fbpx

قراءة في رواية “طيور الهوليداي إن”

0 337

الكاتب: ربيع جابر

إصدار: دار التنوير

ط1، ورقية 2011م

ربيع جابر كاتب لبناني متميز، قرأنا له أغلب إنتاجه الروائي، يغوص عميقاً في الواقع اللبناني، قديماً وحديثاً، يكاد يكون – مع غيره – سجلاً تاريخياً وأدبياً للبنان.

تتحدث رواية “طيور الهوليداي إن” عن بداية الحرب الأهلية اللبنانية، في عامي 75 و76. وهي مرحلة غطّاها كثير من الروائيين في عبر الفترة السابقة. ومع ذلك نحن أمام رواية تأريخ إنساني اجتماعي بامتياز. مسار الأحداث في بيروت الشرقية (منطقة المسيحيين)، في منطقة تماس وصدام، في بناء يتألف من سبع طبقات، شكله الخارجي مستدير واسمه المبرومة. البناء قريب من فندق الـ “هوليداي إن”. الرواية تدور حول حياة سكان البناية؛ عائلات وأفراد وعبر الزمن وارتباطهم بالحدث الحياتي المباشر (الحرب الأهلية). الرواية متعبة بملاحقة التفاصيل الحياتية لكل سكان البناية. كل شؤونهم الحياتية والنفسية، تطوراتها وانعكاس الحرب عليهم. بعضهم مهجّر هرباً من مناطق الاشتباك، بعضهم صار مع المقاتلين وقدم ضحايا (شهداء)!، وبعضهم انخرط بالعمل المسلح مقاتلاً، منهم المخطوف، والمصاب، ولديهم مخطوفين من الطرف الآخر (بيروت الغربية – مسلمين) أيضاً. كثير منهم تهجّر إلى مناطق أخرى أقل عنفاً. تتعايش مع القتل، مع وجود الجثث حولك، مع الأمر الواقع؛ الدمار والحصار والنهب، انخراط الكل في غرائزية حيوانية، القتل المتبادل، وكأنها هي الحياة. للحب موقع هناك وللأمل، والتعاضد، والوحشية. لكل ذلك وجود. لم يسأل أحد لماذا يحصل ما يحصل، وكأنه من حقائق الحياة، خلفية الحدث لبنان وطوائفه ورموزه السياسية، يتراشقون بالبشر وحياتهم كما يتراشقون بالرصاص. تتواصل، تتفاوض، والفلسطيني حاضر. الكل صنّف الكل بشكل مطلق (عدو أو صديق). السلاح لغة الحوار الوحيدة، يتدخل الخارج (القوى الدولية والإقليمية) يعدل الميزان، ينتصر لطرف، تندحر القوى الوطنية والفدائيين، مسك الختام مجزرة تل الزعتر. في الرواية تطغى حياة الناس العادية، بحث عن لقمة عيش، وعيش كل فرد في كونه الذاتي داخل الحرب ومقاتلاً فيها، وممارسة كل أشكال الحياة. الطالب والصحفي والطبيب الهارب وناطورة البناية ودكتور التاريخ، الشاب المتعيّش بالحرب، الأم التي تبحث عن ابنتها المفقودة وتفقد عقلها، والشاب يخطف وينتقم لأخيه المخطوف، الهارب للغرب مع حبيبته باحثاً عن حياة تليق بالإنسان. كلها أكوان تصادفها، تختلف وتتفق معها، تندد وتتعاطف وتكتشف انها حياتك كانت قبل أربعين عاماً وتعيشها اليوم في سورية عندما قرر النظام المستبد أن يقتل ويشرد الشعب ويدمر البلد.
تعايشت مع الرواية. أغلق الصفحات أتابع الحياة، بعد أربعين عاماً هنا والآن في بلدي تتكرر المأساة وعلى مساحة الوطن سورية. هنا والآن ما زلنا جزءاً من لعبة أكبر، وقودها دماؤنا ووجودنا كله.
في الرواية وفي الحياة الآن؛ هناك تأقلم وإصرار على استمرار الحياة. في الرواية انتهى فصل ودخل لبنان في فلك التبعية للنظام السوري الذي نعرف الى أين وصل به.
في حياتنا ما زالت الحالة تتحرك، نظام يريدنا عبيداً وبلادنا مزرعة، وراءه من وراءه. وشعب خرج للحرية ولن يعود ما قبل تحقيقها.
بعد أربعين عاماً سيأتي من يكتب عن هذه الثورة؛ على أنها انتصار الإنسان في هذا المكان وللأبد.

اسطنبول 17/5/2013

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني