fbpx

دور تركيا في زيادة فاعلية قانون قيصر

0 254

رغم مضي عشرة أيام فقط على تطبيق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات متعددة على نظام بشار الأسد والقوى الإقليمية والدولية المتعاونة معه، إلا أن تداعياته الاقتصادية السلبية تتزايد يوماً بعد يوم، سواء على الوضع الاقتصادي في سوريا، أو على وضع الدول الداعمة للنظام بها، تلك التداعيات دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن مدى تأثير تلك العقوبات على الاقتصاد التركي، وأشكال هذا التأثير، بحكم كون تركيا أحد اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية، وفي داخل المناطق المحررة، التي تتولى الحكومة المؤقتة إدارتها تحت رعاية ومساندة الدولة التركية.

وهي تساؤلات تبدو منطقية في ظل حجم الخسائر التي مُنيت بها إيران خلال تلك الفترة القصيرة من عمر تطبيق العقوبات الأمريكية، والتي تمثل أبرزها في ذلك التراجع الحاد لقيمة عملتها المحلية، وتوقف العديد من المشروعات الاستثمارية للشركات الإيرانية داخل سوريا، وهو ما انعكس بدوره على الاقتصاد اللبناني الخاضع بصورة شبه كاملة لإيران عبر مؤسسات حزب الله الاقتصادية والتجارية، حيث يشهد حالة من التدهور والمعاناة غير المسبوقة. 

فيما يواجه المستثمرون الروس الوقوع تحت مقصلة العقوبات الأمريكية المسلطة على رقاب المتعاونين مع الأسد في قانون قيصر، وعلى وجه الخصوص شركات التنقيب عن البترول، والمؤسسات العاملة في مجال الطاقة عموماً، والتي سبق لها أن وقعت على عدد من عقود التنقيب في مناطق الساحل والبادية السورية، إلى جانب الكيانات الاقتصادية في قطاعات التكنولوجيا والبناء والتشييد التي كانت تطمح في الحصول على حصة كبيرة من عمليات إعادة الإعمار في سوريا. 

إلا أن الوضع على الساحة التركية يبدو مختلفا تماماً عن نظيريه الإيراني والروسي، حيث إن تركيا ستكون اللاعب الوحيد الذي سيجني ثمار دعمها للثورة السورية، من خلال تنفيذ قانون قيصر، الذي سيكون له مردود سياسي واقتصادي بالنسبة لها.

 فعلى الصعيد السياسي سيصب قانون قيصر في صالح مشروع أنقرة الرامي إلى إضعاف النظام السوري، عبر التحكم في مفاصله الأساسية، وشل قدرته على المواجهة والصمود. 

أما على الصعيد الاقتصادي فقد طورت تركيا علاقاتها الاقتصادية بالشمال السوري منذ العام 2016، أي قبل وضع قانون قيصر أصلاً، وذلك بعد عملية درع الفرات، حين تم السماح – من جانب الحكومة المؤقتة – بتداول الليرة التركية إلى جانب الليرة السورية في التعاملات اليومية للمواطنين، وذلك تيسيراً لقضاء احتياجاتهم المعيشية ومواجهة موجة الغلاء التي تلتهم الأجور نتيجة التدهور المستمر في سعر صرف الليرة السورية. 

انتشار العاملين في المؤسسات الخيرية والمنظمات الإنسانية داخل المناطق المحررة، الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية، كان أحد العوامل التي ساعدت على توفر الليرة التركية في الأسواق، وسهولة الحصول عليها دون معاناة تذكر، ومع زيادة سوء الاقتصاد السوري نتيجة تهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار، وتأثيرات ذلك السلبية على أسعار السلع والمنتجات الأساسية، بموجة من الغلاء أعجزت المواطنين المقيمين والنازحين عن شراء الخبز، أصبح استبدال الليرة السورية بالتركية أمراً ضرورياً تفرضه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها هؤلاء  في هذه المناطق، حفاظاً على القليل الذي يتحصلون عليه، ولصيانة ما تبقى من أموالهم وقيمة ممتلكاتهم. 

وهو نفس السبب الذي دفع المستثمرين والتجار السوريين للتعامل بالليرة التركية، والتوجه صوب الأسواق والمنتجات التركية للاستثمار فيها، بهدف توفير احتياجات السكان من جهة وكبديل آمن في الوقت الراهن للمحافظة على قيمة أموالهم على الجانب الآخر. 

خصوصاً أنه مع الخروج شبه التام للمناطق المحررة عن سطوة نظام الأسد، وتوقفه عن إمدادها باحتياجاتها من المنتجات البترولية والمواد الغذائية الضرورية، قامت تركيا بتعويض ذلك النقص عن طريق فتح المجال أمام عمليات التصدير لسد احتياجات المقيمين من جميع تلك المواد، التي أصبحت مجالاً خصباً للاستثمار من جانب المستثمرين السوريين والأتراك معا. 

الإفادة التركية من تطبيق العقوبات الأمريكية على النظام السوري لم تقف عند حد سد حاجات السكان ومساعدة التجار والمستثمرين، حيث من المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة نمواً كبيراً في زيادة الطلب على المنتجات والصناعات التركية بمختلف أنواعها وأشكالها، ما سيزيد حجم التبادل التجاري بين تركيا والشمال المحرر، ويمهد لعلاقات تجارية واقتصادية أوسع بعد انتهاء الحرب. 

ومع استثناء إدلب وما يحيط بها من قرى، ومناطق قوات سوريا الديمقراطية في الشرق، والسماح باستمرار عمليات إعادة الاعمار بها، فإنه من المتوقع أن تتولى تلك المهمة الشركات التركية العاملة في قطاع المقاولات والتشييد، بحكم كون تركيا اللاعب الوحيد الموجود اقتصادياً في تلك المناطق على وجه التحديد. 

الوجود التركي في مناطق الشمال والشرق السورية لن يكون فقط لتلبية احتياجات السكان، ومساعدتهم على تخطي هذه المرحلة، وتهيئتهم لمرحلة سوريا الجديدة، وإنما سيكون له دور أكثر أهمية وإفادة للشعب السوري على المدى الطويل، من خلال مراقبة المعابر التجارية المشتركة بين الشمال والشرق السوري وبين مناطق النظام، بهدف سد الطرق كافة وإفشال أية محاولة يمكن أن تقوم بها الأطراف الداعمة لنظام بشار الأسد، بغرض مساعدته في التحايل على تطبيق العقوبات الامريكية، والضرب بيد من حديد على أيادي العابثين وأصحاب النفوس الضعيفة، المتلاعبين بمصير الشعب السوري مقابل تحقيق مكاسب شخصية ضيقة، ولو كان ذلك على حساب دماء أبناء الوطن. 

إن قيام تركيا بالتيقن من منع وصول أية منتجات نفطية أو غذائية لنظام الأسد، التي يمكن أن تمده بشريان للحياة وتساعده على إطالة بقائه في السُلطة، سيكون أكثر فائدة ونفعاً، وعاملاً مهماً لإفساح المجال أمام التطبيق الكامل لقانون قيصر، فإحكام القبضة الاقتصادية على عنق النظام هي دون شك العامل الحاسم في التعجيل بسقوطه.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني