fbpx

طوفان الأقصى وطبيعة مصالح وسياسات واشنطن! (1-2)

0 88

الفكرة الأساسية التي يناقشها هذا الجزء من الدراسة تقوم على فرضية أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة من جهد سياسي وعسكري وإغاثي، بما فيها دعمها الكامل لحرب إسرائيل الإنتقامية ضد حماس، دون غزو غزة، يتمحور حول هدف منع حصول مواجهات غير مباشرة بين إسرائيل وإيران، قد تجد فيها الحكومة الإسرائيلية فرصة لتوجيه ضربات نوعية للوجود الإيراني في سوريا، ولمواقع المنشآت النووية في الداخل!.

منطق القراءة يعتمد على تأكيد الرئيس الأمريكي على أولوية هدف منع انتشار النزاع، وعلى حقيقة عدم وجود مصلحة او إمكانية للنظام الإيراني بالدخول في حرب مباشرة مع دولة الاحتلال (وهو لم يفعل في حروب الوكلاء السابقة، ولا عند تعرض مواقعه في سوريا والعراق لهجمات مباشرة طيلة سنوات!)، بما يجعلنا نستنتج أن الطرف الذي يتعرض للضغوط الأمريكية بشكل رئيسي لمنع انتشار النزاع هو الحكومة الإسرائيلية!، وهو ما يؤشر إلى إحدى الحالات العديدة التي تتقاطع فيها مصالح وسياسات الولايات المتحدة والنظام الايراني، حتى عندما تكون في تعارض مع سياسات إسرائيل!.

في مؤتمره الصحفي في القاهرة، 15/10، حيث توقف في محطته الأخيرة بعد جولة إقليمية طارئة أعقبت طوفان الأقصى، يتحدث السيد أنتوني بلينكن عن حزمة أهداف تعمل إدارته على تحقيقها:

جئنا هنا بأربعة أهداف رئيسية:

للتأكيد على أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل؛ لمنع انتشار النزاع إلى أماكن أخرى؛ للعمل على تأمين إطلاق سراح الرهائن، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين؛ وللتعامل مع الأزمة الإنسانية الموجودة في غزة.

في معاينة دقيقة لطبيعة الأهداف الأربعة التي وضعتها إدارة بايدن على قائمة أولوياتها من أجل مواجهة عواقب هجوم حماس، من الطبيعي أن يتصدرها وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل ولا يشكك أحدنا في مصداقية الموقف والسياسات الأمريكية التاريخية والراهنة تجاه حماية أمن إسرائيل، وضمان تفوقها النوعي طالما هي، الدولة اليهودية الديمقراطية، أكبر قاعدة ارتكاز عسكرية أمريكية!.

بكل الأحوال ليست هي القضية التي نناقش، وقد باتت الطبيعة الاستثنائية لعلاقات التحالف الاستراتيجي المتنامية منذ نهاية خمسينات القرن الماضي بين إسرائيل والولايات المتحدة أقرب إلى البديهة في وعي الرأي العام الذي ينطلي على نخبه حقيقة عدم حصول تتطابق دائم في المصالح والسياسات، خاصة تجاه مشروع السيطرة الإقليمية الإيراني، وتوابعه!.

ليس خارج هذا الإطار، أعتقد أن التحدي الأكبر الذي يواجه المتابع لتصريحات وأقوال المسؤولين الأمريكيين هو كيف يميز بين أفكار الدعاية التي يستخدمون للتغطية على الأهداف السياسية الواقعية، وبين حقيقة تلك الأهداف التي توجبها مصالح الولايات المتحدة العليا؟ دون أن نمتلك ذلك الوعي المتميز، قد نصبح كأصحاب قضية عادلة ضحايا حملات الدعاية والتضليل، ويصبح وعينا منفصلا عن الوقائع، وموقفنا، عديم الوزن والفعل السياسي! لنتابع:

1- النقطة الأولى، بالغة الأهمية، التي يعنينا إدراكها هي أن التحشيد العسكري الأمريكي الجديد لايستهدف تعزيز القدرات الهجومية/الدفاعية الإسرائيلية في حال انتشر النزاع إقليميا ولا دعم غزو بري محتمل لغزة، ولا فقط مواجهة أنشطة عسكرية إيرانية هجومية قد تؤدي إلى انتشار النزاع، بل، فوق كل ذلك، يستهدف بالدرجة الأولى ردع اي جهود أو محاولات لتوسيع نطاق النزاع إقليميا، بغض النظر عن مصدرها، وسواء أتت من قبل إيران أو إسرائيل![1].

حديث السيد وزير الخارجية بلينكن واضح: الوجود العسكري لردع أية محاولات تقوم بها أية دولة لتوسيع نطاق النزاع إقليميا؟ هل يستثني إسرائيل؟ هل يحق لإسرائيل أن تبادر إلى توسيع النزاع، ولا يحق لإيران!؟ الجواب واضح في تعامل الرئيس بايدن مع القيادة الإسرائيلية.

2- في خطاب الرئيس بايدن، وإذا وضعنا قضايا الصراع على أوكرانيا جانباً، وما تخلله من الادعاء بأن حماس تسعى إلى، أو تستطيع، القضاء على الدولة الديمقراطية اليهودية بما يهدد الامن القومي الأمريكي، ويوجب دعماً غير مشروط لإسرائيل[2]، دعونا نحاول تفسير الدوافع الحقيقية في مصالح السيطرة الإقليمية التشاركية للولايات المتحدة لهذا الاندفاع الغير مسبوق في تاريخ الصراعات الإقليمية المرتبطة بدولة الاحتلال تجاه القيادة الإسرائيلية في أعقاب هجوم طوفان الأقصى، وهذا الحرص حتى على مشاركة القيادات الإسرائيلية، الحربية والسياسية جلسات اتخاذ القرار، وما تؤشر إليه من وجود مصالح إقليمية أوسع من الحدث ذاته، وأكبر من هدف دعم الحكومة الإسرائيلية في مواجهة غزو حماس، أو حماية المدنيين، والحرص على حياتهم[3]، والمرتبط بخطوات وإجراءات التطبيع الإقليمي، وليس بالصراع على أوكرانيا، كما أكد وزير خارجيته السيد بلينكن.

في مواجهة عواقب طوفان الأقصى، يبدو جليا بروز تناقضات عميقة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، تتمظهر في طريقة تعامل الرئيس بايدن مع القيادة الإسرائيلية، وقد تجاوزت أقصى سياسات الضبط والتحكم التي تمارسها واشنطن غالبا تجاه حلفائها الأوروبيين أو شركائها الإقليميين؛ عندما يصل الرئيس إلى درجة التشكيك الواضح بقدرة القيادة الإسرائيلية على اتخاذ القرارات المناسبة، والإصرار على دفعها على اتخاذ السياسات التي تعتقد واشنطن، من وجهة نظر مصالحها، أنها الأكثر صوابا!! هذا واضح ليس فقط في خطاب الرئيس بايدن أمام الحكومة الإسرائيلية[4]، بل وأيضا عند شريحة واسعة من الرأي العام النخبوي الإسرائيلي، التي قرأت في سلوك واشنطن دوافع غير واضحة، وأسلوبا لا يليق بالعلاقات بين الحلفاء!.

لنقرأ بعناية أهم ما يقوله الصحفي الإسرائيلي ألوان بنكاس في هآرتس بتاريخ 24 الجاري، تحت عنوان ملطف الولايات المتحدة تتخوف من دفع ثمن أخطاء إسرائيلية في الحرب، وتراقب عن كثب:

نحن لا نريد أن نعتقد أن الولايات المتحدة تفرض على إسرائيل قرارات استراتيجية. لكن التدخل الأميركي السياسي والعسكري كبير جداً على صعيدَي الحجم والعمق. هذا التناقض صعب الفهم، لكن هذا هو الواقع. واشنطن لن تقول لإسرائيل ما يجب عليها القيام به وكيف – على المستوى التكتيكي العملياتي – لكن لها مفهومها على المستوى الاستراتيجي، وينبغي أن تأخذه إسرائيل في الحسبان. وما هو مفهوم الولايات المتحدة الإستراتيجي للصراع الراهن بين حماس والحكومة الإسرائيلية الذي يجب أن تأخذه إسرائيل في الحسبان؟.

لنتابع مع الصحفي الإسرائيلي:

المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات جيرالد فورد، ومجموعة المهمات الخاصة بحاملة الطائرات آيزنهاور، فضلاً عن مجموعة الـ 26 التابعة للمارينز، لم يتم إرسالها إلى هنا، فقط من أجل التعبير عن الحب والدعم.. الولايات المتحدة تطرح الهدف الاستراتيجي المركزي الخاص بها، وهو منع انتشار المواجهة – بما معناه، منع التصعيد من جانب إيران في الأساس.

على أية حال، أعتقد أن المتابع لسلوك وأقوال قيادات الولايات المتحدة الأمريكية منذ اللحظات الأولى لهجوم طوفان الأقصى يوم 7 تشرين الأول لا يجد صعوبة في الاستنتاج أن الهدف الرئيسي لجهود إدارة بايدن، (وما تخللها من تحريك سفن حربية فتاكة، والتأكيد على الدعم الأمريكي اللامحدود إلى حكومة نتنياهو في حق الدفاع عن النفس في مواجهة دواعش حماس وفقا لتوصيفه، ومن ثم التأكيد على ضرورة وصول المساعدات إلى غزة، وأهمية حماية المدنيين، خاصة بعد مجزرة المشفى المعمداني)، هو ضرورة القيام بكل ما في وسع الولايات المتحدة للتأكد من أن هذه الجولة من الحرب لن تؤدي إلى انتشار الحرب إلى أماكن أخرى، عبر التنسيق المباشر مع حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم إسرائيل، وغير المباشر مع النظام الإيراني، وقد أصبح لاحقا فوق الطاولة بما كشفه وزير الخارجية الإيراني عن تلقي حكومته رسالتين من أمريكا بشأن الحرب في غزة[5].


[1]– من الطبيعي ألا تفصح خطب الرئيس بايدن ووزير خارجيته عن تلك الأهداف بوضوح، وأن تختبئ الأهداف الواقعية خلف يافطات الدفاع عن قيم الديمقراطية والقانون، وحماية المدنيين، لكن من واجبنا القراءة بين السطور، والوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة:

Secretary Antony J. Blinken With Randa Abul Azm of Al-Arabiya
15/10/2023 03:47 PM EDT

سؤال: هناك مخاوف من انتشار العنف والنزاع خارج قطاع غزة. لقد أرسلت الولايات المتحدة طائرات وصواريخ وأسلحة لتحذير الأطراف الأخرى من الانخراط في النزاع. ما مدى قلقك من أن يؤدي النزاع إلى انتشار الصراع في المنطقة؟

جواب: أعتقد أن هذا قلق مشترك في جميع أنحاء المنطقة.. الرئيس بايدن كان واضحاً جداً، لا ينبغي لأي دولة أو جهة أخرى غير حكومية محاولة الاستفادة من هذه اللحظة، وقال ذلك بوضوح. كما لاحظت، لقد أرسلنا مجموعتين من حاملات الطائرات إلى البحر الأبيض المتوسط الشرقي والمنطقة، ليس كتحريض ولكن كوسيلة رادعة لتوضيح لأي شخص يفكر في القيام بشيء: لا تفعلوها..؛ وهو جوهر تصريح بايدن:

اسمحوا لي أن أعيد التأكيد مرة أخرى، إلى أي بلد أو منظمة أو أي شخص يفكر في الاستفادة من هذا الوضع، لدي كلمة واحدة: لا تفعلوا. لا تفعلوا.

سؤال: هل ستقوم الولايات المتحدة بإرسال عناصر عسكرية لاتخاذ إجراء عسكري، أو اتخاذ إجراء عسكري لتحرير مواطنيها المحتجزين في غزة؟.

جواب: نحن مصممون على إعادة مواطنينا. نعمل على ذلك. لن أتحدث عن تفاصيل إضافية بهذا الصدد.

[2]– تصريحات الرئيس بايدن بشأن استجابة الولايات المتحدة لهجمات حركة حماس الإرهابية على إسرائيل والحرب الروسية الوحشية المتواصلة على أوكرانيا. البيت الأبيض 20 تشرين الأول 2023.

في خطاب الرئيس بايدن حول الهجمات الإرهابية في 7 تشرين الأول/أكتوبر وصمود دولة إسرائيل وشعبها، 18 تشرين الأول أعاد بايدن التأكيد على تلك البديهة:

قبل خمسة وسبعين عاماً، وبعد 11 دقيقة فقط من تأسيسها، أصبح الرئيس هاري ترومان والولايات المتحدة الأميركية أول دولة تعترف بإسرائيل. لقد وقفنا إلى جانبكم منذ ذلك الحين، وسنقف إلى جانبكم الآن، لقد كانت حكومتي على اتصال وثيق بقيادتكم منذ اللحظات الأولى لهذا الهجوم، وسوف نتأكد من أن لديكم ما تحتاجونه لحماية شعبكم، والدفاع عن أمتكم، على مدى عقود من الزمن، ضمنا التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، سأطلب من الكونغرس الأميركي حزمة دعم غير مسبوقة للدفاع عن إسرائيل.

سنزود القبة الحديدية بكل ما يلزم حتى تتمكن من الاستمرار في الوقوف حارسا فوق الأجواء الإسرائيلية، تنقذ أرواح الإسرائيليين.

لقد نقلنا أصولاً عسكرية أميركية إلى المنطقة، بما في ذلك وضع مجموعة حاملة الطائرات يو إس إس فورد الضاربة في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع الحاملة يو إس إس أيزنهاور في الطريق، لردع أي عدوان إضافي ضد إسرائيل ومنع هذا النزاع من الانتشار.

سيعرف العالم أن إسرائيل أقوى من أي وقت مضى، ورسالتي إلى أي دولة أو أي جهة معادية أخرى تفكر في مهاجمة إسرائيل، لا تزال كما كانت قبل أسبوع، وهي: لا تفعلوا، لا تفعلوا، لا تفعلوا.

يقول الرئيس بايدن مخاطباً غريزة الخوف في الرأي العام الأمريكي، قبل سفره إلى إسرائيل:

نحن نواجه نقطة تحول في التاريخ، إحدى تلك اللحظات التي تحدد فيها القرارات التي نتخذها اليوم المستقبل لعقود قادمة، ما هي طبيعة التحديات التي تواجه عقود قادمة من مستقبل الأمريكيين وترتبط بالأمن القومي الأمريكي، وتجعل بايدن يحاول كسب تأييد الشعب الأمريكي لمواجهتها؟ هي كما يقول في الخطاب لا ترتبط فقط بما كابده الإسرائيليون الذين عاشوا شخصيا تجربة الرعب المروع للهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر، أو لما يتعرض له الشعب الأوكراني طيلة ما يقرب من 20 شهراً من الحرب والمأساة والوحشية، والأذى الكبير منذ أطلق بوتين غزوه الكامل.. بل لأن لدى بوتين وحماس رغبة مشتركة في القضاء تماماً على دولة ديمقراطية مجاورة، القضاء تماماً عليها، وهو ما يشكل، في المنطق البايدني تهديداً للأمن القومي الأمريكي، ويجعل من ضرورات حماية المصالح الأمريكية العليا أن تقدم واشنطن دعمها بلا حدود، ودون شروط.

[3]– رغم إنه كلام حق أن يعتقد الرئيس بايدن أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من حماس. حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن حماس تستخدم أبرياء – عائلات بريئة في غزة كدروع بشرية، حيث تضع مراكز قيادتها وأسلحتها وأنفاق اتصالاتها في المناطق السكنية، لكن من الواقعي أن نشكك بان يكون هدف سياسيات واشنطن الرئيسي هو أن تدافع بشكل واضح لا لبس فيه عن حماية حياة المدنيين أثناء النزاع، وأن تكون في أولويات السياسات الأمريكية الاهتمام بسكان غزة، وما يحتاجون إليه من الغذاء والماء والدواء والمأوى؛ رغم الجهود الواضحة التي تبذلها الإدارة، على صعيد الرئيس ووزير الخارجية والسفير الأمريكي الخاص، الذي عينه الرئيس بايدن، السفير السابق ديفيد ساترفيلد، سفيراً خاصاً لقضايا الإغاثة في الشرق الأوسط – لدى القيادة الإسرائيلية والشركاء الإقليميين لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح إلى المدنيين في غزة.

[4]– إنني أول رئيس أميركي يزور إسرائيل في وقت الحرب. لقد اتخذتُ قرارات في زمن الحرب. وأعلم أن الخيارات ليست واضحة أو سهلة أبداً بالنسبة للقيادة. هناك دائماً تكاليف.

ولكن الأمر يتطلب أن يكون بالتشاور، يتطلب طرح أسئلة صعبة للغاية، ويتطلب الوضوح بشأن الأهداف وتقييماً صادقاً حول ما إذا كان المسار الذي تسلكونه سيحقق تلك الأهداف.

[5]– أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مساء اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت رسالتين إلى إيران تؤكد فيهما أنها لا تنوي توسيع دائرة الحرب، وليست معنية بتوسيع رقعة الأزمة في المنطقة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني