fbpx

مواقف الدول الفاعلة من الصراع الأذربيجاني/الأرميني في ناغورني كاراباخ

0 361

يعد إقليم ناغورني كاراباخ ذو أهمية استراتيجية كبيرة، وموقع جغرافي بالغ الأهمية، يتميز أيضاً باحتياطاته الكبيرة من النفط والغاز ومناجم الذهب، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى أن يكون هذا الإقليم ساحة صراع دائم منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر، ساهمت في جذب عدد من الدول إليها، تلك الدول التي رأت في الصراع الأذربيجاني/الأرميني في ناغورني قره باغ فرصة سانحة من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية.

فتركيا تصوغ موقفها من النزاع وفق منظومة متشابكة من العوامل الدينية والتاريخية والعرقية والمصالح الاقتصادية والسياسية مع أذربيجان، ومن أهمها:                                    

– يجمعها مع أذربيجان مشتركات الدين واللغة والعرق، ما يجعل العلاقة معها حساسة ومحورية.

– بالنظر إلى الخرائط الجغرافية والجيوبوليتيكية للمنطقة، فإن أذربيجان بمثابة منفذ لتركيا لاسيما من خصومها الذين يحيطون بها (روسيا – أرمينيا).

– يؤثِّر الوضع الحالي لإقليم ناغورني كاراباخ، كونه محل نزاع، على سياسات تركيا تجاه منطقتي البلقان والقوقاز، فهو يحدُّ من فاعليتها في حوضي الأدرياتيكي وقزوين بشكل مباشر. ذلك أن حلَّ مشكلة الإقليم وإزالة الحاجز الأرمني سيمكِّنها من التواصل عبر منطقة ناهتشيفان مع أذربيجان والجمهوريات التركية في آسيا الوسطى ليصنع منها قوة إقليمية كبرى.

– تحقيق الترابط والتكامل بين السياسات التركية في كلٍّ من البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. 

– تعتبر أذربيجان “ذات الأغلبية الشيعية” نموذجاً متمايزاً عن النموذج الإيراني فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، ولذلك تضع تركيا العلاقات معها والدعم المقدَّم لها في إطار التنافس والتوازن مع إيران في الإقليم.

– العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين تركيا وأذربيجان، حيث تجمع البلدين عدَّة إطارات اقتصادية أهمها اللجنة الاقتصادية المشتركة والمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي.

أما روسيا فهي تصوغ مقاربتها للنزاع وفق محددات عدَّة، أهمها:

– إرث روسيا التاريخي في السيطرة على المنطقة في عهدي روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي.

– تشكِّل منطقة جنوب القوقاز (أرمينيا – أذربيجان – جورجيا) بالنسبة لروسيا عمقاً استراتيجيّاً، وحديقة خلفية لا يمكن التفريط باستقرارها وأمنها.

– المنافسة على أحواض الغاز الطبيعي في بحر قزوين، وخطوط مروره إلى أوروبا.

– تُعتبر أرمينيا شريكاً استراتيجياً لروسيا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

– أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق (وهي المنظمة التي انسحب منها كل من أذربيجان وجورجيا عام 1999).

– تعتبر روسيا ضامنة للأمن والاستقرار في جنوب القوقاز وحوض بحر قزوين، كقوة إقليمية عسكرية، وكدولة سيطرت تاريخياً على المنطقة، وباعتبارها أيضاً مصدراً مهماً للسلاح لكل من أرمينيا وأذربيجان على حدٍّ سواء.

– تحتفظ روسيا بقواعد عسكرية على الأراضي الأرمينية في منطقتي أربوني (Erebuni) وغيومري (Gyumri) القريبة من الحدود التركية، كما تسيطر طائراتها على المجال الجوي الأرمني.

– يتكامل الوجود الروسي العسكري في أرمينيا مع وجودها العسكري في جورجيا وعلاقاتها الاستراتيجية المتنامية مع إيران، ضمن منظومة موسكو الجيوبوليتيكية.

أما إيران فهي تتجه صوب أرمينيا لكي توطد معها العلاقات بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي، ومنع واشنطن وتل أبيب من إحاطة طهران بشبكة قوية من العلاقات مع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وهو ما دفع إيران لاتخاذ خطوات استراتيجية من شأنها إعادة تقييم علاقاتها مع الكثير من الدول بهدف الوقوف على قدم المساواة مع أمريكا وإسرائيل، واستعداداً لأي طارئ إذا ما اندلعت حرب في تلك المنطقة.

ويأتي العامل الأمني بالدرجة الأساس في علاقات واهتمام إيران بهذه الجمهوريات، فمنطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقة وسط أسيا والقوقاز بثرواتها وموقعها الاستراتيجي هي محط أنظار العالم، وتعيش وضعاً غير مستقر، وفي هذا المحيط غير المستقر تُعد إيران الحلقة الأضعف على اعتبار أن جمهوريات القوقاز مدعومة من روسيا الاتحادية، كما أن تركيا تحصل على دعم غربي للدخول في هذا الصراع، لهذا تحاول مد نفوذها في هذه الدول خدمة لمصالحها الأمنية.  

كما تشترك إيران بحدود مشتركة مع كل من أذربيجان وأرمينيا، وبالتالي إمكانية انعكاس التطورات في كلا البلدين على إيران.                                                          

كما تدعم إيران أرمينيا في صراعها مع أذربيجان، لان انتصار أذربيجان يعني إثارة الروح القومية لدى الأذريين الإيرانيين وهو ما قد يثير الاضطرابات داخل إيران.                              

أما عن دور مجموعة مينسك في الصراع الأذربيجاني الأرمني، فبرغم إنشائها عام 1992، فإن مجموعة “مينسك”، الخاصة بحل نزاع إقليم ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، عجزت عن إنتاج حلول عملية للنزاع رغم مرور 28 عاماً على تأسيسها. وتأسست المجموعة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا عام 1992، لإيجاد حل سلمي للأزمة التي بدأت مع احتلال أرمينيا لإقليم ناغورني كاراباخ ومحافظات أذرية أخرى. ومنذ 6 ديسمبر/كانون الأول عام 1994، تشارك الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا في رئاسة المجموعة. وعلى الرغم من احتلال أرمينيا للأراضي الأذرية، فإن العواصم الثلاث تريد الإبقاء على السيطرة الأرمنية على ناغورني قره باغ، وهو ما يعرضها لانتقادات من الجانب الأذري.                                                

كما تواجه مجموعة مينسك اتهامات بالانحياز إلى جانب إدارة أرمينيا في نزاعات كاراباخ، بسبب الضغوط التي تمارسها الأقليات الأرمينية في تلك البلدان.

في الختام لا بد من تدخل القوى الدولية الكبرى بشكل فعال لإيجاد حل شامل ونهائي لهذا الصراع، وإلا فإنه من الممكن أن تتجدد هذه الحرب مرةً أخرى وتحصد معها مزيداً من الخسائر في الأرواح.                                                                                 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني