fbpx

زواج القاصرات.. انتهاك للطفولة يحتاج لردع قانوني

0 618

الزواج هو الخلية الاجتماعية الأولى التي ينظمها المجتمع وفق شروطه المنبثقة من مفاهيمه الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وهو بالمحصلة عقد مدني وديني يحدد حقوق الزوجين الطبيعيين، وهذا يتمثل بضرورة توفر شروط صحيحة لقيامه، وبدون ذلك سيكون هناك اعتداء على حقوق الطرف الأضعف في هذا العقد وهو المرأة.
ولكن كيف يُنظرُ إلى هذا الزواج إذا كانت المرأة في سن الطفولة المحدد وفق القانون الدولي دون الثامنة عشرة من عمرها؟.
يبدأ الزواج بتبادل ألفاظ الطلب والقبول، وتكون مفردة “قبلتُ” مدخلاً لعقد هذا الزواج، وللولوج في رحلة عمر مشتركة، تبدأ بعده رحلة عمرٍ مشتركة قد تطول أو تقصر.
وبالعودة إلى قديم المجتمعات، أي إلى ما قبل مجتمع الرأسمالية، وبالرجوع تماماً إلى مجتمع القبائل والعشائر، نجد ونلاحظ تلك العادات والتقاليد المرتبطة بهذا المجتمع التي تتبنى “الزواج المبكر لكلا الجنسين” بحجة الحصانة.
ونرى أن زواج القاصرات مرتبط ارتباطاً وثيقا بالبيئات الفقيرة والجاهلة، التي تجهل الحقوق والواجبات، وتكون منشغلة بالبحث عن لقمة العيش، والسعي للتخلص من الأعباء الاقتصادية التي تزداد يوماً بعد يوم، والناتجة عن كثرة الإنجاب، ومتطلبات الحياة المتزايدة.
ومع ذلك، ينبغي معرفة معنى القاصر؟ وفي هذا يمكننا القول: إن القاصر من لم يبلغ سن الرشد، ويوضع تحت حماية وعناية وصي، فهو مصطلح يستخدم في القانون للدلالة على الطفل، ويفرق القانون التونسي بين القاصر المميز وهو الذي تجاوز سنة 13، وبين القاصر غير المميز وهو من لم يتم الثالثة عشرة.
والقاصر في لغة الفقهاء: هو العاجز عن التصرفات الشرعية، أي هو الذي لا سلطة له ولا حول له أيضاً، والقاصر: اسم فاعل يطلق على كلا الجنسين من ذكر وأنثى، أما القاصر لدى منظمة الصحة العالمية: هو كل شخص دون سن الثامنة عشرة من عمره، وبحسب المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان: “إن زواج الأطفال يُعدُّ انتهاكاً مروعاً لحقوق الإنسان، ويسرق الفتيات من تعليمهن وصحتهن وتطلعاتهن على الأمد الطويل، وعندما تتزوج الفتاة وهي طفلة فإن هذا يحرمها من استكمال إمكاناتها. وحيث أن كثيرا من الآباء والمجتمعات يريدون أيضاً ما هو أفضل لبناتهم، وإنهن يتعرضن أكثر من غيرهن للعنف من الشريك الحميم وإساءة المعاملة الجنسية مقارنة بمن يتزوجن في سن أكبر، وإن مضاعفات الحمل والولادة هي السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات في الفئة العمرية بين سن الـ 15 والـ 19 سنة.
وعندما نتحدث عن الوظائف البيولوجية في هذه المرحلة العمرية للقاصر، نجد أنها غير مكتملة النمو، وغير ناضجة قبل سن الرشد، ونرى أيضاً أن زواج القاصرات سيءٌ، ويزداد سوءاً أكثر بحدوث الحمل المبكر، نتيجة عدم اكتمال وظائف الجسم، وعدم الاكتمال له مخاطر جسيمة على الصحة الجسدية والنفسية، تؤدي للوفاة أحياناً، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية سلوكية في حالة النجاة من الموت.
وبما أن القاصر لم تبلغ سن الرشد، وتحتاج إلى وصي، وعناية وصي، فإنها تعتبر غير مكتملة على صعيد الإدراك والعقل، فهي غير مسؤولة بالكامل عن تصرفاتها أمام القانون، ولا تستطيع بالتالي الاعتماد على نفسها لصغر سنها، فتبقى بحاجة لتدخل الآخرين بيومياتها لإتمام واجباتها الشخصية، وهذا الاعتماد يشعرها بالتبعية وعم الاستقلالية فكيف لنا أن نحمِّلها مسؤولية بيت وزوج وأطفال ، ونطلب منها مزاولة مهام أسرة، وهي بهذا السن الصغير، ومطالبتها بعدم التقصير، ما يزيد أعباءها، وإحساسها بالذنب وجلد الذات، وهي غير مكتملة النمو أساساً.
ولكن يمكننا القول، إن هناك خطورة واضحة على المجتمع، الذي يقوم على تزويج هؤلاء الأطفال غير الناضجين عقلياً ونفسياً، وبما أن هذه الفئة ينبغي أن تكون في سن التعليم، وقد مُنعت منه، فهذا سوف يؤثر على سوق العمل والإنتاج لاحقاً، وإن هذا السوق سيعتمد على أشخاص غير مكتملين، بالنمو والعلم، ولا يملكون القدرات والخبرات والمهارات اللازمة، لنهضة هذا المجتمع وتطوره، وسوف يزداد تهميش هذه الفئة بالعمل، بحيث أنهم لا يستطيعون امتهان المهن التي تحتاج إلى شهادات علمية، وبالتالي سوف يبقون بمهن لا تجلب لهم المال الوفير الذي يكفيهم للعيش الكريم، وبالتالي يحافظون على التبعية والانجرار وراء من يقودهم ويدلهم على مستقبلهم الغامض.
وهنا يمكننا أن نسأل أنفسنا؟ كيف تربي الأمهات الصغيرات أبنائهن؟ وعلى أي نهج يمشين، وعلى أي مبدأ وقواعد يسرن؟ وهل تتكرر وتعاد تلك العادات والتقاليد على أيديهن، وهل تُنقل هذه السلوكيات البالية للأجيال القادمة؟.
نعم إنّ الزوجات القاصرات عبء تربوي، يحمله هذا المجتمع ويعود به إلى زمن الجاهلية من جديد، طالما أن المهمة التربوية انتقلت إلى هؤلاء الأمهات الصغيرات، دون مراجع علمية تربوية تقيهنّ مسالك العابثين.
إن تغيير مسار حياة الفتيات القاصرات عن طريق العلم والمعرفة والطفولة المحقة إلى زواج مبكرٍ، يهدر طاقة المرأة ثقافياً وعلمياً وإنتاجياً، وتصبح إمكانياتها ضعيفة ومحدودة ضمن نطاق إدراكي ضيق جداً، حيث تضمحل الخبرات، وتبنى الحدود الفكرية.
لهذا نستطيع أن نطلق على هذا الزواج القسري بأنه تعطيل اجتماعي بكل معنى الكلمة، فهذا الزواج هو ظاهرة سلبية معطلة للأهداف والطموح والتطلع للمستقبل برؤى ثابتة، وهو تعطيل لحركة عجلة العلم والمعرفة، والتطور الطبيعي، التي تبنى عليها المجتمعات المتقدمة الراقية. بقي أن نقول: إن الحصانة للشعوب وللفتاة القاصر هي حصانة العلم والمعرفة والعقل، وليس حصانة الأعضاء.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني