كورونا والحجر الصحي وأثرهما على الأطفال
كورونا، هذا الكائن الدقيق غير المرئي بالعين المجردة، استطاع فرض قوانينه على البشر، حيث اضطرت الحكومات إلى تنفيذ الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي بين البشر، إلى حين السيطرة على هذه الجائحة، التي تنتقل عبر رذاذ الفم، وملامسة الأسطح والأشياء، التي يوجد عليها الفيروس.
اضطرار الناس للجوء للحجر الصحي غيّر كثيراً من طباعهم، وكشف عن قدراتهم في التحمل، وتحديداً التكيّف مع الأماكن الضيقة “البيوت”.
إن مناقشة العلاقة بين الحجر الصحي الذي يتعرض له الأطفال نتيجة جائحة فيروس كورونا، وتحويل الطاقة الحركية للأطفال إلى أفعال إيجابية، تعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم، يحتاج بالضرورة إلى معرفة جيدة نسبياً بخصائص نفسية الطفل، وكذلك بأساليب تربوية تقوم على منهج علمي له تطبيقات ملموسة في هذه الحالات.
ولعل غياب الوعي التربوي في الأسرة في حالة الحجر الصحي، سيلعب دوراً سلبياً على نتائج تربية الطفل، وهذا أمر تريد هذه المقالة أن تناقشه، وتعمل على التحذير منه، فالأذى لن يكون على الطفل فحسب، بل سينتقل لاحقاً على المجتمع.
لذلك ينبغي مناقشة أثر الحجر الصحي على نفسية الأطفال، وهنا نستطيع القول إن الحجر الصحي عمل على تقليص مساحة لعب الأطفال، ما أدى إلى إحساسهم بعدم القدرة على التمتع برغباتهم الطفولية، بسبب بقاء طاقاتهم النفسية الحركية في حالة قمع بيتي، أو ضيق مطبق، وبالتالي امتاز نشاطهم بالاحتكاك الواسع مع باقي أفراد الأسرة، ما يجعل من هذا الاحتكاك باباً لسلوك تربوي، قد يكون سلبياً لدى الأهل نتيجة قلة الوعي، ونتيجة الخوف على الأطفال، من أن يصابوا بعدوى فيروس جائحة كورونا، حيث لا يدرك الأطفال خطر هذه الجائحة، ولا يفهمون أسبابها، أو التركيز على مخاطرها عليهم.
إن انتشار وباء كورونا كان يزداد عبر متوالية هندسية، وليس عبر متوالية حسابية، ولذلك كان لابدّ من حماية الأطفال، الذين يشكلون مدخلاً كبيراً لنقل الفيروس، إن استمروا باللعب خارج البيت، أو عبر تجمعاتهم.
إن حجر الأطفال بسبب الوباء أخرجهم عن سياقهم الطبيعي في المدرسة والحديقة والشارع، ووضعهم في مساحة محدودة هي البيت، ما خلق نوعاً من الطبق النفسي لدى الأطفال، الذي يتصرف وفق حاجاته المطلوبة من اللعب والحركة.
حجر الأطفال أظهر لديهم ميولاً لمواقف سلبية، تكون ضرورة لتفريغ طاقتهم، وهذا الأمر يتطلب من الأهل (الأب والأم والأخوة الأكبر) سياسة صحيحة ضمن الأسرة، ويتطلب جهداً واعياً بتوزيع الطاقة النفسية بروح إيجابية، ويتمّ هذا من خلال الألعاب الذكية أو الإنتاجية كالتعليم عن بعد، أو لعب الشطرنج، أو تعلّم اللغة الأجنبية، والتدرب على أعمال ابداعية.
من الخطوات الأولى التي تتبعها الأسرة أولاً شرح أسباب بقاء أفراد الأسرة في البيت، وهذا يتمّ عن طريق سرد قصة، أو مشاهدة مقاطع فيديو لطيفة، أو الجلوس لفترات طويلة مع الأطفال، والاستماع لهم أكثر من الحالات العادية التي سبقت حالة وباء كورونا.
إن إشغال الأطفال في حالة الحجر الصحي بمهام بيتية، مثل تزيين غرفهم، أو ترتيب سفرة الطعام، أو المساهمة بتغيير ترتيب أثاث البيت، وتعزيل غرف نومهم، وتدوير الملابس القديمة، سيلعب دوراً في خلق حياة اجتماعية متوافقة مع حالة الحجر ومبددة لضيقه.
إن اللجوء إلى إشغال الأطفال بممارسة الرسم والأشغال اليدوية الجميلة، وتدريب الأطفال على الاستماع للحكايات الصوتية، وتنمية القراءة لديهم سيساهم بالضرورة بتفريغ إيجابي لطاقاتهم الحيوية.
إن اتاحة الفرصة للطفل للعب في حديقة البيت أو في شرفاته يعزّز لديهم الإحساس بأنهم يستطيعون استجلاب السعادة بطريقة أخرى دون إهمال التنبيهات عليهم بضرورة أن يغسلوا أيديهم بالماء والصابون والمعقمات.
كذلك يمكن مساعدة الأطفال في الحجر الصحي على ممارسة التعلّم عبر طريقة التعليم عن بعد، وهذا يمنع عنهم الانقطاع عن متابعة دروسهم مع جهات التعليم، أو مع أصدقائهم.
لكن أخطر ما في الحجر الصحي هو إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بالأطفال، من خلال تعنيفهم، أو اتباع نظام أوامر شديدة معهم، فمثل هذا السلوك سيكون له آثار نفسية لاحقاً، وبذلك سيتحول الحجر الصحي في هذه الحالة إلى كابوس كبير.
إن الأم وهي المربية الأساسية في الأسرة، تتلقى هي الأخرى ضغوطاً نفسية، إذا لم يكن هناك سياق طبيعي للتعامل الاجتماعي التضامني بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا يتطلب تضافر مؤسسات تعمل على توعية الأسرة، حيث تقوم بتقديم الدعم لها، من خلال برامج واستشارات وإن كانت عن بعد.
إذاً نستطيع القول إن جائحة كورونا وأثرها على الأطفال يتطلب وعياً أسرياً وتضامناً بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يخفف من الأثر النفسي لهذه الجائحة، ويتطلب دعماً مستمراً من منظمات حماية الأسرة والطفولة، ومن مؤسسات الدولة المعنية بهذا الجانب.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”