fbpx

كورونا والاحتباس الحراري.. الطبيعة تنتقم منّا

0 388

“الاحتباس الحراري” يُقصد به ارتفاع حرارة الهواء الموجود في الطبقة الدنيا القريبة من سطح الأرض بحيث يتجاوز معدلاته الطبيعية التي تشهدها عادةً فصول السنة بحسب توزّع المناطق المناخية في العالم.

برزت الظاهرة خلال هذا القرن والقرن الذي سبقه نتيجة تعرّض الأرض لاحتباس الحرارة التي تتلقاها من الشمس بعد تخطيها لحاجز الغلاف الجوّي، دون إمكانية تغيير تلك الحرارة أو التخلّص منها، ما يؤدي لارتفاع درجة حرارة الهواء المحيط بالأرض تدريجياً معرضاً غلافها الحيوي، من إنسان وحيوان ونبات، لأخطار مختلفة.

ولن ندخل في شرح آلية امتصاص الحرارة المنبعثة من الشمس وتعديل درجتها من قبل غلاف الجو لتصبح أكثر دفئاً لتناسب حياة الكائنات. فما يهمّنا هنا تسليط الضوء على أسباب استمرار ذلك الدفء، واحتباسه الذي يسبب خللاً في دورة الطبيعة، وعلاقة جائحة كورونا بهذه الظاهرة.

في الواقع الاحتباس ليس وليد اليوم، وإنما تم التنبّه له ومتابعة تأثيراته بدءاً من أواخر القرن الماضي وصولاً إلى وقتنا هذا.

فالتغيّرات المناخية حصلت عبر مختلف الأزمنة وخلال العصور الجيولوجيّة المشكلة للأرض بصورة طبيعية، لكنها بدأت بالزيادة جراء أنشطة البشر التي زادت وتيرتها بعد انطلاق الثورة الصناعيّة في أوروبا.

خلال القرن الماضي لوحظ ظهور ارتفاع معدّل درجة الحرارة السطحيّة العالميّة من 0.3 ليصل إلى 0.6 درجة مئوية، وهي تمثّل أكبر زيادة في درجة حرارة سطح الأرض خلال الألف عام الماضية، وما يخيف المختصين اليوم يتمثّل في تسجيل زيادة أكبر على درجات الحرارة خلال هذا القرن. إذ إنّ متوسط درجة الحرارة في الوقت الحالي يبلغ 15 مئوية، ويتوقع العلماء زيادتها من 2-4 درجات بحلول عام 2100.

ما أسلفناه لا يعني أنّ جميع مناطق العالم ستصبح أكثر دفئاً، فالاحتباس الحراري لا يدل على ارتفاع درجة الحرارة بنفس المقدار في كل مناطق الأرض، بل على ارتفاعٍ عام في متوسط درجة الحرارة.

بعد شرحنا ظاهرة الاحتباس الحراري، من الطبيعي جداً أن يتساءل القارئ مستغرباً عن علاقته بفايروس (كورونا) الذي تباينت أسباب ظهوره ومصادره عند كلّ من علماء الطب والبيولوجيا ومراكز البحوث ووسائل الإعلام المختلفة، بل وعند المليارات من البشر!

المشتبه الأول بنشر الفايروس كان طائر الخفاش، ثم اتسعت قائمة المتّهمين لتشمل غالبية الكائنات الحية الغريبة التي يتناولها الصينيون في مدينة (ووهان) صاحبة أولى حالات الإصابة بكورونا في العالم.

وبعد إعلان تفشيها المفاجئ والسريع في معظم دول العالم توجهت الأنظار نحو مراكز المختبرات البيولوجية واتهامها بإطلاق الفايروس المستجد بعد إجرائها تعديلات وراثية على فايروس (سارس/covid2) الذي ظهر قبل نحو 18 عاماً من الآن.

إلا أن نسبة الاتهام الأعظم – وكما هي العادة – جاءت من نصيب “نظرية المؤامرة” التي نبرع بها، والتي باستطاعتنا أن نبني عليها مختلف التكهنات والفرضيات والطروحات والتحليلات، وباستطاعة أي شخص منا المشاركة في اكتشاف خططها المعقّدة وإحباطها، بصرف النظر عن مستواه التعليمي أو الثقافي أو حتى العقلي.

وما يميّز نظرية المؤامرة عندنا في الحقيقة يتمثّل أولاً في قدرتها الخارقة على استهداف ما نشاء من حكومات أو دول أو أقاليم أو كيانات أو جماعات أو تنظيمات. وثانياً في بساطتها؛ إذ لا تستهلك من وقتنا “الثمين” أحياناً سوى ثوانٍ أو دقائق معدودة من التأمّل، ولا يهمنا هنا عمق التأمّل ولو كان موجّهاً صوب مزهرية أو علبة سردين؛ ومن المحبّب وجود سيجارة في المشهد التأملي.

عذراً، كدنا أن ننسى الإجابة عن التساؤل حول علاقة الاحتباس الحراري بالكورونا!

في الحقيقة لا دخل للاحتباس الحراري بمصادر ومسبّبات فايروس كورونا ولا بأعراضه ولا بالكائنات التي نقلته. وهو بعيد كل البعد عن دائرة الاتهامات وعن خطط نظرية المؤامرة التي حبكناها وحللنا ألغازها وأحبطناها خلال أسابيع الحجر الصحي ولحظات التأمّل.

بل وعلى العكس تماماً، فالاحتباس الحراري وما يشكّله من ارتفاع في حرارة الجو، سينعكس سلباً على الفايروس الذي لا يتحمّل درجات الحرارة المرتفعة نسبياً، فيما لو استمر ظهوره إلى منتصف شهر أيار/مايو المقبل حين تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع تدريجياً استعداداً للصيف.

لذلك سأكرر طرح السؤال ولكن بصيغة تختلف قليلاً عمّا سبق: ما الدور الذي لعبه فايروس كورونا في ظاهرة الاحتباس الحراري؟!

في العام (2008) ظهر فيلم أمريكي حمل عنوان (The Happening). تدور أحداث الفيلم حول انتشار ظاهرة انتحار جماعي مفاجئ، ظهرت بدايةً في إحدى حدائق المدن الأمريكية الكبرى وهي تكتظ بمئات الزائرين في وسط النهار، وخلال دقائق أخذت الظاهرة بالاتساع لتشمل كامل المدينة.

وبعيداً عن تفاصيل الفيلم ومشاهد الرعب المختلفة التي رافقت حالات الانتحار، لم يلاحظ وجود أي سبب يدعو الناس لقتل أنفسهم. وبعد مضي وقت طويل من العرض يكتشف أستاذ جامعي السرّ عبر مراقبته لحركة الهواء ليتبين أن الأشجار المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة تفرز غازاً سامّاً يدفع الناس لقتل أنفسهم بمجرد استنشاقهم له.

ما يهمنا من الفيلم يكمن في الفرضية التي عبّر عنها الأستاذ بالقول “إن الطبيعة تنتقم لنفسها من البشر”، ويفسّر فعل الطبيعة بأنه نتيجةٌ حتمية فرضها التلوّث البشري الذي يصيب أغلفة الأرض جراء أبخرة المصانع ووسائط النقل والنفايات الصناعية والكيميائية المختلفة، وتقليص المساحات الخضراء التي تسهم بصورة رئيسة في إمداد الكوكب بالأوكسجين وتساعد في توازن حرارته.

كل ما سبق ساهم في نشوء ظاهرة الاحتباس الحراري في الجو، وتلوث المياه والتربة على الأرض. ويبيّن الفيلم كيف أن الأشجار تمكنت من تطوير ذاتها بإعادة تدوير السموم التي تمتصها من المحيط الملوث لتنشرها مجدداً في الهواء فتفتك بكل من تصادفه من البشر دون بقية الكائنات.

وبعيداً عن الإعلام المختصّ بتغطية إحصاءات أعداد مرضى كورونا اليومية وحالات الوفاة وتوزّع النسب بين دول العالم، منذ تفشي الوباء حتى اليوم.

لم يأبه العالم بالأخبار الصغيرة التي تتحدث عن تراجع ملحوظ في درجات حرارة الأرض مقارنة بالأعوام السابقة، مثال ذلك ما أورده موقع (DW) الإخباري الألماني منتصف آذار/مارس الماضي حين أشار إلى أن الصين التي كانت تشكّل قبل جائحة كورونا أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة، تشهد مؤخراً انخفاضاً يصل إلى الربع من هذه الانبعاثات.

أما الـ (BBC) فتعلّق في خبر نشرته في الخامس من نيسان/أبريل الجاري، بالقول “إن جودة الهواء في 337 مدينة حول العالم قد ارتفعت بنسبة 11.4 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي” معتمدة على صور التقطتها أقمار صناعية، مضيفة بأن نسبة انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الجو تراجعت في مناطق واسعة تغطي القارة الأوروبية.

هذا التغيير التاريخي والمفيد لكرتنا الأرضية لم يكن ليحصل بهذه السرعة وهذا الحجم لولا تهديد فايروس كورونا للبشر دوناً عن بقية الكائنات الأخرى!

وفي السياق ذاته، تابع غالبية متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي بدهشةٍ صوراً ومقاطعَ الحيوانات البريّة وهي تغزو شوارع وأزقّة وحدائق العديد من مدن العالم بعد أن فرغت من حركة البشر وضجيج مركباتهم وهوائهم الملوّث. وأجزم بأننا لو نفهم لغة تلك المخلوقات لسمعناها تقول: “آن لكم أيها البشر أن تعانوا ما عانيناه بسببكم، وها أنتم اليوم تدفعون جزءاً من الثمن”.

كل ذلك حصل خلال شهرين تقريباً من إجراءات الحجر والحظر، فهل باستطاعتنا – مثلاً – تخيّل مدى سعادة الكوكب لو استمر تعطيل الانبعاثات الناتجة عن المصانع ومختلف آلات النقل حتى نهاية العام؟ نقول “مثلاً”!

على أية حال، ندرك جلياً سذاجة ما طرحناه وبلاهته، فالدول وشعوبها بدأت بالعودة تدريجياً إلى سابق عهدها.

 وأغلب الظن بأن فايروس كورونا لن يكون الدرس الوحيد لنتعلّم، والطبيعة ستعود لتنتقم مجدداً، وبصورة أقسى وأمرّ.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني