fbpx

فشل الإسلاميون في قيادتها.. المطلوب بديل وطني ديمقراطي غير إسلامي للثورة السورية

0 323

أسئلة عديدة يطرحها السوريون على أنفسهم، من هذه الأسئلة، لماذا وصلت الثورة السورية إلى طريق مسدودة؟ وكيف خسرت أنصارها على المستوى الدولي؟ سيّما أن عدد الدول المناصرة لها بلغ 118 دولة. وكيف يمكن استعادة المبادرة لتصحيح المسار وكسب ثقة المجتمع الدولي بهذه الثورة، التي قدّمت مئات آلاف الشهداء.

الجواب على هذه الأسئلة لخّصه جويل ريبورن المبعوث الأمريكي السابق إلى الملف السوري في عهد الرئيس دونالد ترامب، حيث قال: المعارضة السورية مفككة وغير متحدة، الأسد وحلفاؤه قدروا أن يأسلموا المعارضة، الأسلمة أخافت المجتمع الدولي وفي مقدمتهم أوربا الغربية، كان الهمّ محاربة نظامٍ استبدادي يقتل شعبه، لكنه تحوّل إلى همّ مواجهة مع التنظيمات الإسلامية (داعش).

هذه الحقيقة، يقف وراءها تصدّر الإسلام السياسي السوري لمشهد الثورة السورية، والذي تمّ دعمه إقليمياً، مما أخاف الدول الديمقراطية من هذه التيارات الشمولية والعنفية، وفي نفس الوقت، تمّ تغييب أي دور للقوى ذات الاتجاه الوطني الديمقراطي غير الإسلامي.

هذه الحالة، دفعت بدول الغرب الديمقراطية وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى النكوص عن دعم الثورة السورية، حيث يقف خلف هذا النكوص خوفٌ من تصدّر الإسلاميين، الذين لا يؤمنون بدولة ديمقراطية يتمّ حكمها عبر تداول السلطة عن طريق صناديق الانتخابات الشفّافة.

الغرب رأى بأم عينيه أن المشهد العسكري والسياسي للثورة السورية أخذ اتجاهاً إسلامياً، حيث استطاع الإسلام السياسي من تشكيل تنظيماته المسلحة مثل حركة أحرار الشام وأحفاد الرسول وغيرها من تنظيمات عسكرية، في وقت استطاعت حركة (الإخوان المسلمين) أن تهيمن على قرارات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، هذا الائتلاف، ورث الإطار الأول المسمّى المجلس الوطني السوري، والذي تشكّل فعلياً من غلبة إسلامية وقلة ليبرالية.

واقع أفق الثورة السورية التي تمّ اختطاف حراكها الديمقراطي من قبل الإسلاميين، جعل الغرب يعيد حساباته عنها، فإذا استمر بدعمها، فإنه باعتقاده يؤسس لنظام سياسي شمولي، يصير من الصعب لاحقاً منعه من نشر فكره اللاديمقراطي الديني الشمولي، سيما، أن هناك تجربة ملموسة جرت في مصر، حين حاول الإخوان المسلمين المصريين بعد انتخاب الدكتور محمد مرسي أسلمة مؤسسات الدولة، مما دفع مؤسسة الجيش المصري إلى الانقلاب على هذه التجربة.

الغرب لا يؤمن بأن الأحزاب الدينية تستطيع الاشتراك بحياة سياسية ديمقراطية، وهم أكثر قناعة من بطلان ادعاءات التيارات الإسلامية بأنها تؤمن بتداول السلطة ديمقراطياً، هذه القناعة مرتكزها العميق الفكر الديني الشمولي غير القابل للقبول بالديمقراطية، لهذا لم يعمل الغرب فعلياً على وضع خطة تساعد الثورة السورية على إسقاط نظام أسد المتوحش.

الغرب كان مقتنعاً أن لا بديل ديمقراطي غير إسلامي فاعل يمكنه تصدّر مشهد قيادة الثورة السورية، وهذا ما دفعه إلى التأكيد باستمرار، أن الحل يجب أن يكون سياسياً وليس عبر الحسم العسكري، وهو سبب يقف خلف امتناع الغرب عن تزويد فصائل الثورة ذات الاتجاه العام الديني بأسلحة نوعية، تؤدي إلى إسقاط نظام أسد الاستبدادي المنتهك للقوانين الدولية، لخوفه من استخدام هذه الأسلحة ضد الغرب الديمقراطي وضد القوى الديمقراطية غير الإسلامية في سورية لاحقاً.

إن ارتباط ملف الصراع بين المعارضة السورية ذات التوجه والدعم الإسلامي مع دول إقليمية مثل قطر، جعل من الصعب إشراك القوى الديمقراطية غير الإسلامية بكل اتجاهاتها في قيادة هذا الصراع مع النظام، ما جعل هذا الصراع يأخذ شكل ثنائية طائفية (سُنّية/علوية)، وهو صراع يقسم المجتمع السوري إلى طوائف متناحرة، قد يلحق شررها باقي المنطقة، كذلك، فإن ملف هذا الصراع من جهة المعارضة، تمّ الاستحواذ عليه إقليمياً، وكذلك حال النظام الأسدي، الذي أشرك إيران وروسيا في حربه ضد شعبه، فخسر قراره لصالحهما.

أمام هذه الحقيقة، لا مناص من تغيير قواعد الصراع السابقة مع نظام أسد، وتغيير هذه القواعد، يبدأ من تشكيل تيار سياسي سوري من القوى الوطنية الديمقراطية غير الإسلامية، بعد أن فشلت التيارات الإسلامية في قيادة الصراع مع نظام الاستبداد الأسدي، هذا التيار، يجب أن يشمل جميع المكونات السورية، وأن يؤمن بفصل السلطات الثلاث عن بعضها (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وأن يؤمن بشكل عميق بتداول السلطة عبر صندوق الانتخابات الشفّافة.

إن تشكيل تيار ديمقراطي غير الإسلامي، من شأنه استعادة تأييد وثقة الغرب الأوربي والأمريكي، وثقة كل الدول الرافضة لأنظمة سياسية ذات اتجاه ديني، مما يعيد التوازن إلى الصراع مع النظام الأسدي، ويدفع بقوى إقليمية ودولية إلى مناصرة هذا التيار، باعتباره تياراً قادراً على تحقيق المواطنة المتساوية ضمن بنية دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

تشكيل التيار الديمقراطي غير الإسلامي يلغي بقاء المكونات السورية الصغيرة خارج معترك بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، ويمنحها فرصة المساواة في بناء الوطن السوري، ويسقط حجة خارجية تقول إن هذه المكونات بحاجة إلى حماية، فحين يتم بناء الدولة الوطنية الديمقراطية لا يكون هناك مكونات كبيرة أو صغيرة، بل هناك أكثرية سياسية أو أقلية سياسية، حيث هذه الأكثرية والأقلية تتشكل على أساس برنامجي يخص التنمية الشاملة في البلاد.

تشكيل التيار الديمقراطي غير الإسلامي ضرورة تاريخية لكل السوريين، فهو من جهة يشكّل الإطار الأوسع للاتجاهات غير الإسلامية الديمقراطية، أي يلغي الشرذمة السياسية، وهو ضرورة للمجتمع الدولي ليطمئن باتجاهات أفق التطور السياسي في سورية بعد الانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام دولة المؤسسات والمواطنة.

المطلوب وطنياً في هذه الحالة الدعوة لعقد مؤتمر وطني للقوى الديمقراطية غير الإسلامية، مهمته انتخاب قيادة جديدة وفاعلة للثورة السورية، هذا المؤتمر ينبغي أن يلقى دعماً فعّالاً من الدول الديمقراطية في الغرب، وهو سيسمح بسحب البساط الفئوي والديني من أطر الثورة القائمة والتي لا يزال الإسلام السياسي يسيطر عليها ويهيمن على قراراتها، ويعطّل قدراتها في الخلاص سياسياً من نظام الاستبداد الأسدي.

فهل نشهد قريباً جداً ولادة هذا التيار وانعقاد مؤتمره الوطني العام؟ إنها ضرورة ولعل قومي يعقلون.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني