في نقد رؤية الدكتور عبد الله تركماني لقضية إعادة التأهيل والإصلاح
الجزء الثاني
الرؤية عرضها خلال مشاركته الكريمة في الندوة التي أقامتها أمارجي – لجان الديمقراطية السورية، بتاريخ 13 تشرين الثاني 2021، تحت عنوان النظام السوري، وإشكالية التأهيل والتغيير.[1]
…لا يمكن تأهيل النظام!.
الحكي عن إمكانية تأهيل النظام، الذي ينتشر في هذه الفترة، خاصة بعد زيارة عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، وتصريحات وزير خارجية الجزائر. أعتقد، كما يقول المثل: “يللي يَجرب المجرب، عقله مخرب”!.
طوال سنوات، منذ 2000، وقعت محطات عديدة لإمكانية التأهيل والإصلاح، وفتح أفق جديد لسوريا، والشعب السوري، ولكن، عملياً، بنية هذا النظام، لا تقبل، حتى الإصلاح التدرجي!
بمعنى، انه إعادة التأهيل غير ممكنة، بحسب اعتقادي. انتهى توضيح الدكتور.
يبدو واضحاً في هذه المداخلة الربط بين مشروعي إعادة التأهيل والإصلاح، ووضعهما في سياق صيرورة واحدة!. فهل هو واقع الحال؟، هل أهداف الإصلاح وقواه، وسياقه التاريخي هي نفسها اهداف إعادة التأهيل وقواه وسياقه، وهل عدم إمكانية الإصلاح، تمنع إمكانية التأهيل؟.
إذا كانت دلائل عدم إمكانية إصلاح النظام، بعواملها الذاتية والخارجية، غير قابلة للدحض، ولا يمكن إنكارها، أو تجاهل منطقها، كما يعتقد الدكتور، فهل يتوافق مع وقائع الصراع وحقائقه ربط صيرورتها مع صيرورة إعادة التأهيل، والوصول إلى الاستنتاج بعدم إمكانية إعادة التأهيل، بدليل استحالة الإصلاح ؛ في تجاهل واضح لأحداث واقعية، تدلل على إطلاق صيرورة إعادة التأهيل في المرحلة الثالثة من الخَيار العسكري، في أعقاب التدخل العسكري المباشر لجيوش الولايات المتحدة وروسيا، 2014-2015، واستمرارها حتى الآن؟.
بخلاف رؤية الدكتور، التي تجادل بتساوق خطوات وإجراءات التأهيل والإصلاح، أعتقد أن إعادة التأهيل والإصلاح هما صيرورتان متناقضتان، في الأهداف والقوى والسياق، وبالتالي عدم توفر ظروف الإصلاح يعني، عمليا، توفر شروط إعادة التأهيل!.
هل هو استنتاج غير موضوعي؟.
إذا كانت الخطوة الاولى، الأساسية، في صيرورة إعادة التأهيل هي استعادة سيطرة الحكومة على الأرض المتمردة التي خضعت لسيطرة سلطات أذرع الثورة المضادة، الميليشياوية، وقوى فصائل المعارضة المسلحة خلال المرحلة الثانية من الخَيارالعسكري، فقد أطلقت هذه الصيرورة جهوداً مشتركة، أمريكية روسية، تكاملت عبر جهد حربي وسياسي منسق، سعى لتحقيق حزمة من الأهداف، تصب في مجرى إعادة التأهيل: تحييد داعش، إنهاء الوجود المسلح لفصائل المعارضة، وإعادة سيطرة سلطة النظام على مناطق سوريا المفيدة، وتحجيم أوراق القوة التركية؛ الدولة الإقليمية الوحيدة التي تعارضت مصالحها مع جهود الولايات المتحدة وروسيا لإعادة السيطرة الحكومية، خارج إطار حل سياسي شامل، يلبي شروطها، خاصة حل قضية اللاجئين والمنطقة الآمنة وتفكيك سلطة قسد!.
في حين تكفلت الولايات المتحدة بمهمة تحييد داعش باستخدام تحالف دولي واسع، شكلت رأس حربته السورية قسد وبعض الفصائل الثورية، أخذت روسيا على عاتقها مهمة إخضاع الوجود المسلح لفصائل ومجموعات المعارضة المسلحة، بالاعتماد على الميليشيات الإيرانية وفائض قوة سلاحها الجوي، وما نتج عنه من تغيير في موازين قوى الصراع، شكل أهم عوامل نجاحه تحديد الولايات المتحدة الصارم لسقف سلاح الميليشيات! هذا أولاً.
من جهة ثانية، بما يتناقض مع أهداف وقوى وسياق صيرورة إعادة التأهيل، سعت تاريخيا جهود إصلاح النظام إلى مأسسته، وشارك فيها نضال السوريين التاريخي، وقدمت في طريقها خيرة النخب السياسية والثقافية المعارضة تضحيات، طيلة سنوات، وفي صيرورة مستمرة، شكل حراك 2011، أهم محطاتها!.
علاوة على ذلك، في حين تتقاطع جهود الإصلاح، مع أهداف نضال السوريين التاريخي ومع ما دعت إليه وثائق النخب السياسية المعارضة خلال 2011، وتتوافق خطوات وإجراءات تحقيقه مع تطلعات السوريين بحدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، يسعى العاملون على تحقيق خطوات وإجراءات إعادة التأهيل والتطبيع في سياق صيرورة التسوية السياسية إلى تثبيت وقائع حروب الخَيار العسكري بما يتناقض مع مصالح السوريين المشتركة، ويمنع حصول انتقال سياسي، ويفشل مقومات الدولة السورية الوطنية الموحدة!.
في هذه المرحلة من التحليل، ومن أجل إزالة الأوهام التي يساهم الوعي السياسي النخبوي المعارض في ترويجها، دعونا نتساءل: هل تتوفر في هذه المرحلة، مرحلة التسوية السياسية الأمريكية (في ظل طبيعة السلطة الراهنة، وواقع تفتت معارضتها وارتهان قواها لقوى التسوية)، إمكانية توافق أهداف مشروعي الإصلاح، وإعادة التأهيل، عبر مسار حل سياسي شامل، أو حتى في إطار تسوية سياسية، تعمل واشنطن على توفير شروطها، وإجراءات تحقيقها؟
يقول منطق صراع المصالح والسياسات بوجود شبه استحالة، طالما لم يطرأ تغير فعال على موازين القوى القائمة، التي رسمت المشهد السياسي والعسكري الراهن؛ سواء فيما يتعلق بحالة انعدام الثقل السياسي لقوى وجمهور التغيير الديمقراطي للشعب السوري، (يحولها إلى لاعب رئيسي، يفرض قطع مسار إعادة التأهيل وينقل سوريا، شعباً ومؤسسات، إلى مسار الإصلاح، وعبر مدخل الانتقال السياسي)، أو على صعيد سياسات ومصالح الدول الصانعة لصيرورة الحرب؛ خاصة، على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية – قائدة النظام العالمي، وصاحبة أكبر مشروع إقليمي – يحول سياساتها، من عدو لأهداف وقوى المشروع الديمقراطي، إلى موقع الحياد، في أفضل الأحوال!.
على أية حال، لا يمكن تجاهل أهمية تقديم قراءة موضوعية لطبيعة المرحلة الراهنة التي تشكلها التسوية السياسية، والتي لا تخرج عن سياق الخَيار العسكري، المستمر بمراحلها المتتالية منذ ربيع 2011.[2]
من نافل القول إن إنتاج وعي سياسي موضوعي مطابق لحقائق الواقع، قد يشكل رأياً عاماً سورياً وطنياً، يوحد مواقف السوريين السياسية، ويحولهم إلى عامل مؤثر في دفع جهود التسوية السياسية بما يتوافق مع مصالحهم المشتركة!.
الدكتور عبد الله تركماني، باحث في مركز حرمون، دكتوراه في التاريخ المعاصر، باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية.
أعتقد أننا نجد في طرح الدكتور عبد الله تركماني المثال الأكثر وضوحاً عن وعي سياسي نخبوي يرى بوجود علاقة غير قابلة للفصل بين إعادة التأهيل والإصلاح، ليصل إلى الاستنتاج القائل بعدم إمكانية إعادة التأهيل؛ وهو ما يؤدي بتقديري، بغض النظر عن النوايا، إلى تغييب طبيعة مرحلة التسوية السياسية، الساعية قواها وقيادتها الأمريكية لتأمين شروط إعادة تأهيل متزامن لجميع سلطات الأمر الواقع، وفي مقدمتها النظام السوري، الذي يتميز بسيطرته الجغرافية، وشرعيته الدولية. صيرورة التأهيل في منطق مصالح وسياسات الولايات المتحدة وقوى الخَيار العسكري تأتي في سياق التسوية السياسية التي تحافظ على السلطة القائمة، وتتناقض في الخطوات والسياق مع صيرورة الإصلاح التي لا تحصل إلا في سياق حل سياسي، يبدأ بخطوة الانتقال السياسي، ويفتح صيرورة الإصلاح في ظل سلطة انتقالية.
[2]– التي باتت خلال 2023 أمريكية بامتياز، بعد ما أصاب المواقف الروسية من ضعف، في أعقاب هزائم غزو أوكرانيا!.
المسار الرئيسي الذي تعمل الولايات المتحدة على تحقيق أهدافه، وخطوات تحقيقها، يقوم على مبدأ اعتراف متبادل بين سلطات الأمر الواقع الجديدة، وبينها، من جهة، وبين سلطة النظام السوري، من جهة ثانية، بما يفتح أبواب وطرق التسوية سوريا على إجراءات شرعنة وتأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع الجديدة، في سياق إعادة تأهيل سلطة النظام السوري، وفي إطار صيرورة تسوية إقليمية شاملة، تعمل على تطبيع العلاقات بين أنظمة المنطقة من جهة، وبينها وبين سلطات النظامين الإيراني والسوري، من جهة ثانية!.
إذ تحقق خطوات وإجراءات ومآلات التسوية على الصعيدين السوري والإقليمي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وشريكها الإيراني، من الطبيعي أن تواجه تحديات مصالح ورؤى أنظمة سوريا وتركيا وروسيا وإسرائيل!.
بينما تعمل سياسات واشنطن على شرعنة وجود واستمرار حصتها على مناطق الإدارة الذاتية تحت حكم سلطة قسد، وواجهتها السياسية مسد، وعلى استمرار مواقع السيطرة الإيرانية في مناطق حكم النظام السوري، وداخل جيوب ‘الإدارة الذاتية، فمن الطبيعي أن تتعارض مع مصالح تركيا،( التي تنافس النظام الايراني على السيطرة السورية والإقليمية، وتجد في وجود كانتون قسد، وشرعنته، تهديدات للأمن القومي التركي)، كما ومصالح روسيا والنظام ؛اللذين يسعيان إلى فرض سيطرتهما على كامل الجغرافيا السورية، في إطار تفاهمات سياسية مع سلطات الأمر الواقع، ومع الولايات المتحدة والنظام التركي.
بناء على إدراكنا لطبيعة المرحلة الراهنة من التسوية السياسية الامريكية، التي تأتي في سياق المراحل المتعاقبة للخَيار الامني العسكري، المستمر بشكل متصاعد منذ اللحظات الاولى لخروج السوريين الى ساحات الاحتجاج في ربيع 2011، ندرك واقعية ما يحصل من إجراءات وخطوات لتأهيل سلطة النظام السوري محليا والتطبيع معه إقليميا ودوليا ؛ ولا يقطع هذا المسار والصيرورة بالطبع ما تستخدمه الولايات المتحدة من ضغوط لدفع سلطة النظام إلى الدخول في مفاوضات تسوية مع سلطات الامر الواقع ؛ خاصة قسد، رغم ما يُشكله شرعنة وجودها من تناقض مع مسار حل سياسي، وتكرسه من عوامل تفشيل الدولة السورية!.