fbpx

صراع المافيات في سوريا الأسد

0 619

منذ أيام أطل علينا رجل الأعمال السوري
رامي محمد مخلوف بتسجيل مصور يظهر فيه بحالة من الانكسار والدروشة يناشد فيه رئيس
الدولة السورية بأن يلجم الأجهزة الأمنية عن المساس بشركاته التي بناها بتعبه وعرق
جبينه وبعصامية يشهد له فيها القاصي والداني.

هذا ما يظهر للمشاهد غير السوري أو غير
العربي أو غير المطلع على الوضع السوري وأشك بأن أحداً في العالم كله صدق أو يصدق
هذا المشهد الميلودرامي.

كيف نشأت ظاهرة رامي مخلوف؟

الاقتصاد السوري وحتى عام 2000 كان لايزال
تحت رحمة المنظومة الاشتراكية المشوهة التي أسسها حزب البعث ورسخها حكم حافظ الأسد
فيما بعد. فلم يكن للقطاع الخاص دور يذكر مقارنة بدور الدولة الكبير في الاقتصاد
حتى في القطاعات الإنتاجية والتي كانت بمجملها خاسرة وفاشلة بامتياز وينهشها الفساد
الإداري والمالي.

ومع وراثة بشار الأسد لعرش الجمهولوكية
السورية بعد أبيه كان لابد من تحول ولو ظاهري في شكل الحياة الاقتصادية فبدأ
التسويق لمصطلح (اقتصاد السوق الاجتماعي) كمخرج تصالحي مع فكر حزب البعث العربي الاشتراكي.

كانت هنالك قطاعات كثيرة يحتاجها المستهلك
السوري بشدة ومتعطش لها ولكنها كانت معطلة أو مؤجلة بقرار سياسي وهذه القطاعات
يسيل لها لعاب أي مستثمر فهي ذات أرباح عالية ومضمونة وتمس جميع شرائح المجتمع.

فبدأت بشركة الاتصالات الخليوية سيرتيل ثم
أريبا ثم الجامعات الخاصة وشركات الإنترنت. والبنوك وشركات التأمين الخاصة
وغيرها…

اغتيال رفيق الحريري عام 2005

كان نقطة مفصلية في هذه التحول الاقتصادي حيث
تم فرض عقوبات اقتصادية  على النظام السوري
من قبل الولايات المتحدة  وتسليط  الضوء على أمواله المودعة في مصارف لبنان والتي
كانت تقدر آنذاك بـ 10 مليار دولار حسب تصريح المصرف المركزي اللبناني أي ما يعادل
50 مليار ليرة سورية وهو رقم ضخم بالمقارنة مع الناتج المحلي لسوريا آنذاك…

إذاً أين تذهب تلك الأموال وما المكان الآمن
لاستثمارها في ظل العقوبات؟ أقرت وقتها الحكومة السورية ما يسمى بقانون المدن الصناعية
وانتشرت أربع مدن صناعية في حلب وحمص ودمشق ودير الزور كان أكبرها في حلب. وازداد
عدد المصارف الخاصة السورية من مصرفين إلى 13 مصرف وشركات التأمين الى أكثر من 30
وعدد من الجامعات الخاصة والمنتجعات السياحية …الخ.

ظهر فجأة مئات المليارديرات لم نسمع عنهم من
قبل وهؤلاء بالغالب كانوا إما واجهات لضباط الأمن والمخابرات ورجالات النظام أو
أبناء لتلك الفئة الذين قرروا خوض غمار عالم المال والأعمال بدلاً من المناصب
العسكرية والأمنية والحزبية… فقاموا بتأسيس شركات كثيرة في عدة مجالات كالإنتاج
التلفزيوني والصحف والمجلات والإذاعات والمطاعم والمنشآت السياحية وطبعاً قطاع
التجارة وخصوصاً تجارة الإلكترونيات والأجهزة الخليوية وملحقاتها وشركة طيران خاصة
…الخ

في ظل هذا التوجه الاستهلاكي. كان لزاماً
على الحكومة وقتها أن تزيد من أجور العاملين لديها لتدفعهم الى استهلاك ما تنتجه
تلك الشركات الجديدة.

رويداً رويداً بدأ المجتمع السوري بتقبل
طبقة الأثرياء الجدد من باب الأمر الواقع وتعايش مع الحالة الاقتصادية السائدة.

كل هذه الإجراءات اتخذها بشار الأسد ظناً منه
أن الحكم له ولعائلته قد ترسخ الى الأبد ولا مجال للتغيير وبالتالي لابد من
استثمار الأموال المنهوبة في السوق السورية بدلاً من بقائها في الخارج.

لكن هذه الطفرة الاقتصادية
الظاهرية لم تترافق مع إصلاح حقيقي.

·                   
زاد الفساد
الإداري والمالي بشكل كبير وتحول الفاسدون لمستثمرين ورجال أعمال..

·                   
الصناعة اقتصرت
على الصناعات النسيجية والاستهلاكية البسيطة ولم تكن هناك استثمارات في الصناعات
الثقيلة.

·                   
القطاع الزراعي
بدأ بالانهيار وخصوصاً مع موجات الجفاف التي ضربت شرق وشمال سوريا واستنفاد مصادر
المياه الجوفية نتيجة السياسات الزراعية الفاشلة. ما أدى لموجات من الهجرة إلى
المدن الكبرى. وظهرت العشوائيات والأحياء الفقيرة والتي كان سكانها عبارة عن عمال
وخدم لدى الأغنياء الجدد.

·                   
لم يستطع
الاقتصاد السوري استقطاب استثمارات خارجية بسبب سيطرة مافيا رامي مخلوف على مفاصل
الاقتصاد، فكان لزاماً على أي مستثمر أو شركة ترغب في الدخول إلى السوق السورية
مشاركة مخلوف في نسبة من استثماراتها وأرباحها.

·                   
السياحة تحولت
تدريجياً لسياحة مراقص وملاهي وبيوت دعارة التي انتشرت بشكل كبير في دمشق وغيرها
من المحافظات.

·                   
اضمحلت كثير من
الصناعات والورش المحلية نتيجة لسياسة الانفتاح التجاري غير المدروس مع بعض الدول
ما أدى لإفلاس كثير من الحرفين وثراء للتجار الموالين للنظام.

وفي هذا كله كانت سلطة الأجهزة الأمنية في
انحسار نسبي فالانفتاح الاقتصادي يحتاج إلى تخفيف القبضة الأمنية على مفاصل الاقتصاد
وبدأت موازين القوة في سوريا تميل لصالح رجال الأعمال الجدد على حساب ضباط
وجنرالات الأجهزة الأمنية.

إلى أن جاءت الثورة السورية فكانت فرصة
كبيرة لمافيات الأمن لاستعادة هيبتها ونفوذها على مفاصل الحياة من جديد وبدأت
بالدفع لتصعيد الأمور ودفعها باتجاه العسكرة من خلال القمع المفرط للمظاهرات
السلمية فكان لها ما أرادت. وكان من واجب المافيا الاقتصادية القيام بواجبها
الموكل إليها من قبل النظام بدعم مليشيات الأمن بالمال لضمان استمرارية بقائه
وبالتالي الحفاظ على مكتسباتهم خلال عقود.

خلال عمر الثورة استطاع النظام الحفاظ على
توازن بين مافياته الاقتصادية والمافيا الأمنية فلم يظهر أي صراع واضح على العلن
بينهم إلى أن بدأت المافيا الاقتصادية بقيادة مخلوف بالتنصل من دفع مستحقاتها تجاه
المافيا الأمنية.

وكان للتسجيل الأخير لمخلوف الدلالة الواضحة بأن المافيا الأمنية انتصرت في
هذا الصراع الخفي على مراكز النفوذ والقوة وأصبح لها الكلمة العليا في مزرعة آل
الأسد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني