fbpx

عن اللاجئ السوري الذي تحول إلى حقل لتجارب الموت

0 258

بحسب التجارب القديمة التي عاشها اللاجئ السوري في عدد من دول اللجوء. لا نهاية لتحويل خطاب الكراهية إلى ممارساتٍ ضدهم. فلا قوانين تحميهم لا في وطنهم ولا في بلدان اللجوء. وهو ما يعني أن الأجهزة الأمنية لن تسوق المجرمين إلى العدالة. العدالة التي طال انتظارها، وتعب السورين في مسعاهم نحوها. لا عدالة تنصف لجوءهم بعد أن عصفت بهم حسابات الدول ورهاناتها لتصفية حساباتها في أرضهم، فدفع السوريين على اختلاف مكوناتهم، من أرواحهم ومستقبلهم وحيواتهم، ثمناً لمطلب عادل، فكانت النتيجة أن لا عدالة تحمي ذاك المطلب.

في مخيم بحنين الذي يشبه البلدة الصغيرة، وقف تمساحٌ غارقٌ في الوحل، يستعد خلسة للانقضاض على فريسته، فيشبع هوسه وعُقدة مرضه، يعي جيداً أن لا رادع شخصي أو جماعي، فيحتمي بدولةٍ غابت العدالة عنها منذ عقود. مقتنع بما قام به وزير الخارجية اللبناني السابق “جبران باسيل” كقائد لخطاب الكراهية ضد السوريين، والساعي والمطالب بإعادتهم إلى الداخل السوري، قافزاً فوق ما يمكن أن يتعرض له مئات الآلاف من المطلوبين للتجنيد أو القضايا السياسية والأمنية المختلفة. فلا عجب أن يتحول “بعض الأهالي” ممن تشرب العنصرية من خطابات النُخب السياسية والإدارية في لبنان، إلى مجرمين.

يُنادون اللاجئ بـــ “أنت سوري” وكأن الانتماء السوري مسبة أو وصمة عار على اللاجئ أن يخجل منها أو يخشاها، وكأنه هرب طوعاً ورغبةً منه في تجربة تجرع الذل والمهانة. ينظرون للاجئين على أنهم أنصاف بشر لا يستحقون الحياة، فيسقونهم المرارة، وينهبون أرزاقهم وحقوقهم. هكذا بكل بساطة يعتقد صاحب الدار المهووس بنرجسيته ومرضه، أن اللاجئ لا حق له في شيء، فهو الذي غابت العدالة عن حقه، فلا غرابة أن يخترع ابن الدار المصائب لأجل سحق اللاجئ. وإن كان المتعارف عليه أن اللاجئ يعيش حالة نفسية صعبة، وربما تحتاج الأجيال اللاحقة إلى فترات طويلة للاندماج والتأقلم مع المجتمع الجديد، لكن الغرابة أن يوجد ضمن صاحب الدار مرضى يفوقون حاجة اللاجئ نفسه. 

صحيح لا إصابات جسدية ولا قتلى، لكن ربما لا نسيان على المدى البعيد للوجع النفسي الذي عششه هؤلاء في نفوس الأطفال والنساء، مشاهدٌ لن ينساها السوريون في كل بقاع الشتات، وحيث لم يعد من مجال لشفاء العالم الداخلي والوجداني. وبلغت التفاهة مداها الأعلى لدى فئات من المسؤولين اللبنانيين، الذين يشاطرون المجرمين تمتعهم في خلق الأذية للسوريين، ويبدو أنهم سيضجرون لو كانوا عميقين في إنسانيتهم، فهم منشغلون في قضايا الفساد والإفساد والإجهاز على السلطة والقانون والقضاء، فيبحثون عن الاسترخاء والراحة، عوضاً عن قضاء ساعات في عمل إنساني لا يدر عليهم أموالاً من الفساد والسرقة والمنفعة. لذلك تبدو قضايا اللاجئين السوريين سطحية ومملة لدى شرائح عديدة من “الكائنات” المسؤولة في لبنان، فتحولوا إلى عمق نظام التفاهة؛ كونهم لا يتمكنون من تطوير بلدهم فلا مجال من تطوير حيواتهم ونفسيتهم بما تنسجم الحالة الطبيعية للبشرية. 

هو انتقامٌ جماعي من اللاجئين السوريين، التي باتت دائرته تتسع باطراد مستمر في لبنان، لُبنان الذي تضامن اللاجئون السوريين معه في تفجيره الأخير سواء عبر التبرع بالدماء، أو العمل الطوعي، أو عبر تغريدة (من قلبي سلام لبيروت) التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي. ناهيك بتنظيف شوارع بيروت بعد حادثة تفجير الميناء، فرد عليهم مهووسو الاستعلاء والتبجح إلى فعل الحرق، وربما أشعلوا سجائرهم من نيران أحقادهم التي جاءت على خيام اليتامى والأرامل، ليكملوا صورة الوحوش البشرية. وإن ثمة خطابٌ شعبي متضامن فتح أبواب منازلهم، لكنه دون مستوى القبول، ولا إمكانية للمقارنة مع حجم خطاب الكراهية.

يبدو أن لا فائدة بعد اليوم من الشرح السياسي للنمطية التي يعيشها اللاجئ السوري؛ فما يحتاجه اللاجئ اليوم هو كيفية الحصول على ما ينقله من دولة اللجوء الجارة، إلى دولة أوربية. عدا عن ذلك فإن أي خطاب للدفاع عن اللاجئين يدفع بالمجرمين لتوصيف اللاجئين بالمذنبين ويبرئ الفاعل والجاني، خاصة وأن قضية اللاجئين اليوم انتقلت إلى ما يجب أن يكون عليه ما بين العودة الطوعية الآمنة أو الهجرة إلى وطن آخر، أو الدمج مع المجتمعات دون عملية التغيير الديمغرافي. خاصة بعد أن أصبح العنف والكراهية والتهديد بمثابة الفعل الاعتيادي لهؤلاء، لطالما كانت الضحية من السوريين. والأكثر إيلاماً أن لا شيء يردعهم، فالسلطات المارقة تجاهد للتغطية على تلك الجرائم، مرة لأن الجناة على علاقة بشخصيات في الدولة، وثانية لأن لا سلطة للدولة على القوة الموازية لها وأتباع تلك القوة، وثالثة ووفق القواعد التي يستقي منها المجرمون ومن يحميهم، فالضحايا ليسوا بشراً ولطالما هم سوريون فأي فعل منافٍ للفطرة البشرية أو القانون والعدالة لا يكلفهم الكثير.

وفقاً لذلك فإن الموقف الرسمي يُشكِل “منظراً حاسماً” على مستوى السطح والتبرير الشفاهي، لكنه لم يحل من المشاكل النفسية والجسدية والروحية ولا الوضع الاجتماعي والمادي المزري للاجئين بشيء. فما يواجهه اللاجئ السوري يعكس ثلاث قضايا متشابكة، أولها: ازدياد خطاب الكراهية العنصري بشكل مخيف لدى فئات وشرائح كثيرة من النخب السياسية اللبنانية، وبعض الشرائح المجتمعية، التي يبدو أنها تكبر، الذين ضاقت بهم العين حتى على خيام مزقتها أعوام الانتظار على أمل العودة، فجعلت من اللاجئ السوري مستباحاً، وجسداً قابلاً لتجريب كل أشكال العنف. وثانيها: لا مقاربة متكاملة لملف اللاجئين عدا عن رغبة الغالبية بطردهم من لبنان، ما يعكس فشل الدولة وغيابها وفق المفاهيم السياسية والقانونية الأخلاقية والإنسانية، حينئذ لا غرابة أن تجد الوحوش البشرية فسحة للإقدام على تنفيذ قوانينهم الهمجية الخاصة. وثالثها: التركيبة الاقتصادية في لبنان، والوضع المعيشي المتأزم لأهل الدار، واتساع نطاق الفقر وغياب فرص العمل ضمن المجتمع اللبناني نفسه، خلق ردات فعل عنيفة من المجتمع المضيف ضد اللاجئين الذين تحولوا، وفق منظورهم، إلى عبء كبير ضد حيواتهم، وهو ما يوسع دائرة اللوم والمسؤولية للمنظمات الدولية وغياب أفق الحل السياسي في سوريا، خاصة قضية عودة اللاجئين.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني