fbpx

“لا عشاها بكفّي ولا غطاها بدفّي”

0 475

بينما كنت أجلس قرب مدفأة النار في ليلة غزيرة الأمطار وشديدة البرودة، استحضرت ذاكرتي بعض المواقف الشتوية القديمة عندما كنا نحتشد في بيت جدتي الدافئ، اعتدنا أن تحضّر لنا حساء العدس والسحلب الساخن وهي تغنّي “واجت المربعانية أح أح يا ربي قُصفة حَطب ما عندي”. كم استوحش دفء تلك الأيام! فيما برد “المربعانيّة” على حاله، ظلّ قارساً.
المربعانيّة..ألفت أذناي سماع كلمة “المربعانية” أو مثيلتها “الأربعينية” كثيراً، ولا سيما في الأمثال الشعبية الفلسطينية، وهي الفترة التي يشتد فيها البرد في فصل الشتاء، والنهار أقصر ما يكون فيها، تستمر لمدة أربعين يوماً ومن هنا جاءت التسمية، فهي تمتد من الثلث الأخير من شهر كانون الأول وتنتهي بانتهاء كانون الثاني، أي 40 يوماً في الكوانين، فيقال “بعد كانون الشتا بهون” وذلك تعبيراً عن شدة البرودة، وقال الأجداد في كانون أيضاً “إن إجا كانون لف الفحم والكانون” و”بكانون كِن ببيتك وكثر ملحتك وزيتك”، ومصطلح “الكنكنة” عادة ما يستخدم بين الفلسطينيين كناية عن الجلوس في البيت والدفء.
ترتفع في هذه الفترة فرص حدوث الصقيع والتجمد الذي يتسبب بإفساد المحاصيل الزراعية، وبلا شك، حدوث الزلق الذي لا يرحم أحداً.

بالمناسبة، لا تضحك على صديقك عندما ينزلق على الأرض بسبب الصقيع، فلابدّ أن دورك آتٍ يوماً ما لا محال.

أما بالنسبة للمحاصيل الزراعية التي تعتبر ركيزة الاقتصاد لدى الفلّاح الفلسطيني، قيلفي ذلك المربعانية يا بتربِّع يا بتقبِّع”، وذلك لأهمية الأمطار التي تهطل خلال فترة المربعانية لتهيء ربيعا ملائماً، “يا لوز يا مجنون بتزهر في كانون”، كناية عن أن موسم اللوز يأتي بعد المربعانية، فإذا تأخر المطر سارع المزارعون إلى “الاستسقاء”، فرزق العام كله يعتمد على كمية المطر “سيل الزيتون من سيل كانون”.
ارتبطت المربعانية في أذهان الكثيرين بالميل إلى الخمول وتناول الأكلات الشتوية مثل (الرشتاية، محشي اللفت، الخبيزة، السماقية، المفتول) وغيرها من الطبخات التي يلجأ إليها الفلسطينيون بحثاً عن الطاقة والدفء في فصل الشتاء، وبالتأكيد هنالك حصة دائمة للحلويات الدسمة ذات السعرات الحرارية العالية، “كالمطبق والعوامة والزلابية والتمرية”، ولا ننسى طبعاً شوي الكستناء والبطاطا الحلوة الذي يعتبر من الطقوس الشتوية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
وبهذا، يكون لفصل الشتاء و”المربعانية” خاصة، رصيد واف من الموروث الثقافي لدى الإنسان الفلسطيني، فترديده للأمثال والحكم والحكايا الشعبية حول الشتاء والمطر، والتي سمعها من أفواه أجداده وتناقلها أبا عن جد، تعزيز لهويته الفلسطينية وصد لسياسة اقتلاعه من أرضه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني