fbpx

طريق الموت

0 222

عرفت المجتمعات البشرية والإنسانية طرق التنقل بين بقاع الأرض، إما لتحسين الوضع الحياتي والمعيشي، وإما بسبب الحروب. والتاريخ البشري حافل بالهجرات الجماعية، والفردية، فالبحث عن مكان آخر لتحسين ظروف الحياة وطلب مواردها، لا يقتصر على البشر فقسم من المخلوقات تشاطر الإنسان في ذلك فنجد هجرة الطيور من قارة لأخرى حسب المناخ الملائم لها وكذلك بعض الحيوانات تتنقل بحثاً عن طعام لها. لكن هجرة الإنسان أو تنقله اختلفت عبر أزمنة التاريخ، فمثلاً هجرات القبائل العربية من شبه الجزيرة لبلاد الشام والرافدين كانت بداية بسبب القحط الذي شهدته الجزيرة العربية، ثم أصبح مع الإسلام دخول سياسي لفرض الدين الجديد، فهنا كان الدافع سياسياً فكانت الحروب (الفتوحات) هي سبيل آخر للتنقل والهجرة والاستيطان في مكان يختلف عن الموطن الأصلي، وتتالت الهجرات من البلاد العربية في زمن الحروب (سفر برلك).

إذاً، الحروب هي الدافع الأساسي للهجرة لكن أخذت منحى آخر هو الهجرة بقصد الاحتلال والاستعمار والاستيطان وليس بقصد الأمان كاحتلال الرومان لبلاد الشام واحتلال العثمانيين للبلاد العربية وأخيراً الاستعمار الحديث والاحتلال الصهيوني لفلسطين، فكانت الهجرة الكبرى للشعب الفلسطيني الذي طرد من بلاده بعد احتلالها من الصهاينة، لكن الهجرة الأشد فتكاً بالبشر هي هجرة السوريين من بلادهم إلى أصقاع الأرض.

هجرة السوريين:

نظمت القوانين والدساتير الوطنية والعالمية موضوع التنقل للإنسان باعتباره حق من حقوقه الأصلية فهو حر في التنقل ضمن بلاده والتنقل والدخول والخروج منها، كما له حرية التنقل والحركة بين دول العالم لكن هذا التنقل الأخير مقيد بشروط القوانين الوطنية التي تعتبر ذلك حق للدولة بصياغة قوانينها الخاصة باعتبار ذلك رمز من رموز السيادة للدولة على أرضها وعلى مواطنيها. وبالرغم من القيود والحواجز الخاصة بكل دولة عملت القوانين الإنسانية الخاصة بحقوق الإنسان وتبعاتها على كسر هذه القيود ومواجهتها بالتزامات إنسانية تفرضها قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام والخاص بحقوق الإنسان والقوانين الخاصة باللجوء فأنشأت المنظمات الخاصة بشؤون اللاجئين والهاربين بحثاً عن ملجأ يقيهم شر الحروب والنزاعات وما يمكن أن يشكل خطراً على حياتهم فيكون اللجوء إما إنسانياً بسبب الحروب والأوضاع الإنسانية أو سياسياً بسبب رأي أو معتقد يشكلان خطراً على حياة اللاجئ، ومن هذا الباب كانت الهجرة الأكبر والأوسع في العصر الحديث، هجرة السوريين من ويلات الحرب ومن بطش نظام خنق كل رأي ومعتقد يخالفه فانتشر السوريون في بقاع الأرض.

واجه السوريون الهاربون من جحيم الحرب ومن بطش وجور النظام شتى أنواع العذاب، وكانوا ضحايا تجار البشر الذين استغلوا حاجتهم للتنقل إلى دول آمنة بعدما أغلقت معظم الدول حدودها في وجوهم، فقد اكتظت سواحل المتوسط وبحر إيجة بمراكب تهريب البشر القاصدة أوربا ونشطت تجارة الدم والبشر براً وبحراً يتلقفون السوريين مستغلين حاجتهم وضعفهم وجهلهم لعمليات تهريب البشر، فغالبية تجار البشر يستخدمون قوارب منتهية الصلاحية ولا يتقيدون بأي شرط من شروط السلامة ويتركون ركابها لمصيرهم المجهول، فمعظم ما شهدناه خلال السنوات العشر من حالات الموت هو نتيجة الغرق لراكبي القوارب المطاطية أو الخشبية المهترئة نتيجة فقدانها لأبسط قواعد وشروط الأمان والسلامة ونتيجة خذلان العالم والإنسانية جمعاء لمأساة السوريين.

لم يكتف العذاب من أخذ كل حصته من السوريين، فهو يلاحقهم على حدود الدول وداخل بلدان اللجوء (لبنان)، يتعرضون للمعاملة غير الإنسانية المخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان فيقعون ضحايا لجرائم شتى واعتداءات ما تنفك تضني حياتهم.

طريق الموت يلاحق السوريون في الداخل، بطش، وجوع ، وحرمان ، وفقدان لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، وفي الخارج عصابات الموت وتجار البشر تترصد السوريون لتحصد ما بجعبتهم، وتتركهم يلاقون الموت الفظيع.

رغم وجود القواعد القانونية التي تحرم تجارة البشر إلا أن هذه الجرائم ما زالت مستمرة تحصد ضحاياها بشكل مستمر غير آبهة بما يمكن أن يترتب على هذه الجرائم من فقدان الأرواح وتشرد عائلات بأكملها والجزاء القانوني المترتب عليها في حال تمكن القانون منها.

يجب على الناشطين في مجال حقوق الإنسان والقانونيين منهم العمل على التقصي، والتحقق وجمع المعلومات، والبيانات الخاصة بجرائم تهريب البشر التي راح ضحيتها السوريون في طريق الموت لتقديم المجرمين للمحاكمة والقصاص العادل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني