صك ملكية في دستور
نظمت العلاقة بين الدولة والشعب بالعقد الاجتماعي المسمى دستور، إذا هو انعكاس للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدولة، وهو الترجمة القانونية لطبيعة الحكم القائم فنقول هذا نظام حكم ملكي وذاك جمهوري والرئاسي..
إذا عدنا بالتاريخ لنشوء الدستور نجده في البداية منحة من الحاكم للشعب بالتنازل عن بعض صلاحياته وبالتدريج ومع ظهور مبادئ حقوق الإنسان عُرف بأنه القاعدة القانونية التي تمنح صلاحيات للحاكم الممنوحة من قبل الشعب وهذا ما استقرت عليه معظم دساتير العالم، ما يهمنا هو الدستور الحالي في سورية الصادر عام /2012/.
ألم وغصة في الحديث عن الدستور. قد يتراءى لبعضهم أن الدستور الحالي يتمضن مواد تعبر عن طموحات الشعب الثائر المطالب بالحرية والعدالة والمساوة والقانون والمواطنة إلخ…… لكن هيهات من تلك الحقوق التي هي حبر على ورق والواقع الفعلي الذي يعيشه الشعب الذي دأب على حلمه بالحرية.
يعتبر الدستور الحالي امتداداً لدستور /1973/ الذي أصدره حافظ أسد بعد استلامه السلطة، خطط لدولته فعمل على تعديل الدستور بما يناسب تطلعاته. وسيطرة حزبه على مفاصل الدولة وهكذا حتى تم تعديل الدستور عام /2000/ ليتسنّى لبشار الأسد استلام السلطة، فعُدّلت المادة المتعلقة بسن رئيس الجمهورية، وخلال دقائق أقر مجلس الشعب السوري بالإجماع على التعديل.
تبنّى الدستور السوري معظم مواده من الدستور الفرنسي، لكنها تجميلية بعيدة عن الواقع تُختزل في إجراء إداري أو تُخترق في كل لحظة من واضعيها. عندما تقرأ الدستور الفرنسي أو الأمريكي تشعر بهيبة الدولة وسيادتها بمؤسساتها فأنت أمام صرح قانوني فرض امتداده واحترامه مع تداول السلطة، فهو دستور أمة وليس دستور أفراد، وبالمقابل تشعر بالحزن لقراءة دستور/2012/ فكأنك تقرأ دستور الرئيس وليس دستور أمة أو شعب.
لا يختلف دستور /2012/ عن دستور /1973/ الا بإلغاء المادة /8/ وإدخال مواد أخرى، حدث ذلك نتيجة الحركة الشعبية العفوية التي شملت كل سورية نتيجة القبضة الأمنية المفرطة بحق الشعب واستباحة حياة الناس وكرامتها وحرياتها وفقدانها لأي بصيص أمل بالإصلاح.
أهم ما يتضمنه دستور /2012/
1ـ هل فعلا تم الغاء المادة /8/؟
دستورياً من وجهة نظر قانونية بغض النظر عن الواقع المعاكس لهذا الإلغاء، نجد أنها مكرسة بالمادة /1/ والمادة /2/ اللتان تعبران على أن سورية جمهورية عربية وهي جزء من الوطن العربي والشعب السوري جزء من الأمة العربية تلك مبادئ وأهداف حزب البعث أي إنها قانون يخص فئة أو حزب من الشعب وهذا يتنافى مع المبادئ الدستورية لأي أمة أو شعب فالدستور شامل وعام ويمثل كل فئات الشعب وليس لفرض رأي فئة على أخرى.
2- تضمنت المادة الثالثة دين رئيس الدولة الإسلام واعتبرت الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع هذا أيضا يتناقض مع مبدأ المواطنة فالمواطنون متساوون بالحقوق والواجبات.
3- تضمنت الفقرة /3/ من المادة /53/ (كل شخص يُقبض عليه يجب أن يُبلغ أسباب توقيفه وحقوقه، ولا يجوز الاستمرار في توقيفه أمام السلطة الإدارية إلا بأمر من السلطة القضائية المختصة) هنا إباحة للجهات الأمنية (الإدارية) بالتوقيف، وعقبت المادة بإذن من السلطة القضائية وهذا مغاير للواقع، فهل تستطيع السلطة القضائية في سورية رفض طلب لأي جهة أمنية؟
4- المادة /84/ تشترط للترشح للرئاسة تمتع المترشح بالجنسية السورية بالولادة من أبوين متمتعين بالجنسية السورية بالولادة فمن اكتسب الجنسية هو أو والديه لا يستطيع الترشح لمنصب الرئيس وهذا أيضاً انتقاص من حقوق المواطنة التي لا تفرق بين الجنسية بالولادة وبين الجنسية المكتسبة.
وتضمن الفقرة /4/ من نفس المادة من شروط الترشح للرئاسة ألا يكون متزوجاً من غير سورية يعتبر هذا النص انتقاص من حقوق الإنسان وتمييز لجهة القومية.
كما أن اشتراط الإقامة لمدة عشر سنوات متصلة عند تقديم طلب الترشح هو نفي وإبعاد لكل معارض للنظام الحالي لديه نشاط سياسي، فلا يستطيع أي معارض لهذا النظام أن يعيش في الداخل ويمارس السياسة ويترشح للرئاسة بشكل حقيقي وبحرية واستقلالية.
5- خصت المادة /88/ بشار الأسد بتمكينه من الترشح لولايتين إضافيتين عما سبق فنصت (يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية) لم تعتبر المدد السابقة لحكم بشار الأسد من ضمن الولايتين فهو يستطيع الترشح لولايتين ثانيتين بموجب هذه المادة.
6- توجت المادة /155/ بشار الأسد رئيساً لمدتين تاليتين بالإضافة للمدد السابقة فأكدت أن المادة /88/ تسري اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة. وهذا ما يحصل فهو يحضر نفسه للترشح للولاية الرابعة.
هذا بعض مما تضمنه الدستور الحالي وما خص به الرئيس الحالي بالإضافة للصلاحيات الواسعة وتقلده السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
تستحوذ الأنظمة الدكتاتورية على كل السلطات للتحكم والسيطرة على كل مؤسسات ومفاصل الدولة.
كل دساتير العالم المتحضر تمثل روح الأمة وحاضرها وتطلعاتها ولا تمثل أشخاصاً أو (تفصّل على مقاسهم).
نفتقد لهذه الروح التائهة في حرب مجنونة أشعلت الصدور وأخمدت العقول وقطعت الجسور، لن نستطيع تخطي هذا التيه بدون ضمضمة الجراح ونبذ الكراهية والالتقاء على ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا والاستفادة من أخطاء الماضي.
لا يستطيع أحد التغاضي عن كل الأخطاء والجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري حيث كان المسبب الرئيسي لها غياب القانون وعدم استقلالية القضاء والفساد الذي نهش مؤسسات الدولة حتى العظم.
لتفادي تلك الأخطاء وعدم تكرارها، يجب تأسيس الدستور الجديد على مبادئ المواطنة، واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، والتعددية السياسية، وغيرها فهي كفيلة بحفظ الحقوق وسيادة الدولة القانونية وتطورها وارتقائها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”