fbpx

عن تلاعب الأسد بالروس والإيرانيين

0 375

ساهم توقيع إيران والنظام السوري على اتفاقية التعاون العسكري الشامل في تشويش الرؤية لدى بعضهم تجاه ما يحدث في سورية، وحول طبيعة العلاقة الأسدية/الروسية من جهة، والأسدية/الإيرانية من جهة أخرى. فالاتفاق من الناحية النظرية ذو شأن كبير وخطير، وهو أيضاً مؤشر عن قوة إيران في سورية، وهو ما دفع بعضهم إلى اعتباره بمثابة تهديد للمصالح الروسية، ومحاولة أسدية/إيرانية لتثبيت وقائع يصعب على الروس تجاوزها مستقبلاً. كضمان مستقبل الأسد، وضمان استمرار نفوذ وسيطرة إيران لسنوات عديدة.

فإن سلمنا بهذا المنطلق التحليلي المتسرع نصبح أمام تلاعب أسدي واضح بكل من روسيا وإيران، تلاعب يحد من قدرة الطرفين على فرض أجنداتهم الخاصة، ويمنح الأسد أوراق قوة مستقبلية على الرغم من كل الضعف والانهيار الذي أصاب منظومته الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية. إذ يستند هذا التحليل إلى تاريخ نظام الأسد الحافل بالدهاء والخبث والتلاعب الدبلوماسي والسياسي، إذ لطالما أتقن نظام الأسد لعبة الرقص على الحبال، والقفز من الحبل الروسي إلى الفرنسي أو من الحبل الإيراني إلى التركي، والعكس صحيح طبعاً، وهو ما يحصل الآن في نظر بعضهم. ما يدفعني إلى الإشارة إلى بعض المتغيرات الدولية والإقليمية التي أفقدت نظام الأسد قدرته على ممارسة لعبته المفضلة تلك، ويقودني إلى الاعتقاد بأن الاتفاق حصيلة لتنسيق روسي/إيراني عالي المستوى، وما الأسد سوى أداة من أدوات تنفيذه.

حيث تعزى قدرة النظام التاريخية في إتقان فن المناورة السياسية واللعب على المصالح الدولية، إلى تحكمه بالعديد من الملفات الإقليمية، كالتحكم بمصير لبنان وبعض الفصائل الفلسطينية، وسطوته الإعلامية والسياسية في المنطقة انطلاقاً من خطاب شعبوي فحواه بما يخص الوحدة العربية وتحرير فلسطين، يحاكي مشاعر الشعوب العربية ما يكسبه قوة ناعمة إقليمية هامة. حيث حول النظام هذه الملفات إلى أوراق ضغط يتحكم بها كما وأينما يشاء، للضغط على مصالح الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً، دون المساس بهذه المصالح، بغرض تسريع التوافق وتحسين شروطه قدر الإمكان. كما يحسن النظام الأسدي قراءة خارطة المصالح الدولية وترتيب أوليّاتها، ما يمكنه من التلويح بقدراته على الإضرار بها، عبر تهديد المصالح الأقل أهمية التي لا تستدعي رد فعل دولي مباشر، وعبر إرسال رسائل واضحة وصريحة وميدانية حول قدرة الأسد على حماية المصالح الدولية أو الإقليمية المحورية. ومن الأمثلة عن ذلك الأدوار التي لعبها الأسد في لبنان قبل وبعد الحرب الطائفية، وفي العراق أثناء الحصار وبعد الاحتلال الأمريكي، وفي تفكيك حركة التحرر الفلسطينية والعربية، وغيرها الكثير من الأمثلة أيضاً.

في حين تبدو عوامل قوة النظام الأسدي إقليمياً ودولياً اليوم خارج يديه، فقد انتقلت بأكملها إلى اليد الإيرانية، التي باتت المتحكم الرئيسي وربما الوحيد فيها، وهو ما أفقد الأسد أوراق قوته وحد من قدرته على إدارة هذه الأوراق بغرض تحسين موقعه الإقليمي وربما الدولي. بل لقد تحول الأسد وربما سورية إلى ورقة من أوراق القوة الإيرانية، دون التقليل من الدور الروسي الذي يتلاعب بذات الورقة أيضاً. أي ولمزيد من الدقة فقد تحول نظام الأسد وسورية نسبياً إلى ورقة روسية/إيرانية بذات الوقت، يصعب تفكيكها في المدى المنظور نتيجة عوامل عديدة. أهمها حاجة كل من روسيا وإيران إلى الآخر داخل وخارج سورية، حيث تدرك إيران حقيقة قدراتها وإمكانياتها القاصرة على مواجهة المصالح والنفوذ التركي من ناحية والأمريكي من ناحية أخرى، بمعزل عن قوة الإسناد والدعم الروسية. كما تدرك حاجتها إلى الدعم الروسي في الحفاظ على توازنها الدولي اقتصادياً وسياسياً وتقنياً.

في المقابل تجد روسيا في إيران ما لا تجده في غيرها، فهي تمتلك قوة بشرية طائفية عمياء، تتبع التعليمات الإيرانية دون أي تحفظ داخل وخارج سورية، وهو ما تستفيد منه روسيا من أجل بسط سيطرتها على سورية بأقل التكاليف البشرية الممكنة، إذ يستحيل أن يؤمن لها سلاحها الجوي مثل هذه السيطرة دون قوة إسناد برية. كما يُمكن التنسيق وربما التوافق الروسي/الإيراني في سورية روسيا من لي الذراع التركية والحد من طموحاتها ولو آنياً. كما تمنحها أملاً في زيادة وزنها الإقليمي، ففي ظل الرفض أو التحفظ الأمريكي على التمدد الروسي إقليمياً، تمثل علاقتها مع إيران ورقة مستقبلية قد تفتح الباب العراقي أمام الروس، وهو ما قد يعيد الكثير من قوة روسيا الاستراتيجية التي تطمح لها، ولو على مستوى منطقتنا العربية حالياً.

إذاً، تتعدد الملفات الروسية/الإيرانية المشتركة التي تفرض عليهما حداً أدنى من التوافق والتنسيق والتعاون الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حدود التكامل الضروري، في مقابل خواء نظام الأسد من أي ورقة تفاوضية يمكن التلاعب بها مع الروس من ناحية أو مع الإيرانيين من ناحية ثانية، ومع مجمل الوسط الإقليمي والدولي من ناحية ثالثة. لذا لم يوقع الأسد الاتفاق العسكري مع إيران بمشيئته وإرادته الذاتية؛ التي لم يعد يمتلكها أصلاً؛ بقدر ما تم التوقيع بناء على رغبة روسية/إيرانية خفية. فالاتفاق خاو عسكرياً أو على الأقل ذو تأثيرات محدودة، فقوة إيران العسكرية الحقيقية تكمن في أشكال الصراع غير المباشرة، عبر إدارة وتدريب المليشيات الطائفية على ما يشبه حرب الشوارع والعصابات، في حين لا تملك إيران حتى الآن أي مؤشر واضح عن قدرتها العسكرية المباشرة؛ دون التقليل منها؛ حتى بما يخص قوتها الصاروخية التي تتغنى بها، حيث أوحت بعض التجارب الإيرانية بعدم دقة صواريخها وبمحدودية قدرتها التدميرية.

لذا لا يهدد الاتفاق مصالح أي من الأطراف الفاعلة في سورية ابتداء من تركيا وأمريكا وليس انتهاء بالدولة الصهيونية وروسيا عسكرياً، كونه اتفاق عسكري ذو مضمون سياسي، وكأنه تلويح روسي/إيراني بقدرتهما على إعادة خلط الأوراق السورية، خلط قد يربك الحسابات الصهيونية من ناحية والأمريكية من ناحية ثانية، وبكل تأكيد سوف يربك وربما يلحق الضرر المباشر بالحسابات التركية. وهو ما يمكن تلمسه أيضاً في مشاركة الطيران الروسي الأخيرة؛ الأسبوع الفائت؛ في قصف المناطق السورية المحسوبة على تركيا في محافظة إدلب ومحيطها، بالتوازي مع هجمات حلفائها البرية من جيش الأسد والمليشيات المحسوبة على إيران. وعليه لا يتلاعب الأسد بمصالح روسيا أو إيران بسورية، بل يحاول الروس والإيرانيون اللعب على ورقة المصالح الإقليمية والدولية في سورية، من أجل تحسين شروطهم التفاوضية داخل وخارج سورية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني