fbpx

من الزعبي إلى مخلوف وأسماء

0 342

نشهد في الآونة الأخيرة الكثير من الأنباء
التي تتناول مستجدات الصراع داخل نظام الأسد بين قطبين مختلفين؛ غالباً؛ يمثل رامي
مخلوف أحدهما وأسماء الأخرس ثانيهما. حيث تعزز الأنباء والأخبار المسربة في وسائل
إعلامية محسوبة على النظام حول فساد أو تهرب شركات تجارية واستثمارية محسوبة على
أحدهما من هذه الفرضية، ما يدفع بعضهم للتعويل على هذا الصراع المفترض، وتعليق
الكثير من الآمال التي باتت تلامس حدود السماء. لذا وكي لا نغرق في أوهام جديدة،
أعتقد أننا بحاجة لمحاكمة هذه الأنباء والأخبار بهدوء وحذر كي نقارب أبعادها
الحقيقية، ونتنبأ بمآلاتها المستقبلية، استناداً إلى مجموعة من الحقائق الواضحة
والظاهرة والتي لن نختلف بشأنها حول طبيعة النظام وطبيعة المرحلة الراهنة.

لنبدأ من الاعتراف بصعوبة تحديد
الاصطفافات والتوازانات داخل النظام بمعزل عن هذه التسريبات المتلاحقة، مجهولة
المصدر، بسبب نجاح النظام في الحفاظ على سرية وغموض بناه الداخلية طوال سنوات
حكمه، من خلال تصفية أي شخصية قد تبوح بأسرار النظام وخفاياه، سواء كانت سورية أم
لبنانية أم من أي جنسية أخرى. كما نجد من مراقبة ممارسات النظام السوري على مدار
الأعوام التي حكم بها سورية، ثانوية الدور الإعلامي والقضائي في حل أو تأجيج أو
حسم أي صراع داخل مكوناته الرئيسية. إذ ينحصر دور المؤسسات القضائية والإعلامية
السورية والعربية المقربة من النظام في المرحلة التي تلي حسم الصراع، من أجل إعطاء
بعد قانوني يشرعن التصفية أو الاستبعاد الممارس أصلاً، لطمأنة القوى الدولية
والإقليمية، ومن أجل تلقين السوريين العبارات والتوصيفات التي يسمح النظام
بتداولها لتوصيف ما حدث، وتصويرها كمنجزات وطنية وقومية لا غنى عنها. وهو ما قامت
به المؤسسات القضائية والتشريعية والإعلامية بعد ترحيل رفعت الأسد، وتصفية محمود
الزعبي، وهروب أو تسهيل هروب عبد الحليم خدام، وغيرها من الوقائع التي كانت تعكس
خلافات وصراعات داخل أقطاب النظام نفسه ودائرته الضيقة في حينها.

فقد شهد النظام تاريخياً بروز خلافات
وتجاذبات وصراعات عديدة على مدار حكمه لسورية، صراعات تمت إدارتها بالخفاء،
وبمنتهى السرية لمدة غير معلومة من الزمن، وهو ما يتوافق مع طبيعة النظام المغلقة
والسرية التي تجعل من المستحيل على أي شخص التكهن مسبقاً بهوية الأقطاب المتصارعة
وبهوية الاصطفافات داخل النظام نفسه، كمجموعة مخلوف أو أسماء، بل كان ومازال من
الصعب معرفة مالكي الاستثمارات الضخمة والرئيسة المهيمنة على الساحة الداخلية،
لتبقى سرية وعصية على المعرفة، حتى يشاء النظام أو المالكون أنفسهم الإعلان عن
أحدهم فقط.

بالمقابل من شبه
المؤكد مستقبلاً تصاعد الصراعات داخل بنية النظام المغلقة والضيقة، بصورة دموية
فجة، بحكم التغيرات الحاصلة في توازنات القوى الحالية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً
وأمنياً. فإذا كان النظام وأقطابه في المرحلة السابقة للثورة يلجؤون إلى العنف
والتصفية والاستبعاد كوسيلة وحيدة لحل أو تأجيج صراعاتهم على الرغم من اتسام
المرحلة بالهدوء والاستقرار، فإنه من المستبعد اليوم أن تخوض تلك الأقطاب صراعاتها
إعلامياً وقضائياً في هذه المرحلة القائمة على فوضى السلاح والفلتان الأمني، والتي
شرّعت ظاهرة (الشبّيحة) ومنحتها بعداً قانونياً، بعدما كانت ظاهرة مستترة قبل
الثورة. وهو ما شكل ستاراً استفادت منه أقطاب النظام لتنمية وتطوير قدرات مليشياتهم
التشبيحية المختلفة كمياً ونوعياً، أي من حيث العدد والعدة، الأمر الذي جعل كلاً
منهم؛ أي أقطاب النظام الرئيسية؛ يستشعر قدرته على فرض إرادته الذاتية كأمر واقع،
أو على الأقل جعلهم يتوهمون ذلك.

لكن ونظراً لعدم حسم الصراع الدولي على
سورية حتى اللحظة بصورة نهائية وكاملة، يمكن استبعاد تنامي الصراع أو بالأصح
الصراعات الداخلية الآن، لأنها امتداد للصراع الدولي أو تعبير داخلي عنه، تعكس
طبيعته في كل مرحلة. لذا ولأن الصراع الدولي على سورية يمر اليوم بفترة من الهدوء الحذر
المتربص لأي متغير قادم للانقضاض على التوافقات ونهش الكعكة السورية كاملة أو شبه
كاملة، يمكن التكهن بهيمنة ذات الحالة بين أقطاب النظام المختلفة والمتخالفة حتى
تحين اللحظة الدولية المواتية لانقضاض بعضها على بعض بمنتهى الوحشية. فنحن اليوم
في خضم مرحلة تتسم بالغموض الحذر، الذي يدفع قوى وأقطاب النظام إلى الحذر والتوجس
مما هو قادم، ما يلجم تنامي الصراعات بينهم، وربما يحول دون انفجارها حالياً، على
أمل أن يمنحهم ذلك القدرة على القفز من المركب الغارق إلى المركب الناجي من
الصراع، وهي اللعبة التي اعتاد النظام بأقطابه المختلفة على ممارستها طويلاً
وكثيراً. إذ يدرك النظام بكامل أطيافه أنه لم يعد اللاعب الرئيسي داخل سورية، كما
يدرك بأن حصة النظام، أو ما تبقى منه، أقل بكثير من التي اعتاد عليها، لذا لن يجرؤ
أي من أقطاب النظام اليوم على فتح معركة مع قطب آخر قبل التيقن من مسار الصراع
الدولي ومن حدود تداخلاته وطبيعتها، كما لن يتمكن النظام من الحفاظ على ذات
تركيبته السابقة وبذات الحجم بعد تقليص حصته من الكعكة السورية كثيراً، مما يعزز
من فرضية تنامي الصراعات الدموية مستقبلاً.

أما بما يخص التسريبات الإعلامية الحالية،
فعلى الرغم من صعوبة تحديد مقاصدها وغاياتها الحقيقية، إلا أن تكرارها في الآونة
الأخيرة، وبالتحديد منذ اندلاع الثورة السورية بين الحين والآخر، كالحملة التي
استهدفت الدردري في بداية الثورة، وتبعها أيضاً حملة على رامي مخلوف، والعديد من
الحملات التي استهدفت رموزاً فاسدة من صلب النظام على مدار الأعوام التسعة
الماضية، يجعلنا نعتقد بـأن تسريبات اليوم تسعى كشبيهاتها الماضية إلى استيعاب
الغضب الشعبي، وضبطه من أجل إحكام سيطرة النظام على المجتمع الأهلي الخاضع لسيطرته
الأمنية والعسكرية، لا سيما في ظل تزايد الاحتقان والغضب الجماهيري، والضغوط
الحياتية على المواطنين، التي عبر عنها بعض المحسوبين على النظام من جوقته
الإعلامية والفنية والسياسية على مدار العام المنصرم. كما قد يكون للحملة مقاصد
أخرى سوف تتكفل الأيام والأشهر القادمة في الإفصاح عنها في حال وجودها.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني