fbpx

في مواجهة خطاب الكراهية

0 211

في مواجهة خطاب الكراهية، يعني في مواجهة مرض إجتماعي ذو ميول ومشاعر حادة ومتطرفة تأبى أن ترى الضحية مشابهاً لها في الحقوق من خلال فرزها لحالة من الرفض الشديد تجاه ضحاياها ووصمها بكل الصفات والنعوت السيئة وهي لا ترى أن لتلك الجماعة حقاً في التساوي معها والعيش بسلام وأمان،على أن الأسوأ من كل ذلك في خطاب الكراهية هو التحريض على إيقاع الأذى بالآخر ،بل والقيام بتوجهات وطروحات مسيئة تجاه الضحية المستهدف مما يؤسس لبناء حواجز

أمام الآخرين في الحرية والمساواة والعيش المشترك،وصولاً الى العمل بأقصى جهدها

على إبعاد الجماعة المستهدفة من الحياة العامة ، وبما أنه يمثل إعلان حرب على قيم التسامح والعيش المشترك فستكون نتيجته هو تحصن كل طرف وكل فئة وكل قوم وراء أفكار من الغلو والتطرف وعدم قبول أي منهما برأي الآخر، ناهيك عن المسبب،وهو ما يهدف اليه هذا الخطاب .إن من يعمل على خطاب الكراهية لا يرضخ لأي قانون ولا يقبل بوضع أية حدود لحقوقه مقابل عدم اعترافه وعدم احترامه لأية مساحة لحقوق الآخرين ،ثم أنه لايعترف بواجباته تجاه الآخر .إن خطورة خطاب الكراهية تتعاظم عندما يتم عسكرته وإستخدامه من فئة تملك أسباب ومقومات القوة (كالسلطة والسلاح)ضد فئة ضعيفة. يقوم القوي بفرض إرادته على الضعيف بالقوة،وحين يفشل في فرض إحترامه عليه يزيد تعطشه اكثر الى هذا الخطاب ولجوءه إلى إلحاق الضرر بضحيته بشكل عنيف.

إن هذا الخطاب ينشأ في بيئة من الفوضى والتسيب وغياب القانون، وكذلك غياب الحلول للمشاكل،بل ورفض ايجاد الحلول لها اضافة الى التراكمات التي خلفتها وتخلفها سلوكيات الأنظمة الدكتاتورية نتيجة بثها للدعايات الكاذبة عبر إعلام مضلل وكاذب ، وهو ينتعش أكثر فأكثر في بيئات ودول التوجهات القومية العنصرية، وخاصة تلك التي يتواجد فيها أثنيات وطوائف مختلفة وغياب الديمقراطية،حيث ان الكراهية تمثل جوهر سياسات وقيم الأنظمة الدكتاتورية والعنصرية وهي أداتها الرئيسية لتفتيت قوى المجتمع وتمزيقه للحفاظ على الحكم .علينا إدراك ان حقوق فئة معينة من الشعب لن تكون على حساب حقوق فئة أخرى ولا تضعفه ولا تقلل من شأنه بل تزيده منعة وصلابة وقوة .وعلينا الإعتراف أن خطاب الكراهية في معظم الأحيان هو من فعل الطرف السائد وربما يأتي برد فعل من الطرف الاخر.

وقد سهلت مهمة خطاب الكراهية ووسائله في ظل توفر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة في ظل توفير الفرص لاصحابها في الكتابة باسماء مستعارة .والحقيقة ان خطاب الكراهية ورفض الآخر بالنسبة للأشخاص والأحزاب والحكومات هو تهرب من استحقاقات النضال الوطني العام والتي تحتاجها أية دولة وأي نظام لبلوغ الوحدة الوطنية وترسيخ دعائم قوة الدولة الوطنية .يبلغ خطاب الكراهية مستويات متقدمة حين يدب اليأس والإحباط في نفوس الناس وتفشل النخب السياسية والثقافية والاجتماعية في طرح خطاب مطمئن ومخفف لهواجس وآلام الذين انتظروا منها خطاباً عقلانياً ووطنياً.

والوضع الكردي خير تعبير عن مانحن بصدده فالانظمة الشوفينية المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا والتي غاب التفكير لديها في معالجة المسألة الكردية،إنحدرت الى العمل على المؤامرات والدسائس ضد الحركة الكردية ،وهذه النظرة الشوفينية إلى المسألة جعلتها بحاجة الى هكذا خطاب، بل جعلت حاجتها إلى وجود أصحاب هذا الخطاب من الطرف الكردي ليكون شريكاً له في هذا المجال يبرر تطرفه وغلوه وكراهيته للكرد، فحاربت بكل وسائلها المخابراتية كل الافكار والتوجهات الواقعية والعقلانية ،بالاضافة الى ممارستها للظلم والقمع .

ومن ناحية اخرى فقد حاولت الانظمة سد جميع الابواب امام خطاب عقلاني من الطرفين من خلال بثه للدعايات الكاذبة والمغرضة واتهام الكرد بالانفصالية وهذا ما أدى إلى ارهاب فكري على الطرف العربي وتخويفه من التقرب من الكرد وكذلك غلق الابواب امام امكانيات التقاء الكرد مع الوسط العربي وشرح حقيقة مطالبهم في سوريا. وهذا ما أوصد الأبواب امام البحث عن حلول تخفف من وطأة هذا الخطاب .وحين نقول لا بديل عن الحوار والقبول بالآخر.ولا بديل عن وطن يتسع الجميع ،فإننا نحتاج إلى الخروج من دائرة المجاملات إلى الصدق والصراحة والمسؤولية الوطنية والإقرار بأن اضطهاد مجموعة عرقية في البلد هو اضطهاد لكل البلد ولكل أبناءه وأن هذا الإضطهاد هو على حساب إقتصاد البلد وعلى حساب حرية شعبه وخنق للديمقراطية والتي بدونها لا يمكن بناء إنسان سوي وناجح وبلد يحمي كرامته. وأخيراً لا يمكننا الا ان نتسلح بوعي وثقافة قادرة على استخلاص دواء الكراهية من داءها، فبإنهاء البيئات التي تغذيها تظهر بيئات فناءها ويأخذ الخطاب مجراه الصحيح.

ولكم فائق الاحترام والتقدير

مساهمة  د.صلاح درويش في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية”, التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وتمّ نشرها في صحيفة نينار برس بالاتفاق مع  د.صلاح درويش.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني