fbpx

 سورية وغزة (الشهيدة) القاتل واحد

0 68

بالرغم من محطات النكبة والنكسة والهزيمة التي وسمت تاريخنا السوري العربي المعاصر بسبب انظمة الحكم التي اغتصبت السلطة السياسية والإرادة الشعبية لدينا، وما تلاها من مهاوي اللجوء والنزوح والتهجير وما استوى معها من أشكال الخيبات وصور الإذلال وأفانين القهر وأنماط التجويع والقمع وفظاعة ممارسات عصابات نظم الاستبداد الأسود الذي طغى وهيمن على جميع مناحي حياتنا منذ بُعيد الاستقلال الاول عام 1946باستثناء ومضة بعض السنوات من هذا التاريخ والذي توج اساليبه العدوانية الباطشة بتدمير مدننا الآمنة وذبح أكثر من أربعين ألف من أبنائنا المسالمين في ثمانينيات القرن المنصرم.

وبالرغم من بشاعة الحرب الأهلية التي غذاها وشارك فيها حافظ الأسد والتي انتهت بتراجيديا إنهاء وجود المقاومة الفلسطينية المعروف في لبنان الشقيق.

وبالرغم من التوصيف الذي استقر عالمياً على نمط حياة مجتمعاتنا وشعوبنا سياسياً واقتصادياً وحضارياً بما سمي بالتخلف والتأخر والعالم الثالث المفوت تاريخياً، وعدم توفر القدرة والأهلية لدى هذه المجتمعات لدخولها عصر الحداثة بسبب الموروثات التاريخية الكابحة والمانعة لذلك.

بالرغم من كل ذلك على إطلاقه وفظاعته وتوحشه وانعدام انسانيته لم يكن ذلك ليشبه في التاريخ القديم والمعاصر ذلك الذي تحقق علينا وحدث على شعبنا فيما بعد، أي ذلك الذي حدث في زمن محطات ثورات الربيع العربي من القرن الراهن وما تلاها.

إذ إن ممارسة التدمير الهائل للأحياء السكنية وبناها التحتية في مدننا وقرانا وبلداتنا الآمنة في أريافنا والقتل الممنهج لأبنائنا والتهجير القسري لهم والتغيير الديمغرافي لطوائفهم واستعمال الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً وتنفيذ العشرات من المجازر التي ارتقت إلى مستوى جرائم الحرب والإبادة التي تحاسب عليها القوانين الدولية المعاصرة، هذه الجرائم التي نفذها العميل بشار الأسد بحق شعبنا السوري المكافح بكل برودة ومنهجية وتصميم لا يهتز.

وكذلك ما فاقه فظاعة ووحشية من تدمير وإبادة جماعية أقرتها محكمة العدل الدولية أخيراً بحق شعبنا الفلسطيني المناضل منذ خمسة وسبعين عاماً في سبيل تحرره وطرد الاحتلال الصهيوني الاستيطاني من أرضه وما يوازيه كذلك من عمليات عسكرية تدميرية تنفذ اليوم في لبنان واليمن والعراق وسورية بإدارة وقرار الصهيوني القذر نتنياهو بكل صلف وعنجهية واحتقار للعرب وذلك على مرأى ومسمع وتبني الدوائر المركزية لأرباب النظام الدولي المعولم وعلى راسهم زعيمة هذا النظام أمريكا.

لكن وبالمقابل نعتقد مما تقدم أن جميع ما تم الإتيان عليه قد كشف لنا ولشعوبنا العربية ولأول مرة في تاريخنا المعاصر ولشعوب العالم أجمع وحدة الأداة والهدف والقرار والجهة المشغلة فيما حصل في سورية ولايزال وفيما يحدث في غزة (الشهيدة) منذ أكثر من مئة وستة وعشرين يوماً ولا يزال.

هذا الانكشاف الفاضح الذي مهد له كما نعلم ما تم الإعلان عنه والترويج له وتداول حيثياته منذ بضع سنوات ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد وملحقاته وكذلك مفاهيم الفوضى الخلاقة التي تم تداولها ظهر لنا أخيراً بشكله الفاقع والوقح والمتوحش مما يمكننا ويمنحنا الحق والبرهان والقدرة على انتهاز هذه الفرصة التاريخية لنؤسس من وجهة نظرنا كمناضلين وكشعوب مكافحة من أجل الحرية والعدالة والسيادة والاستقلال (فاتحة جديدة) لمرحلة تاريخية جديدة في هذا العصر الحديث.

مرحلة تعتبر وتستفيد من وحدة وتمفصل العناصر الوحشية اللاإنسانية المنكشفة التي باتت ممارساتها موثقة إعلامياً في ضمير الشعوب التي ثارت ضد هذه المنظومة الدولية المعولمة.

هذه العناصر التي كانت تشكل السمة العامة للقرن الماضي والتي كانت منتِجاً لنظام دولي تمكنت ثورات الربيع العربي ومن ثم أحداث غزة الشهيدة أن تعري زيفه ونفاقه وازدواجيته وبنيته الاستعمارية الناعمة القبيحة التي تمتص خيرات الشعوب ونسغ قدراتها وتدمر مستقبلها متذرعة ومبشرة بعالم معولم تحتكره تقنياتها الحديثة وأتمتتها الإلكترونية الزاحفة وتروج له بمفاهيم الحداثة من ديمقراطية وحريات وحقوق إنسان ودول المواطنة والإنسانية.

وأمام هذا الانكشاف أيضاً يمكننا طرح مبادرتنا التاريخية وممارسة حقنا في أن نعيد كشعوب عربية وأممية حساباتنا الدولية وأن نعمل بشكل حثيث وثوري على أن ننتج نخباً ومثقفين ورواد الإدارة هذه المرحلة التاريخية لعلنا نسهم في دفن هذا النظام المافيوي اللاأخلاقي واللاإنساني والذي بات واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك بأنه يستهدف إبادتنا وجودياً كما سبق وأباد أسلافه من الهنود الحمر في القارة الأمريكية ونشارك كذلك في العمل على تحقيق نظام عالمي أكثر إنسانية وأكثر عدالة ورخاء.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني