fbpx

فيلم كوني طويل

0 365

إلى غيفونت مراديان[i]

مازلت، حتى الآن، أفكر، وأسألني: ترى، أي مصطلح يليق بتوصيف انشغال، ومعاناة، وتفكك، وتواشج العالم كله، إزاء الفايروس التاجي الذي أنتج مرضه المسمى “كوفيد19″، إذ بدلت مصطلحات، وعناوين كثيرة، إلى أن قلت في نفسي:

لقد وجدتها!!

إنه” الفيلم الكوني الطويل” الذي جعلنا، بمختلف درجات مخاوفنا مما يتم، مجرد ممثلين في فيلم طويل، وما إن تنته أدوارنا حتى نكون بين النظارة. كل من بيته، مراعين مطلب “التباعد الاجتماعي” الذي نشرته ثقافة الفايروس التاجي، وبات كلنا يتبناها. ينهل منها، ليتقيها، أو يرضخ لها، من دون أن يتخلص منها، أو يرفضها، وهو ما نكاد نتفق عليه. كل منا بلغته، ومن خلال حجرته في البيت الكوني الكبير، لولا اختلافنا في أمر واحد:

من هو هذا المؤلف العظيم؟ ماصفاته؟ ماثقافته؟

لم أنتج هذا المخلوق الذي ابتلينا به، وبات يهدم الكثير من قيمنا، إذ يكاد ألا يرافق أحد موتاه، موكلين ذلك إلى مكاتب الدفن. لا أحد يستطيع مرافقة مرضاه، أو العيش معهم، ليقدم لهم الدواء، والمساندة. المستشفيات ذاتها ضاقت بمرضى هذا الوباء، وبات القائمون على أقسام الإسعاف فيها يقولون لنا إن طلبنا منهم إسعاف أحد من حولنا:

ليبق مريضكم في البيت، ويقاتل وحده على جبهة كورونا، آخذاً بنصائحنا التي لا نلبث نبثها وننشرها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وما من أحد يجهلها.

المآتم تأجلت

الأعياد الدينية

الأعياد القومية

أعياد الجلوس غدت افتراضية

الأعراس تأجلت

وإن كنا نجد حفلات زفاف لا أحد يشارك فيها إلا العروسين، بل إن كلاً منهما يخشى الآخر

دور العبادة خاوية

الشوارع خاوية وكأننا في مدن الأشباح

ثمة رعب عظيم في هذا الفيلم، إذ إنك تتصور وأنت في سريرك أن كائنات من سلالات كورونا تنام معك. إن تستيقظ فإنه يخيل إليك أن كائناته بين ثيابك، على يديك، في فمك، في عينيك، في خياشيمك، في حلقك، في صدرك، في دمك، على الطاولة، على شاشة الهاتف، على كيبورد الكمبيوتر، في الممر، وراء الباب، وراء النافذة، في السيارة، في الماركت، في العمل، في المدرسة، في الهواء.

الفيلم المرعب في ذروته، وثمة من يرتعش وهو يتابع لقطاته، مشاهده، فصوله، بل ثمة من أيس من الحياة، إلى جانب من يذكي في روحه الأمل. كل هذا يحدث – حقاً – لأول مرة، إذ إن البشرية منذ آدم، وحتى الآن، لم تتفق على أمر ما، كما اتفقت اليوم. إذاً، نحن أمام نصر عظيم، نصر الاتفاق. حواء وآدم اختلفا في موقفيها من – التفاحة – فرميا كل منهما في طرف من العالم، أحد ولديهما قتل الآخر، القتل لايزال متواصلاً منذئذ، الخلاف البشري لما يزل قائماً، اختلفوا في أسئلة الوجود، في أسئلة الغيب، اختلفوا في الرسل، الأنبياء، الكتب، الله، أجل، حتى الله، اختلفوا فيه، وثمة اتفاق وحيد يتم الآن، في الخوف من أحد مخلوقات هذا الخالق، وإن سنختلف على اسم هذا الخالق، لا الخلق ذاته.

أي جبروت يمتلكه كويئن ميكروسوبي. بل كويئن غير مرئي، حتى نهابه، بهذا الشكل، المهول، المفزع، ولو أن كويئن سنة 2020 طلب من البشر اتباع طريق ما للنجاة، لأطاعه كثيرون منا. المهم أن يتخلصوا منه، أن يداروه، إذ لطالما حاول الإنسان القديم الخوف من كلا اثنين: الوحش المعلوم بل والإله المجهول برغم آياته. الآلهة المجهولة في أخيلته، وراح يبتكر رسومه، ومراسمه، كي يتجنب أي أذى يلحقه، من لدن هذين المجهولين؟؟!

هل هو، إذاً، فيلم كوني طويل نتابعه؟

قد يسأل أحدنا على هذا النحو؟ ولن يكون الجواب بأن نسأله: هل أنت هو نفسك قبل كورونا وبعد كورونا؟ بل هل العالم هو ذاته قبل هذه الجائحة وبعدها؟ ألم تعد الدول الكبرى خائفة على اقتصاداتها من هذا الكويئن لاسيما بعد أن لم يستطع بعض هذه الدول الاستنفار الكامل في مواجهته، بل إن بعضها الآخر قد بدأ يعود إلى الخطة “ب” أو “…..” والحرب لما تزل مشتعلة، والفيروس بين كر وفر:

تطرده الصين من الأبواب، وترميه خارج سورها العظيم. تغلق النوافذ، الحدود دونه، تعقم نفسها، تتخلص من الأطعمة التي قيل إنها السبب، إلا أنه – وبلا خجل – وبلا حياء، يعود تارة أخرى، وهكذا بالنسبة إلى دول كثيرة، وكأنه فيروس جد ذكي لايزال يسعى لفرض هيبته على العالم كله، بعد أن هزم قادة، وملوكاً، ورؤساء، وسلاطين، وأمراء، ورؤساء، ووزراء، ورؤساء حكومات، ونجوم رياضة وسينما، بل وكتاباً، وصحفيين، وحتى أطباء عظماء. أجل. حتى كبار الأطباء.

لنقف هنا ونتابع الخط البياني – البارومتري – للحرب الكورونية العظمى!

—————————————–

* طبيب إيطالي شهير من أصل أرمني سوري” من قامشلي” من ضحايا كورونا.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني