fbpx

شرق الفرات هدوء على صفيح ساخن

0 242

بين أكتوبر تشرين أول 2017 و21 آذار مارس 2019 لحظة انتهاء العمليات العسكرية في قرية الباغوز على الحدود السورية/العراقية من قبل التحالف الدولي وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وبين ما يحدث اليوم من تطورات. 

لم تشهد المنطقة الممتدة شرق الفرات أي نوع من الهدوء والاطمئنان والاستقرار، إذ لم يحدث ما كان ينتظره أهالي المنطقة بعد خلاصهم من تنظيم داعش، حيث تعيش المنطقة أحداثاً وعلاقات مركبة تعود لعدة أسباب نستطيع أن نجمل أبرزها بما يلي: 

1- عدم تقبل قوات سوريا الديموقراطية من قبل معظم الحاضنة الشعبية واعتبارها قوات احتلال أو بصورة أقل حدة قوات أمر واقع، حيث فشلت قسد بشقيها المدني والعسكري من الحصول على قبول شعبي، ويعود لذلك لعدم تبني قسد سياسات حقيقة تنسجم مع طبيعة المنطقة الديموغرافية والإثنية ومحاولة فرض وقائع وقوانين تصل حد التنافر مع ما يلتزم أهالي تلك المناطق وبالتالي محاولتها تغيير بنيوية السلوك الاجتماعي من خلال فرض قوانين لا تتطابق مع القيم الأخلاقية والدينية التي يحملها أبناء المنطقة وبالتالي فشل مشروع قسد بحامله الاجتماعي وظهر ذلك جلياً في ما سمي رفض المناهج التي حاولت قسد فرضها على المجتمع المحلي وتم رفضها من قبله لأنها تتنافى مع مفاهيمه وقيمه.

2- فشل قسد في إعادة الحياة للبنية التحتية في المنطقة وبالتالي إحساس الأهالي بالخذلان من وعود التحالف لهم بتحسين ظروفهم المعيشية والتي قد أنهكت بسبب وجود التنظيم وبسبب العمليات العسكرية ما انعكس سلباً على قبول قسد في المنطقة وعلى محاولتها لإدارة المنطقة إذ أن ما يعمل من البنية التحتية سواء ماء أو كهرباء أو مياه لري المزروعات والتي تعتبر النشاط الاقتصادي الأبرز للأهالي لاتصل إلى 40% من طاقاتها المطلوبة كذلك فإن شبكة الطرقات لاتزال سيئة، كما يعاني الأهالي من مخلفات الحرب خاصة الألغام والمتفجرات التي قتلت العشرات وتسببت بإعاقات كبيرة بين المدنيين خاصة في مناطق الباغوز والشعفة والسوسة، لاشك أن هناك محاولات، سواء من قبل المجالس المحلية التي تشكلت بصيغ غريبة عن مفاهيم المنطقة وعدد من المنظمات الأهلية التي تحمل العبء الأكبر من عملية إعادة الإعمار بالرغم من الظروف السيئة التي تعمل بها لكن هذه المحاولات غير كافية لكي تقنع الأهالي بنجاح قسد في إدارة المنطقة. 

3- فشل إدراي وفساد ومحسوبيات 

بسبب الرفض المجتمعي لسياسات قسد الاقتصادية والاجتماعية فإن عمليات التعيين في المناصب الإدارية تعتمد على المعرفة والمحسوبيات، الأمر الذي تسبب باستشراء الفساد في المنطقة ما انعكس سلباً على الأهالي وعلى القدرة على إدارة المنطقة وبالتالي أصبح لدى الأهالي ارتياب من كل ما تقدمه قسد للمنطقة أو ما يقدم لها من مساعدات دولية من أجل إدارتها. 

4- لعل أبرز مظاهر فشل قسد في إدارة المنطقة هو الفشل الاقتصادي فبالرغم من غنى المنطقة بالنفط إذ توجد أبرز حقول النفط في سوريا في المنطقة الممتدة من شمال شرق مدينة  دير الزور  حيث يوجد حقل كونيكو أبرز حقول الغاز في سوريا والذي يغذي جزءاً كبيراً من سوريا مروراً بحقلي الجفرة والملح وصولاً لحقل التنك والعمر وجميعها من أبرز حقول النفط وأغزرها في سوريا وتنتج (قبل العام 2011) ما يقارب نصف حاجة سوريا من النفط ونصف إنتاج سوريا من النفط المقدر بـ 400 ألف برميل يومياً آنذاك، لم تكتف الإدارة المدنية والاقتصادية لقسد بالفشل في إدارة العملية الاقتصادية والفساد الذي يرافقها، بل عملت على احتكار عائدات النفط لمصلحتها وعدم إدخالها في عملية تنمية المنطقة ما اعتبره الأهالي عملية سرقة لمقدرات منطقتهم، حيث تقوم قسد بنقل النفط إلى مقراتها الأساسية في الحسكة والقامشلي حيث يباع بأسعار أقل بكثير من مناطق استخراجه وهي مفارقة كبيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة الأهالي وتسبب بحالة من السخط والنقمة خاصة أن المنطقة تعتبر ثائرة ورافضة لعودة أو وجود نظام الأسد إليها وبالتالي عمليات بيع النفط للنظام من قبل قسد وعبر وسطاء كشركات القاطرجي أو عبر المعابر النهرية خاصة معابر (بقرص – الشحيل – البحرة – العباس) وغيرها، هذه النقمة تحولت إلى مظاهرات رافضة لسرقة النفط وبيعه لنظام الأسد هذه المظاهرات التي تحولت لأسلوب احتجاج شبه يومي في مناطق سيطرة قسد. تميز بقطع الطرقات وحرق الإطارات والشعارات الرافضة لسرقة مقدرات المنطقة وبيعها للنظام أو تجميعها في مناطق قيادات قسد المركزية وبقاء أهالي المنطقة في حالة فقر وعوز اقتصادي.

5- لعل الأمن هو الهاجس الأكبر الذي يقض مضاجع المدنيين في مناطق سيطرة قسد، فبالرغم من إعلان التحالف وقسد انتهاء العمليات العسكرية والقضاء على تنظيم داعش إلا أن خلايا التنظيم لازالت نشطة وتقوم بعمليات تصفية واغتيالات، الفشل الأمني وعدم قدرة قسد على فرضه في المنطقة أنتج حالة من الفوضى، خاصة أن ردّات فعل قسد حيال الفلتان الأمني كانت عشوائية تعتمد على سياسة المداهمات والاعتقالات العشوائية القائمة على الوشاية، هذه الاعتقالات التي تتم عادة دون، دليل زادت من حالة الاحتقان الشعبي تجاهها خاصة بعد عمليات الاغتيال التي طالت عدداً من الوجهاء والشيوخ كان آخرها اغتيال الشيخ مطشر الحمود الهفل أحد مشايخ عشيرة العكيدات الأمر الذي نتج عنه ردة فعل تمثلت بالتفاف عشائري حول بيت المشيخة الذي يمثله حالياً الشيخ إبراهيم خليل العبود الهفل حيث وجهت فعاليات اجتماعية بياناً لقوات التحالف تطالبها فيه بتحمل مسؤولياتها، ولعل أبرز ما جاء في البيان هو الاصطفاف العشائري الذي يمثل قوة اجتماعية لا يستهان بها، فبالرغم من محاولة قسد الاستثمار بالعشيرة سياسياً وعسكرياً من خلال ضم أطراف عربية إليها أبرزها ما سمي مجلس دير الزور العسكري بقيادة أحمد الخبيل أبو خولة أو مجلس دير الزور المدني برئاسة غسان اليوسف. إلا أن الموقف العشائري المستجد يشكل تهديداً واضحاً لسياسات قسد في المنطقة ويفرض تحديات جديدة تجعل المنطقة تقف على صفيح ساخن وعرضة لتطورات دراماتيكية تنذر بمواجهات غير محسوبة العواقب لو لم يتم العمل على تدارك هذا الشرخ الذي يزداد بين الطرفين والإصرار على الإبقاء على الشرخ الحاصل وتوسيعه، وبالتالي ازدياد التهديد بالتصعيد في حال بقيت العشائر على موقفها ومطالبها، كذلك فإن للسياسات المتعلقة بالتقارب مع الروس ونظام الأسد دوراً كبيراً في صياغة العلاقات في المرحلة المقبلة بين قسد والحاضنة الاجتماعية في المنطقة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني