لا تكاد بقعة جغرافية من سوريا تخلو من شواهد على حضارات قامت على هذه الأرض، فهي أرض تمتاز بموقع تاريخي، ولدت في جنباتها حضارات كبرى، ولعل الآثار الباقية حتى يومنا، دليل على هذه الحضارات المختلفة التي تشير إلى غنى معماري وقدرات اقتصادية.
قلعة صلخد هي إحدى هذه الآثار، حيث تقع القلعة قرب مدينة صلخد جنوبي العاصمة دمشق، على بعد يقدّر بـ 35 كم.
بُنيت القلعة على تلٍ مرتفع عن جواره، فهي في هذا الموقع تشرف على سهول حوران وتطل على جبل العرب، حيث يبلغ ارتفاع التل البازلتي الذي بنيت عليه 1450 متراً عن سطح البحر.
ترتبط قلعة صلخد بشبكة أبراج مراقبة واستطلاع، وتتميّز بقاعات وممرات ودهاليز وسراديب وأنفاق، وقد بُنيت على ثلاث طبقات يحيط بها سوران بشكل شبه دائري.
جدران قلعة صلخد تمّ تصفيحها بصخور بازلتية منحوتة، حماية لها من العوامل الطبيعية، كذلك تمّ تسوير القلعة بخندق عرضه 15 متراً.
تاريخ قلعة صلخد يشير إلى أن الأنباط دخلوا جوارها بعد معارك طاحنة مع اليونانيين، حيث انتصروا عليهم في موقعة تسمى موقعة (موثو)، وذلك في العام 88 ق.م.
بعد انتصار العرب الأنباط واستقرارهم في المنطقة، عملوا على بناء معابد لآلهتهم، ومن هذه الأبنية بنوا حصناً على هضاب صلخد الصخرية البازلتية، ثم تحوّل الحصن إلى قلعة في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (1036-1094).
لم تتوقف حركة التاريخ عند زمن المستنصر في هذه المنطقة والقلعة، حيث تعاقبت أقوام كثيرة على حكمها من سلاجقة وعرب ومماليك، إلى أن دخلها العثمانيون عام 1517م بعد دخولهم لبلاد الشام.
قدم الباحث الألماني (ميشيل ماينكه) إلى قلعة صلخد عام 1982م، وعمل على دراسة بناء القلعة وآثارها الإسلامية، ثم نشر أبحاثه عنها. لكن مديرية الآثار السورية أرسلت أكثر من بعثة إلى المنطقة في أكثر من وقت. حيث قامت بعثة آثار سورية بالتنقيب داخل القلعة ما بين عامي 1990 و1992م. واستطاعت هذه البعثة أن تكشف عن طبقات البناء المملوكية والأيوبية والبيزنطية والرومانية والنبطية.
استطاعت البعثات التي قامت بالتنقيب أن تعثر على أوان فخارية وزجاجية وخرز ملون ونقود برونزية، وهي تعود إلى عهود مختلفة. ثم قامت البعثات بالتنقيب ما بين عامي 2003 و2005م، ضمن مقبرة عائلية تمّ اكتشافها على السفح الغربي للقلعة، تضمنت مواضع للدفن وشواهد حجرية نُقش عليها أسماء المتوفين باللغة اليونانية واللغة النبطية، كذاك عُثر في المكان على لقى فخارية وزجاجية وبرونزية.
القلعة تتكون من مسجد وأبراج قيادة ومراقبة، وفيها أيضاً مهاجع لإقامة الحامية، وكذلك يوجد فيها مستودعات للمؤن ومستلزمات القتال وصالات للطعام وأفران وخزانات وآبار لخزن الماء واستخدامها أثناء الحصار، وإسطبلات للخيول.
يمكن القول إن قلعة صلخد لعبت دوراً تاريخياً في صدّ هجمات المعتدين على سوريا في مختلف العهود، بما فيها مرحلة الحملات الصليبية، ولها أيضاً موقع استراتيجي يؤمن الحماية لدمشق من الجنوب ولبصرى من الشرق.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”