fbpx

شروط وتوقيت عقد مؤتمر وطني جامع لسوريا

0 270

تنشط مجموعة من القوى الثورية والسياسية مؤخراً للتشاور والنقاش فيما بينها لمعرفة مستلزمات وشروط تأسيس “مؤتمر وطني ثوري جامع” للسوريين ضمن محددات مسبقة.

 والمؤتمر – كما يدَّعي منظموه – جامع لجميع السوريين على ثوابت الثورة السورية، وتسخير جميع الإمكانيات في معركة التحرير الوطني.

ومن هنا فأنا أرى أنه من المهم والضروري بدايةً مناقشة العنوان الرئيسي قبل الخوض في التفاصيل، فالمؤتمر يحمل في عنوانه ثلاث كلمات مهمة: (وطني – ثوري – جامع) والتي تحمل في طياتها جملة من الاستفسارات والتأويلات، وحتى المغالطات التي تحتاج من القائمين عليه إلى التنبه والمراجعة أو التوضيح والجرأة في الطرح.

هل المعنيين بالمؤتمر الوطني الثوري الجامع هم جميع مكونات الشعب السوري؟ ويستبعد فقط نظام الأسد والمتورطين في القتل والاستبداد؟ أم هو مؤتمر جامع مخصص للفئة الثورية فقط؟.

إن وجود كلمة (ثوري) في العنوان الرئيسي هي فكرة جميلةٌ محفزةٌ؛ لكنها اُختُزِلَتْ في جمهور الثورة وفي جزء من جمهور المعارضة فقط، فماذا عن باقي المكونات والأحزاب والفئات التي أدارت ظهرها للثورة السورية، والتي يمكن أن نتوافق معها على هداف إسقاط النظام والفساد والاستبداد وبناء دولة العدالة والديمقراطية؟.

سأفترض بدايةً أن وجود كلمة (وطني وجامع)، تعني أنه مؤتمر لجميع السوريين، وأنه مؤتمر قادر على الاستجابة لهواجس كافة مكوناته، وفرض رؤية مقنعة لحل سياسي أمام المجتمع الدولي.

هذه المبادرة الإيجابية الجامعة تحتاج إلى توافر وتزامن شرطين أساسيين ولازمين:

الأول (موضوعي) متعلق بالتداخلات والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية المرتبطة بالملف السوري، وبحالة عموم السوريين، وبواقع النظام وقوته وميزان القوى والصراع في المنطقة… إلخ.

والشرط الثاني هو (ذاتي) متعلق بقدرة وكفاءة القوى السياسية والمدنية السورية والقدرة على التحالف والتفاهم والتوافق فيما بينها لإنتاج حل سياسي مقنع.

ببساطة، ومن خلال المتغيرات السياسية الدولية يمكن استقراء أن الشروط الموضوعية غير داعمة حاليًا لعقد مؤتمر وطني جامع، ولا يوجد نية جادة أو حقيقية دولية للوصول إلى حلٍّ سياسي في المنظور القريب على الأقل، لعدة أسباب أهمها غياب الشروط الذاتية.

وبالتالي فإن تحسين الشروط الذاتية المتعلقة بكفاءة القوى السياسية والمدنية تحتاج إلى جهود كبيرة على المستويات كافة، قبل التفكير في عقد مؤتمر وطني جامع، حتى وإن توفرت النية الصادقة والمخلصة لدى القائمين، فمصير المؤتمر الفشل. فالمجتمع السوري بكل مستوياته ممزق وفقاً لتقسيمات متنوعة (علماني، وإسلامي، وانفصالي، وأقليات عرقية ودينية)، بالإضافة إلى غياب عامل الثقة الناتج عن ضعف الحوار والممارسة السياسية، فضلاً عن انقسام القوى والشخصيات السورية استناداً إلى الولاء أو الارتباط بالدول المتداخلة في الشأن السوري.

وحتى وإن توفرت الشروط الذاتية، يجب أن يراعي الحل السياسي المنشود مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين الرئيسيين في الملف السوري، فبالتالي نلاحظ وجود علاقة متزامنة ومترابطة بين الظرفين الذاتي والموضوعي تحتم على السوريين أيضاً انتظار اللحظة السياسية الحاسمة لعقد هذا المؤتمر.

ومن ناحية أخرى فإن المؤتمرات الوطنية الجامعة تُعقد في لحظات تاريخية أو انتقالية، أو عندما يكون هناك حدث نوعي ما، مثل سقوط النظام، أو خسارة فادحة لروسيا، أو انهيار النظام الإيراني، أو إرادة دولية ناتجة عن مصلحة دولية معينة. مما يعني أن لحظة عقد مؤتمر جامع يجب أن تكون فاصلة، تُنتح بعدها حالة نوعية وتغييراً حقيقياً مغايراً لما كان قبله. وإلا فسيضيع مصطلح جديد كباقي المصطلحات التي فقدت معانيها خلال سنوات عمر الثورة السورية، وسيتحول اللقاء الوطني السوري الجامع إلى تجمع عادي مثل تلك التجمعات التي تملأ الساحة ويُختَزل عمله على تداول الأخبار وإصدار بعض البيانات.

لذلك فإن السعي لعقد مؤتمر وطني جامع في اللحظة الحالية إنما هو قفز على المهمات الأولية الضرورية لنجاح هذا المؤتمر واستمراره، وبقاء سيطرة العقل التجريبي الذي ينقلنا من تجربة إلى أخرى دون الأخذ بعين الاعتبار دراسة جدوى النجاح أو الفشل في المستقبل.

لا أقلل أبداً من أهمية هذه المشاورات -بل على العكس- قد تكون هي المخرج الحقيقي الذي نحتاجه في هذه المرحلة العصيبة، لكنني أقول أنه لا بأس من التواضع قليلاً وجعل هذه اللقاءات والحوارات هي بداية لخلق حالة من رفع الوعي السياسي، والاقرار بأهمية الحوار وتنظيم الاختلافات بين القوى السياسية والمدنية فيما بينها؛ للتوافق على رُؤًى وأهداف تضمن تطوير الحياة السياسية، وتوسيع القاعدة الوطنية المشتركة كخطوات أولية على طريق عقد مؤتمر وطني جامع يستجيب لكافة هواجس المكونات والتشكيلات والتيارات السياسية السورية المختلفة، وقادر على تقديم حلٍّ سياسي مقنع يحفز المجتمع الدولي على فكرة استبدال نظام الأسد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني