fbpx

ستاتيكية الأمم المتحدة وعجزها عن إنقاذ المدنيين في سورية

0 346

إن ما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة؛ من إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب، وتجنيب المدنيين حالات القتل والتدمير، والحفاظ على حرية الإنسان، وصون كرامته، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؛ يتناقض تطبيقاً مع الأسس والمبادئ التي نشأت عليها المنظمة الأممية. فأصبحت طرفاً في النزاع، أو الصراع عبر تطبيق الازدواجية، إن مع بعض الأطراف المتصارعة داخل كل دولة، أو بين الدول التي شهدتها وتشهدها أكثر من منطقة ساخنة في العالم. ولم يكن آخرها التعامل الطرفي مع الصراع الدائر في سورية؛ ما بين الشعب السوري الثائر، ونظام بشار الأسد؛ الذي انتهك القانون الدولي، وخرج عن الأعراف، والتقاليد الدولية. فارتكب أبشع المجازر بحق المدنيين الذين لم يحملوا السلاح، مستعيناً بميليشات طائفية أتى بها للتطهير الطائفي، والتغيير الديمغرافي ضارباً بعرض الحائط المواثيق، والمعاهدات التي وقع عليها كشرعة حقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان. متحدياً إرادة الشعب الذي قتله بجميع ما يمتلك من أسلحة محرمة دولياً لترتقي أفعاله إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ولا يزال يتربع على عرش السلطة بعد أن دمَّر سورية، وهجَّر أكثر من ثلثي سكانها. متمرداً على الشرعية الدولية، وكل ذلك أمام مرأى، ومسمع العالم أجمع من دون أن تصدر مذكرات تجريم، أو اعتقال بحقه من قبل مؤسسات المجتمع الدولي.

إنّ توجه قمة الكبار في بداية الألفية الثالثة إلى دول العالم كافةً مطالبة إياها بعدم استخدام القوة، والسلاح لفضِّ النزاع، أو الصراع إن بين الدول، أو داخل كل دولة. والدعوة إلى احترام القانون الدولي الإنساني، والذي يعني بأبسط الأمور حماية المدنيين أثناء الحروب، والتعاون مع المنظمات المحلية، والإقليمية، والدولية لصون مبادئ الأمن، والسلم الدوليين، والحفاظ عليهما؛ مخالفاً لما تم التوقيع عليه؛ خاصةً من قبل أولئك الكبار الذين ينتهكون القانون الدولي الإنساني بغير سند شرعي. في حين كانت المفارقة عدم اتخاذ أية قرارات ملزمة تحاسب المجرمين، أو تحدُّ من جشع المتعطشين للدماء، وتقديمهم للمحاكم المختصة، أو تقف بوجه غطرستهم، أو تحدّ من استخدامهم المفرط للقوة بحق المدنيين، أو حتى تضمن أمنهم وسلامتهم على أقل تقدير من قبل أولئك الذين ينتهكون أسس، ومبادئ القانون الدولي. والذين يمارسون أبشع أنواع القتل، والإرهاب.

فرغم توقيع الدول ذات الوزن الثقيل على الاتفاقيات الدولية التي تحد من انتشار الأسلحة غير التقليدية في العالم، والحد من التسلح عبر أكثر من اتفاق، ومعاهدة دولية بدأت بمعاهدة القطب الجنوبي، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والرؤوس والصواريخ النووية، بما عُرف باتفاقيات سالت 1، وسالت 2، وإنهاء الحرب الباردة، غير أن الواقع يتناقض مع ذلك تماماً. فبدلاً من إرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين في العالم، وتقديم وسائل الحماية الجسدية كافةً، والرعاية الصحية، والتعليمية للمدنيين أثناء الحروب؛ إلا أنهم تجاهلوا كل ما وقعوا عليه من اتفاقات، وبروتوكولات، وغيبوا قسراً منظمات دولية حكومية، وغير حكومية عما يجري في الساحة السورية من جرائم بحق السوريين. كتغييب لجنة الصليب الأحمر الدولي، ولجان التحقيق الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، ومحاكم العدل الدولية، ومؤسسات المنظمة الأممية التربوية، والصحية، كل ذلك وسط تغيّب وسائل الإعلام العالمية الحرة. وأصبحت سورية، والسوريين حقلاً حياً للتجارب بالأسلحة المحرمة دولياً في أكثر من منطقة من المناطق الثائرة. ولا يزال الشمال السوري يشهد هذه الجرائم بشكل يومي، وبمختلف أنواع الأسلحة المتطورة شديدة القتل والفتك. ناهيك عن الحصار المطبق، والمجاعة، والأمراض التي قد تعصف بسكان مخيمات الشمال السوري. الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي تظاهرا بعجزهما عن إيقاف قتل المدنيين، أو التخفيف من معاناتهم، أو السعي لإعادتهم إلى مدنهم، وقراهم التي طُردوا منها. 

فبدلاً من إرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين، والالتزام بما أُبرم من معاهدات، وبروتوكولات دولية ذات الصلة؛ شهدت أكثر من منطقة في العالم أحداث صراع مسلح، وحروب أهلية منذ بداية القرن الواحد والعشرين. وأصبح تهديد كيانات دول بذاتها أمراً قد لا يكون بعيداً عن التفكك والانحلال بدءاً من دول شرق أوسطية في آسيا، إلى متوسطية خاصة في أسبانيا، وإيطاليا، بما فيهم دول عريقة كبريطانيا، إلى دول أفريقية تشهد حروباً بشكل دائم، ولا نستثني القارة الأمريكية، والولايات المتحدة فيها التي تشهد نزاعاً قد يتحول ما بين الفينة والأخرى إلى صدام مسلح بين العرقين الأبيض، والأسود من جهة. وبين الشمال الغني، والجنوب الفقير من جهة ثانية. 

تذكر الأمانة العامة للأمم المتحدة بتقرير التنمية البشرية الصادر عنها بنهاية العام 1998، أنَّ أكثر من ثمانين بالمئة من ضحايا الحروب، والثورات، والنزاعات الأهلية هم من المدنيين الذين لم يحملوا السلاح. ورغم ذلك لا تزال فعالية وأنشطة المنظمة الأممية خجولة حتى على المستوى الإنساني، وفي كثير من الأحيان مغيبةً بسبب تسلط الدول العظمى على قرارات هذه المنظمة، وتمييعها، أو رفضها، وتعطيل قرارتها، وإبطالها في أغلب الأحداث الدولية الساخنة.

وهنا يتساءل أحرار سورية والعالم، أين موقف المنظمة الأممية، والتزامها بتطبيق اتفاقية شرعة حقوق الإنسان بعد أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها على جماجم أكثر من ثمانين مليون قتيل؟ وتعهدت بحل النزاعات، والصراعات بالوسائل السلمية، والمساعي الحميدة لأمين عام منظمة الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن، والسلم الدوليين قبل تفاقمها، وتأزمها؟ أين الالتزام بالمعاهدات، والاتفاقات الدولية لحماية المدنيين، وتجنيبهم آثار الحروب، والدمار؟ أين موقفها من انتهاكات القانون الدولي التي ينتهكها نظام الحكم في دمشق المحتلة بشكل مستمر؟ أين الإلزام في تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن؟ 

إنَّ عجز المنظمة الأممية عن تنفيذ ما يصدر عنها من قرارات بخصوص الثورة السورية بدءاً من القرار 1238، و2254، وآخره صدور القرار رقم 2401. القاضي بوقف إطلاق النار على المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية، وفتح ممرات إنسانية ينبئ عن عجز القطب الأوحد أمام الدب الروسي الذي تحدى المنظمة الأممية بتعطيل قراراتها أكثر من إحدى عشر مرة. وتهديد هذه المنظمة بالانحلال، والانهيار كسابقتها عصبة الأمم. فنرى المنظمة في بعض الأحيان تعمل وفق ميثاق العمل الجماعي والذي طُبق لأول مرة في تاريخ المنظمة الأممية خارج مجلس الأمن. كما حصل في حرب الخليج الثانية عندما حشدت الولايات المتحدة حلفاء لها لإخراج العراق من الكويت، وتارة نراها متظاهرةً بعجزها عن تطبيق قراراتها التي بغياب تنفيذها تزهق أرواح النساء، والأطفال.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني