fbpx

دور الثقة في الدعم النفسي للطفل

0 524

يُطرح
موضوع “ثقة الطفل السوري بنفسه” على طاولة الأولويات التربوية كمهمة
عاجلة، هذا الطفل الذي عاش مرحلة الحرب في بلاده، واضطر لحياة اللجوء والنزوح،
سيكون بصورة عامة معطّل القدرات في إثبات ذاته في مناحي الحياة التعليمية أو
المجتمعية أو غيرهما.

ولهذا
يمكننا إيضاح، أن الطفل الواثق بنفسه، هو الطفل الإيجابي بسلوكه، المتوازن في
بيئته الاجتماعية، أي الطفل الذي يتسم بالاطمئنان والتفاؤل، وتكون نظرته إلى نفسه
ومن حوله إيجابية، وهذا يعني أنه يمتلك قدرة سليمة على تقييم نفسه وسط أسرته
ومدرسته وأصدقائه.

ولكن،
عندما يغيب الأمن والأمان، وتُنتهكُ براءة الأطفال في ظل قصفٍ وحصارٍ وقتلٍ
وتشريدٍ، تنخفض، وقد تتلاشى الثقة بالنفس لدى هؤلاء الأبرياء الصغار، الذين لا ذنب
لهم البتة في هذه الحرب.

ففي
حصار غوطتنا الشرقية من عام 2013 إلى عام 2018، وضمن الظروف والشروط غير الملائمة
للعيش الكريم للإنسان، ولدت وظهرت سلوكيات على الأطفال خاصة من عمر 7 سنوات إلى
عمر 10 سنوات من عدم ثقة بالنفس، وعدم الثقة بالآخرين، إلى الشعور بالعجز والضعف،
حيث تجعل الطفل غير قادر على التواصل مع أقرانه، وغير قادر على الوفاء بالتزاماته،
فيتصرف وكأنه يعيش وحده، دون أي اعتبار للآخرين، ذلك نتيجة عدم الحصول على إجابات
لأسئلتهم، التي من الطبيعي بهذا العمر خصوصاً، البحث عن معلومات لأسئلة مشروعة، من
ضمنها: من أنا؟ ومن أنتم؟ ولماذا نحن هنا؟ وأسئلة أخرى تتعلق بأمنهم وسلامتهم
بالذات عندما يرى ويشاهد القصف والدمار.

الثقة
لغوياً، تعني اليقين والتحرر من الشك والقلق والخوف، والثقة بالنفس: أي الاعتماد
عليها، والثقة بالنفس تعتبر حاجة حاسمة في توازن الطفل، فهي تخلق في داخله إحساساً
عميقاً بالاطمئنان والسعادة وتقدير النفس، وهذا يكشف عن أمان داخلي لديه. هذا
الأمان يوفر له قدرة على أداء المهام التي تُطلب منه بيسر ونجاح، وبدون هذه القدرة
سيفتقد الطفل بالضرورة أساسيات تكيفه ونجاحه.

فإذا
شعر الطفل بالثقة مع أبويه، أو مع أصدقائه، شعر بالقوة والثبات والأمان، وعندما لا
يجد الطفل من أهله استجابة، ولا يحصل على ردٍ دقيقٍ ومحددٍ وصريحٍ على أسئلته
المتكررة، التي تُشعره بالأمان، تتزعزع هذه الثقة، وربما تنعدم في بعض الأحيان،
والجدير بالذكر هنا، أن الأهل في هذه الحال غير ملومين، لأنهم يعيشون مع أطفالهم
بنفس الظروف القاسية، وبالتالي تغلغل الخوف والقلق في أنفسهم، وفي أنفس أبنائهم،
خاصة بعد سنوات طويلة من الحرب، والشك بالحلول القريبة، التي تُنهي هذه الحرب،
والتي تُفقدهم بالتالي الأمل بمستقبل جميل لهم ولأبنائهم.

وبما
أن الطفل عاجز عن إيجاد المعلومة التي ترضيه، وأهله عاجزون أيضاً، كان لابد من
إعادة الثقة بالنفس للطفل ولذويه من خلال جلسات الدعم النفسي الاجتماعي، التي
أقيمت لمتابعة هذه الحالات والحالات الأخرى، حيث قدمت مراكز الدعم النفسي العديد
من الأنشطة والتدريبات، التي تزيد من ثقة الأطفال بأنفسهم وبالآخرين وأهلهم أيضاً.

ويتمّ
الأمر من خلال برنامج مخصص للثقة، عبر إبراز نقاط القوة، التي تكون موجودةً لديه بالفعل،
ومعالجة نقاط الضعف التي يعاني منها.

يجلس
الأطفال مع بعضهم، وأثناء التدريبات نطلب من الطفل قراءة قواعد الجلسة بصوتٍ عالٍ،
والنظر في عيون أقرانه، وشرح هذه التعليمات لهم.

ثم
يُفتتح حوارٌ ونقاشٌ بين الأطفال، يتمّ سؤالهم عن آرائهم حول موضوع محدد ومدروس
حسب الحالات، ونستمع لما يقولون مع الإنصات التام، والاهتمام بما يعبرون عنه
ويشعرون به واحترامه.

ثم
نطرح بعض المشكلات التي نعاني منها أثناء الحصار، وكيفية التعامل معها، وماهي
الحلول لتفاديها، ثم نجمع بعض الحلول المقترحة، ونعلمهم كيف يختارون الحل
الإيجابي.

ومن
ضمن الفقرات، نساعد الطفل في اتخاذ قراراته بنفسه، ولا نجعله ينتقد نفسه، بل
نعلّمه كيف يفرّق بالفعل بين نفسه، وبين من قام بالفعل.

ثم
تأتي فقرة التدريبات الجسدية الرياضية، التي تعلّم الطفل كيف يدافع عن نفسه، وكيف
يقوم بحماية جسده من المخاطر، وذلك لزرع القوة والثبات في ذاته، ومن خلال هذه
التدريبات، يتم الكشف عن نقاط القوة الجسدية لدى الطفل، واستثمارها، والتركيز
عليها، بمزيدٍ من التدريبات الخاصة، فتكرار النجاح يُعيد الثقة بالنفس.

وبعد
ذلك، يأتي دور مدح الطفل، عندما يبدأ باستعادة قوته، وإنجازه للمهمات الموكلة له،
واجتيازها بنجاح، ومنحه بعض الهدايا التشجيعية المحببة له، التي يختارها بنفسه، والتصفيق
له، والاحتفال بإنجازاته ووضعها في لوحة حائطية أمام الجميع.

ومع
إقامة المزيد من البرامج والجلسات الخاصة بإعادة الثقة بالنفس وتكرارها، ومتابعة
الأطفال، أصبحنا نلحظ، ونرى تغييراً جزئياً وأحيانا كليّاً ببعض السلوكيات، التي
كان يعاني منها الطفل، كالخجل الشديد والانطواء، وتتحول السلوكيات إلى رغبة
بالمشاركة أمام الجميع، والمبادرة بالعمل الجماعي.

قد
تساهم الحرب في قتل الكثيرين من الأشخاص، وتدمير البقية نفسياً وجسدياً، ولكن
بالقيام بالكثير من الجهود الجبارة، يمكن إعادة الثقة بالنفس للأطفال، وكذلك
إعادتها لذويهم، عبر إعدادهم وتأهيلهم للأيام المقبلة، لأنهم هم نواة المجتمع،
وأساس البناء المجتمعي الصحيح، فنكون بذلك قد زرعنا وردة في صحراء قاحلة، ننتظر أن
تزدهر هذه النفوس، وتطيب يوماً ما، وتحصل على كامل الحقوق في المستقبل، من منطلق
لا يأس مع الحياة، ويبقى الأمل بغدٍ أجمل، هو مطلبنا.

بقي أن نقول، إن البرنامج التربوي
والتعليمي السوري للخمسة وعشرين عاماً القادمة، يحتاج نوعاً خاصاً من العناية
بالطفل وتخصيص جلسات دعم مستمرة للجيل الذي اكتوى بنار الحرب ورعبها وتدميرها
للإنسان والشجر والحجر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني