fbpx

فشل الدولة السورية وفشل الثورة السورية

0 291

تعتبر الثورة السورية من أبرز الأحداث في تاريخ القرن الحادي والعشرين، إذ بدأت كتجمع سلمي يهدف إلى تحقيق الحرية والديمقراطية. ومع ذلك، لم تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها.

في تحليلنا للوضع السياسي في سوريا، يظهر بوضوح أن نقص الخبرة السياسية وإدارة الدولة لدى السياسيين السوريين كان عاملاً مهماً في فشل الثورة وتعثر بناء الدولة. يعود هذا النقص إلى عدة عوامل تاريخية وسياسية.

التاريخ الاستعماري والاستبدادي:

في السابع من آذار 1920، انعقد أول برلمان سوري، وأعلن استقلال سوريا تحت اسم المملكة السورية العربية، بحدودها الطبيعية بما يشمل لبنان، وفلسطين، والأردن، ولواء اسكندرون، والأقاليم السورية الشمالية، بعد قرون من التبعية والاستعمار. يُعتبر هذا الحدث محطة هامة في تاريخ سوريا الحديث. بانتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وتفكك الإمبراطورية العثمانية، بدأت الدول المنتصرة، بريطانيا العظمى وفرنسا، في تقسيم الإمبراطورية العثمانية وكانت سوريا من بينها، حيث بدأ الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1920. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، وانتقل النفوذ إليها بشكل كبير مع تضاؤل النفوذ البريطاني والفرنسي، ما أدى إلى استقلال سوريا في عام 1946.

عدم التجربة الديمقراطية:

تشير الدراسات التاريخية إلى أن سوريا لم تكن تمتلك تجربة طويلة في الحكم الذاتي والإدارة. لم تكن لدى سوريا تجربة طويلة في الحكم الذاتي والإدارة السياسية بسبب تاريخها الطويل كإقليم تحت سيطرة الإمبراطوريات العثمانية ومن ثم الاستعمار الفرنسي. كانت الحكومات المحلية محدودة في صلاحياتها وتخضع للتدخلات الخارجية، ما أثر سلباً على تطور القدرات السياسية والإدارية لدى السياسيين السوريين بعد استقلالها في عام 1946 من الاستعمار الفرنسي المباشر، وعلى الرغم من انحسار الاستعمار المباشر استمرت هذه الدول في منع تشكيل دولة رشيدة في سوريا، بل عملت على تقويض الاستقرار والأمن عبر حكام يستمدون شرعيتهم من الخارج وليس من الشعب، إضافة لذلك لم يكن للنخب السورية السياسية الوطنية الكفاءة المعرفية ولا حتى القوى الموجودة قادرين على الدفاع عن المصالح الوطنية في تلك الفترة، التي امتدت حتى انقلاب البعث في 8 اذار 1963 ، ولم تتجاوز 22 سنة، وهي غير كافية لإرساء أسس الدولة.

الانقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية:

من المفارقات التراجيدية ان ولادة الدولة السورية في 8 آذار 1920 وإعلان وفاتها في 8 آذار 1963.

إذ شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية، بدءاً من الانقلاب الذي جرى في 8 آذار 1963، الذي قادته مجموعة من الضباط العسكريين، منهم حافظ الأسد، وأدى هذا الانقلاب إلى تأسيس نظام حزب البعث الذي استمر في السيطرة على السلطة.

دور حافظ الأسد والتخريب السياسي:

إذا كان هناك أمور يمكن القول بها بثقة بناءً على التحليلات السياسية والتاريخية، فإن دور حافظ الأسد ونجله بشار الأسد في تشكيل مسار سوريا. على مر العقود، كانت سياسات النظام السوري تتميز بالقمع والفساد والتسلط، مما أسفر عن تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد.

حافظ الأسد، الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري، ثم أزاح منافسيه بوسائل دموية في عام 1970، كان الشخص المؤهل لاستلام السلطة بنظر القوى الخارجية لتمتعه بالدموية والنرجسية، وحماية مصالحها. حيث قاد جهودًا لتعزيز سلطته وسيطرته على مفاصل الحكم، مما ترتب عليه ترسيخ نظام حزب البعث الواحد. كما عمل على تصحير السياسة في المجتمع السوري، وزج كل معارضة في المعتقلات، وتحويل مؤسسات المجتمع المدني إلى رديف لحزب البعث والمخابرات، “باختصار عمل على فساد وإفساد المجتمع السوري”، وتوجيه الدولة ومؤسساتها لخدمة مصالحه ومصالح نظامه.

الاستنتاج:

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن نقص الخبرة السياسية في إدارة الدولة وتحديد المصالح الخارجية كانا عاملين مهمين في فشل بناء دولة قوية ومستقرة وآمنة تمثل مصالح الشعب عمومًا، بالإضافة إلى فشل الثورة السورية في تحقيق أهدافها. اليوم، الفائدة الكبرى التي يمكن أن نستفيدها من الثمن الذي دفعناه هي أن نراجع هذه التجربة ونتعلم منها. وإذا فشلت محاولاتنا في بناء الدولة، فإننا على الأقل نمتلك القدرة على التعلم من الجوانب النظرية والمعرفية والخبرات التي تراكمت لدينا، لكي نستطيع بناء مستقبل أفضل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني