه، لا سيما عندما يكون هؤلاء في عداد المقربين منه، وبينهم سبل المودة، أو حتى إن كانوا ممن لهم دورهم الحياتي، خلال تكريس سني أعمارهم، في خدمة الآخرين، وهم الناس الغيريون بامتياز.
وإذا كان سؤال الموت مريراً، على هذا النحو، فإن مثل هذا السؤال يكون أكثر مرارة، عندما يكون الراحل، كاتباً، تجسر كلمته بينه ومن حوله، تعنى بهم، تكرس نفسها في خدمتهم، ولعل في مثل هذا ما يرتب على الكاتب – في العادة – ضريبة قصوى، باهظة، وهي أن الانصراف إلى مثل هذه الشؤون، لا يأتي بسهولة تامة، وإنما يكون ثمنها، على حساب راحته، وحياته، بل وقد تتعدى ذلك، لتترتب على حساب أسرته، ومن حوله، من ذويه.
وبدهي، أن العالم مبني، على هذه الثنائية التي لابد منها، على اعتبارها سنة الحياة، فكما أن هذه الحياة – كما قال ذلك ناظم حكمت ذات يوم – جديرة بأن تعاش، فإن ضريبة الموت تأتي موازية لدهشة الحياة، تتشابك معها، وتتواشج، فلم تتخل عنها البتة، منذ بداية الخليقة وحتى هذه اللحظة، حيث بات من سنن هذه الحياة، أن لا مفر من الموت، ولعلّ هناك أصنافاً من الناس، استطاعوا أن يخففوا من وطأة سؤال الموت على أنفسهم، ومحبيهم، وذلك من خلال ترك آثارهم وراءهم، ويأتي من عداد هؤلاء الحكماء، والمبدعون، والأبطال، هؤلاء الذين تجعلهم آثارهم الطيبة التي يخلفونها، لشعوبهم، أن يعيشوا في ذاكراتهم، وأن يواجهوا غيابهم بالحضور، ولعل الكتاب، يعدون، وبجدارة، من صلب هذا الصنف الاستثنائي من العالم، لاسيما فيما إذا كانت أعمالهم الإبداعية، مكرسة لخدمة شعوبهم، وأوطانهم، على اعتبار أن من يخدم شعبه ووطنه، فإنه ليحقق حضوره الكوني، لأن لا كونية لأي مبدع، إلا عبر بوابة محليته، إلى الدرجة التي يمكن فيها التأكيد، أن النجاح في هذه المحلية، إنما هو نجاح في العالمية، وهو موضوع آخر، يستحق الوقوف عنده، على نحو خاص حقاً.
ولعل الكاتب الذي يحقق إبداعه الحضورَ لدى متلقيه، ويلامس أسئلته الحياتية والجمالية، فإنه ليستطيع أن يؤسس حالة فريدة مع متلقيه، إلى الدرجة التي يعتبره المتلقي، أنه من أسرته الخاصة، بمعنى أن أسرة الكاتب تتوسع، وتكاد تشمل كلّ من حوله، في ما إذا كان صاحب رؤية سليمة، ناضجة، متكاملة، محورها خدمة الآخرين، وهو ما يجعل من رحيل مثل هذا الكاتب شأناً عاماً، إلى تلك الدرجة التي يحس ملايين قرائه، في أقل تقدير، أن غيابه شأن شخصي لكل منهم، كما هو شأن عام، بل إن أغلب هؤلاء الذين لا يعرفونه، ليشعرون في أعماقهم أن حيواتهم صارت ناقصة من دون هذا الكاتب، وإن كانوا أخيراً ليعزون أنفسهم، بإدراكهم أن ما تركه لهم هذا الكاتب، من أدب خالد، إنما يخفف من وطأة آلامهم، من جهة، ويجعله دائم الحضور بينهم، من خلال رؤاه، وروحه، وفكره، وانحيازه للجمال والحياة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني