fbpx

في ضرورة إدانة خطاب الكراهية

0 256

تصبح الكراهية، وهي عاطفة فردية
طبيعية، خطرة حين تحول الظروف السياسية والاجتماعية دون التعبير عن الرأي بطريقة
سلمية، كما في واقع الاستبداد، فتتحول إلى ظاهرة شبه عامة وتمثل تهديداً حقيقياً
على السلم الاجتماعي. ومثل أي ظاهرة مكبوتة، تأخذ الكراهية أبعاداً أكبر وتتمدد
ويصعب حصرها عند انهيار منظومة القمع والتسلط، وتترافق بالعنف، وذلك تبعاً لدرجة
الاحتقان الاجتماعي.

تعمل الكراهية، كشعور وعاطفة سلبية،
على تأجيج الضغينة وسكب السم في الحياة من أنيابٍ لا مرئية، وحين تتشبث بتلابيب
حاملها فإنها تعمي بصيرته، وتجنده، من حيث يدري أو لا يدري، ليعيد إنتاجها، فهي
مثل طفيلي يتغذى على المشاعر السلبية وينتشر كجائحة، تبدو الجوائح المرضية
بالمقارنة معها مجرد مصائب عابرة.

الكراهية، كحالة فردية، تبقى الأقل
خطراً، وهي حالة طبيعية وغير ضارة دوماً، مثلما يحدث عندما تكون موجهة ضد الظلم
ومن أجل إحقاق الحق وكموقف من بعض أمور الحياة، أو كخيار شخصي لا يعني غير صاحبه،
وتتوجه، في هذه الحالة، إلى أي موضوع، أكان إنساناً أو حيواناً أو مجرد شيء من
الأشياء، لكن المهم في كل الأحوال هو ألا يتم التعبير عنها باستخدام الوسائل
العنفية، فلا تكون مؤذية للآخرين.

وحين تصبح الكراهية الفردية خطراً
على المحيطين أو الذات وتتحول إلى عصاب مرضي وتقوم بإخضاع ملكات العقل والتفكير
العليا والسيطرة عليها، فإنه يمكن معالجتها بالوسائل الاجتماعية والنفسية. في هذه
الحالة، تكون الكراهية موقفاً عدائياً من الحياة ذاتها، وما إن ينتفي موضوعها حتى
تتوجه إلى موضوع جديد، إنها تلك الطاقة العدوانية التي لابد وأن تجد لها منفذاً،
وعصاب يعود بالشخص إلى مرحلة عدم اكتمال الوعي، كطفل يحلم باختفاء كل من يعترض
رغباته الملحة.

أما الكراهية، كظاهرة اجتماعية، فهي
موضوعنا في هذه العجالة، وتنشأ كردة فعل على المظالم في ظل سلطات قهرية مستبدة،
اجتماعية أو سياسية، ولكنها تتحول، حين تتعمم، إلى ظاهرة لذاتها وبذاتها، فتعيد
تغذية العنف وإنتاجه بأشكالٍ شتى، في دارة كاملة، فلا نعود نعرف نقطة البداية فيها
ولا النهاية. يحدث ذلك حين تترافق الكراهية مع الصراعات العنيفة، فتحييها كلما
خمدت، ولذا نجدها أينما وجدت الحروب، وبخاصة الأهلية منها. وقد تكون الكراهية خطرة
للغاية إن تحولت إلى موقف عنصري تجاه جماعة بشرية محددة، كما فعلت النازية في
محاولة إبادتها لجماعات عرقية معينة، أو كما تفعل الجماعات الإرهابية في الوقت
الحاضر. لكن نار الكراهية لا بد وأن تحرق حواملها أيضاً، عاجلاً أم آجلاً.

تحتاج الصراعات العنيفة، وبخاصة
الحروب الأهلية، التي لا تخضع لمعايير الصراعات وقوانينها، إلى الكراهية كوقود
لاستمرارها، ويمكن أن ترتدي الكراهية مختلف أشكال العصبيات، فتارة هي عصبية طائفية
وتارة قومية وتارة عرقية وغير ذلك. لا صراع من دون كراهية، فهي التي تسوغ للفرد أو
الجماعة ارتكاب ممارسات عنفية منسقة تهدف إلى تدمير العدو، وفي الصراعات المديدة،
تحلق الكراهية كسحابة شؤم تستمر طويلاً. وكما تتكثف الثقافة الاجتماعية في أذهان
النخب، كذلك الكراهية، فالنخب هي الأقدر على إعادة إنتاج الكراهية وتعميمها كسلاح
لا يقل فتكاً عن باقي صنوف الأسلحة.

في واقعنا السوري المأسوي، وحين
تحولت الثورة إلى حرب متعددة الأطراف ومتداخلة الأهداف، ولسنا هنا في مجال الخوض
في الأسباب التي أصبحت معروفة، انتشرت الكراهية على مستوى النخب على نحو خاص،
وحملها دعاة أشرار ليؤججوا بها الصراعات الدامية، وصار لكل فريق خطاب الكراهية
الخاص به، الخطاب الذي يرتدي حلة مذهبية أو مناطقية أو قومية، تبعاً لتحولات
الصراع، ولم يكن السلاح المادي بأخطر على السوريين وأمضى من خطاب الكراهية هذا.
وبعد أن جرب السوريون خطاب الكراهية واكتووا بناره، آن الأوان لرفضه وإدانته، كأحد
السبل للخروج من النفق المظلم، وهو ما تحتاجه ثقافة الحياة في سورية المستقبل من
أجل تسريع عملية الانتقال من أجواء الحرب إلى ربوع السلام.

ومثل كل عاطفة، تستدعي الكراهية
نقيضها – المحبة – عاجلاً أم آجلاً، لتعيد التوازن إلى الحياة البشرية، فيحلّ
السلام محل الحرب، ولو إلى حين. وهنا يبرز دور النخب الحاملة للقيم الوطنية
والأخلاقية والإنسانية لتقوم بمهمة نشر القيم البديلة المتوافقة مع ثقافة حقوق
الإنسان، ومنها الدعوة لتطبيق العدالة والمحاكمة وليس الانتقام، وإدانة خطاب
الكراهية وتحريمه ومساءلة القائمين عليه، والعمل على الانتقال إلى نظام اجتماعي
وسياسي يكون بوسعه تأمين الضمانات القانونية والحقوقية بحيث لا يستبد فيه أحد.

بالنتيجة،
الكراهية عاطفة متأصلة عند الإنسان، لكن المطلوب هو وضعها في الإطار الفردي
الطبيعي، والحيلولة دون استغلالها وتحولها إلى تيار جارف بسبب تراكم المظالم ومنع
حرية التعبير، وهنا تكون الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة هي الإطار الأفضل
لمعالجة المشاكل والصراعات الاجتماعية وترقية انتماءاتها، ومن خلال تحقيق العدالة
وتكافؤ الفرص وتجفيف منابع الكراهية. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني