(1)
اعتدتُ على ملامح الدهشة في وجوه الأطبّاء وهم يضعون سمّاعاتهم على صدري كلّما كنتُ في زيارة أحدهم..
أراقب الطبيب وهو يحرّكها على صدري وينصت..
أراه وهو يرفعها. يهزّها في الهواء قليلاً. أو ينقر بإصبعه على الغشاء الذي يغلّفها، ثمّ يعيدها إلى مكانها..
أراه وهو يفرك أذنيه وقد ساوره الشكّ في أنّهما مسدودتان..
وفي كلّ مرّة يقول:
– هنالك أمر غريب!!..
في كلّ مرّة أسأله:
– أهي مشكلة خطيرة؟..
فيجيبني:
– لا أدري!!. الفحص السريريّ لا يكفي. نحتاج إلى صور بالأشعّة. مبدئيّاً. وقد نطلب إجراء بعض التحاليل المخبريّة. وإن لم نفهم الحالة فهنالك إجراءات أخرى. نتحدّث عن هذا في حينه. المهمّ أنّ الأمر جدّيّ، ولا ينبغي التهاون فيه..
أقاطعه:
– حسناً. شكراً لك. سأفكّر في هذا..
وأنهض عن السرير، وأغادر..
لقد اكتفيت..
يتكّرر هذا دائماً. مرّةً كلّ ستّة أشهر في الأقلّ..
قلبي الذي لا يسمع الطبيب نبضاته. لا يتحرّك. قلب أخرس. كما لو أنّه غير موجود أصلاً..
بقي أن أعترف بأنّني لا أزور الطبيب للعلاج. أفعل ذلك لأطمئنّ على سلامة قلبي. فقط. لأتأكّد من أنّه ما زال بخير.. لا ينبض. لا يتحرّك. أخرس.. كما لو أنّه غير موجود..
(2)
قبل أسبوع فوجئنا بنصب تذكاريّ جديد في وسط الحديقة المجاورة لبيتي..
استهجنّا الأمر في البداية. لكنّ الدقّة التي نفّذ فيها النصب أدهشتنا حقيقةً. شيء خارق..
واستوقفتنا خصوصاً المادّة التي صنع منها..
– أهي نوع من المطّاط؟..
تساءلنا..
وكنّا نضغط بأيدينا على الأجساد لنتأكّد.. وكانت الدهشة تعلو وجوهنا عندما نشعر وكأنّنا نضغط على لحم حيّ..
الصحف كتبت عن الموضوع:
• نصب يمثّل خمسين جثّة لضحايا الحرب الأخيرة..
• تقنيّات غير مسبوقة في النحت..
• لم يفتتح رسمياً.. لكنّ نصب الخمسين ضحيّة يشهد إقبالاً منقطع النظير..
والتقطت آلاف الصور التذكاريّة أمامه..
اليوم فقط، قبل ساعة من الآن تحديداً، أعلنوا أنّه لم يكن نصباً تذكاريّاً.. الجثث كانت حقيقيّة.. والسلطات تعتذر عمّا حدث..