fbpx

فلسفة الكراهية والحب

0 213

كما هو الحب، فان الكراهية عبارة عن مشاعر إنسانية متأصلة في النفس البشرية، حين يحب احدنا الاخر ينجذب محوره وتفكيره ومشاعره لتدور في فلك الاخر، وكذلك الكراهية تنقل تفكير ومحور ومشاعر الكاره الى الطرف الاخر.

وفي الحالتين يفقد المرء جوهره ومركزيته وادراكه لذاته، فيقال أنه “وقع” في الحب. فالتوازن في المشاعر يحفظ للمرء تفكيره وعقله واتزانه وشخصيته، ويمنعه من ان يقع في الحب المطلق او الكره المطلق . المشاعر الإنسانية يمكن التحكم بها والحد من ضررها لتصبح مشاعر لا تناحرية ولا تؤدي الى صدامات تضر الآخر.

الفرق بين الحب والكره ان الحب إيجابي لمن هم حولنا والكره مدمر وسلبي ومؤذي لهم. من حق كل انسان اعتناق الآراء التي يراها مناسبة ومعبرة عن شخصيته ونفسيته دون مضايقة احد، وكذلك من حقه حرية التعبير عن تلك الآراء، لكن تلك الحقوق مترابطة بشكل عضوي مع واجبات تقيدها وتؤطرها، ومن اهم تلك الواجبات هي :

احترام حقوق الاخرين وحماية النظام العام. فحين تبدا حرية الاخر تنتهي حريتك والانتماء الى مجتمع يعني التخلي عن الحقوق المطلقة وتقييد الحريات الفردية لصالح المجتمع، ورسم حدود للرغبات والغرائز.

سورية وخطاب الكراهية

على مدى عقود استخدمت السلطة الشمولية خطاب الكراهية ضمن سياستها الماكيافيلية “فرق تسد”، واستخدمت الإشكاليات والخلافات السيسيولوجية المتراكمة في المجتمع من عصور الاستبداد، وضخمتها بدلا من ان تحاربها وتقيدها .وكما ذكرت مداخلتكم : السلطة الحاكمة في دمشق استثمرت ولا تزال تستثمر في الكراهية والحقد والكيد والانتقام.

ومع بدء الثورة السورية صعدت السلطة السياسية عبر اعلامها وتغلغلها الاقتصادي والأمني في المجتمع، بث الكراهية نحو الاخر المختلف، وقامت بتطويرها وتحويلها من سياسات القتل والاعتقال والتعذيب الى سياسة تناحرية وطورتها الى تدمير مدن كاملة وترحيل سكانها، وزراعة حقد طبقي طائفي مذهبي مناطقي قومي ومنفعي . ونمت الكراهية للآخر المختلف بوصفه بالإرهاب والأعداء وعدم الوطنية ، وشجعت على الكراهية العمياء المضادة من الطرف الاخر ضد الحاكم ورموز الدولة والدعوة الى العنف المضاد، فارتفع خطاب الكراهية في سوريا ارتفاعا لم تشهده من قبل.

مع انتهاء الازمة فان المجتمع السوري مقدم اليوم على مرحلة جديدة في تاريخه، وهي مرحلة البناء والانتقال من النظام السلطوي العائلي الى النظام الديموقراطي والحكم الرشيد، بما يعنيه ذلك من انخراط الجمهور في العملية السياسية وسيادة القانون ومسائلة ومحاسبة المسؤولين والشفافية، ومايترتب على ذلك من انتهاء مرحلة ظلامية من الاستبداد، واستخدام الكراهية كأداة أساسية في الصراع السياسي.الأمر الذي يتطلب فهم ارث الكراهية الذي زرعه النظام كمرض يجب القضاء عليه والشفاء منه.

كيف يمكن أن نعمل معاً، لحل هذه المسألة، المفتاحية ) خطاب الكراهية )؟

أسس الانطلاق في العمل هو الاعتراف بالمرض وتشخيصه وفهم اعراضه ومن ثم معالجته، والوقاية دائما اهم من العلاج لذلك يجب .

• أن تضمن الحقوق الأساسية للفرد في المجتمع، كالديمقراطية والقضاء النزيه والبرلمانات المنتخبة، ودعم احداث نظم ديمقراطية أحزاب ومؤسسات تحترم حقوق الإنسان، مثل حقه في الراي والتعبير والحرية والكرامة.

• التصدي للإرث الفكري والرواسب الاجتماعية التي تحض على الكراهية. وفهم لخطاب الكراهية وتأثيره على المجتمعات ورصده ومحاربته.

• تشجيع إقامة الندوات الفكرية والتركيز على أسباب واضرار الكراهية. وإعداد برامج اجتماعية تعالج حوافز خطاب الكراهية وأسبابه الجذريّة.

• زرع ثقافة الاختلاف وتسويق ثقافة التسامح واحترام الآخر.

• تطوير المناهج الدراسية واختيار المعلمين المرنيين المتقبلين للآخر.

• تطوير الفكر الديني واعادة قراءة التراث الحضاري، وتحجيم الفكر المتطرف ونشر الفكر الوسطي المعتدل.

• سن قوانين تجرم كل من يؤجج نار الكراهية مع تفعيل العقوبات الرادعة.

• تدريب الإعلاميين والسياسيين والشخصيات العامة على التعامل مع خطاب الكراهية.

العمل يبدا من الاسرة ، ومن ثم المدرسة والجامعة ومنظمات المجتمع المدني والمراكز الدينية والأحزاب والتجمعات وعبر وسائل الاعلام والانترنت .

وسنركزهنا على دور الاعلام في نبذ الكراهية، لنترك المجالات الأخرى كالأسرة والمدرسة والجامعة والمراكز الدينية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والفنون لدراسات أخرى.

أهمية الاعلام في نبذ ظاهرة الكراهية :

الاعلام احدى الأدوات الهامة في إيصال المعلومات وتثقيف المجتمع وتنويره الى جانب أجهزة الدولة ومؤسساتها، فالإعلام هو البوتقة التي تنصهر ضمنها جميع القوانين والاحكام والعلاقات الانسانية، مهمة الاعلام تتلخص في النقاط التالية :

• الحد من خطاب الكراهية والتركيز على أهمية التعايش السلمي وقبول الاخر، وبـث الخطـاب المعتـدل، الـذي يركـز عـلى القيـم السـلوكية والروحيـة وأهمية الحوار كنوع من الصراع اللا تناحري.

• تعزيز قيم التسامح والوسطية والتعايش دون اعتبار للعرق والدين والقومية، وتنمية القيم النبيلة والتحلي بالأخلاق الفاضلة والمثل الإنسانية، وخلق توزان بين العواطف الايجابية والسلبية.

• تنمية الانتماء التاريخي والجغرافي عبر احياء الذاكرة الحضارية السورية المشتركة والمتنوعة عبر التاريخ.

• الحض على تحقيق التكافل الاجتماعي بين جميع مكونات المجتمع السوري وبيان أهميته في بناء المجتمع والوطن.

• تمحيص الاخبار والتعاطي مع الاشاعات والالغام الالكترونية التي تحض على الكراهية .

• مراقبة انتشار فكر الكره للآخر واقصائه وتهميشه، فيما اذا كان موجها كسلاح. ووضع معايير وضوابط للنشر.

• بيان ان الكراهية هي بذور للإرهاب وسلاح المتعصبين للعنصرية القومية أوالدينية أو الاثنية.

• معالجة سلبيات الاعلام وهي :

– تخصــص العديــد مــن الصحــف صفحــات كاملــة لتغطيــة أحــداث العنــف والجرميـة والانحـراف والشـذوذ.

– الترويج للفكــر المتطــرف والنموذج السيئ للسلوك.

– بث مشـاهد العنـف بـن المشاجرات، والمقالب، والمعارك، والتعذيـب.

– إعادة نقل وتدوير خطاب الكراهية وترويج الفوضى والاحقاد واستخدام القدح والذم.

– سياسة القص واللصق وعدم حصول الاعلامي على المعلومات من مصادرها الأساسية.

• تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ضرورة الاستفادة من اعلام السلطة الخامسة

مع ظهور الاعلام الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تحول كل مالك لجهاز هاتف الى مراسل وناقل للخبر، ومصدر موثوق للمعلومة، وتحول اتجاه الاعلام من الراسي الهابط الى الافقي الصاعد، وأصبحت اللامركزية هي التي تحكمه، وغاب دور الرقيب والوسيط، واصبح الخير ينتقل من المرسل الى المتلقي بسرعة لحظية، وأصبحت الرسائل تخاطب مجموعات منسجمة او افراد قريبين في نمط التفكير والاهتمامات، وبات التأثير يقاس بالتأثر والتفاعل وليس بعدد الجمهور او القراء.

لذلك فهناك حاجة ملحة لضبط السلطة الخامسة وهي سلطة الاعلام الشعبي(التويتر – الفيسبوك – الانستغرام – الواتس اب …الخ ) التي تعمل بعيدا عن الرقابة، و بعيدا عن المصالح والاجندات والهياكل التنظيمية والأحزاب السياسية.

وهذا الضبط يكون عبر تطبيق “مدونة السلوك ” التي شاركت غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك وتويتر في اعدادها، والتي تم عبرها إخضاع الاعلام بما فيه وسائل التواصل الاجتماعي الى “معايير المجتمع” (community standard)

فمن سلبيات الانفلات الإعلامي لتلك الوسائل ان التعرض لجرعات معينة من الاخبار التي تبث الكراهية يمكن ان يغير آرائنا، وفق نظرية جوبلز الإعلامية ( اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الاخرون)،

او يمكن ان يقلل من حساسيتنا او مقاومتنا الفكرية، ويعزز الآراء المسبقة لدينا خاصة في مواضيع لها حساسيتها كالصراعات السياسية وخلافات الأقليات العرقية والدينية، والآراء الداعية الى تكريس التعصب وبث الكراهية.

خاتمة :

هناك مجموعة من التوصيات التي علينا العمل عليها خلال الفترة القادمة

• الاستفادة من قوة الاعلام والتأثير الشعبي عبر مختصين، وابعاد الدخلاء غير المهنيين عن العمل الإعلامي.

• تسويق أفكار الاعتدال والمسامحة وتقبل الاخر.

• وضع الية تشاورية مهنية ونزيهة لتجديد الخطاب الديني والاجتماعي والثقافي والفكري والتعليمي.

• توحيد الرؤيا والاستراتيجية، وامتلاك اهداف وطرق استراتيجية فعالة ومدروسة .

• تطوير الفكر المجتمعي بإقامة الدورات وتنمية المهارات والانتقال من التنظير الفكري الاكاديمي والدارسات النظرية الى التطبيق العملي، فلدينا في دولنا العربية آلاف البحوث والدراسات والرؤى والمقترحات، ولكنها تبقى حبيسة الكتب وارفف المكتبات.

مساهمة مازن رفاعي  في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية”, التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وتمّ نشرها في صحيفة نينار برس بالاتفاق مع الأستاذ مازن رفاعي.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني