fbpx

دراسة في ثلاثة أجزاء حول أهداف اللجنة الدستورية، وطبيعة الحلّ السياسي الأممي، للصراع على سوريا!!

0 177

الجزء1

تقول آخر أخبار جنيف الدستوريّة بعودة وفود اللجنة إلى العمل، بعد إجازة طويلة، تخللها في الوطن تنفيذ الاستحقاق الدستوري الرئاسي، ورافقها مجموعة خطوات متكاملة في نهج إعادة تأهيل النظام الحالي، بدستوره، وسلطته، دون الأخذ بأدنى الاعتبار لمماحكات اللجنة، وما قد يصدر عنها في قادم الأيّام!

السيّد غيربيدرسون، العرّاب الأممي للجنة الدستوريّة العتيدة، له رأي مختلف!!
إذ يعتقد أنّ المجموعة المصغرة، من اللجنة، التي تطلق جولة جديدة من أعمالها اليوم، 18 تشرين الأول، ستعمل على صياغة ليست فقط مسودة إصلاح دستوري ، وفقاً للاتفاق المبرم بين الرئيسين المشاركين في اللجنة ، السيدان، مع حفظ الألقاب، أحمد الكزبري، ممثّل الحكومة الشرعية ، وهادي البحرة ، ممثّلا عن المعارضة الدوليّة، بل وأيضا مشروع للإصلاح الدستوري.
في هذا الجو المشحون بأجواء التفاؤل التي يعمل رئيس اللجنة، وداعميه، وأعضاء الوفود على ترويجها، استمراراً لمسرحية خداع السوريين، وتضليل الرأي العام العالمي، أوّدُّ معاكسة التيّار، والمخاطرة في السير على طريق آخر، واتجاه مختلف، يسعى لكشف أشكال الخداع السياسي التي يتعرّض لها السوريين، في تكامل مع حروب قوى الثورة المضادة، العسكرية، التي سعت لتدمير الحراك الشعبي السلمي، وهزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري منذ 2011!!

إنّ تفحُّص نقاط كوفي أنان الست ، وبيان جنيف1، وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي يقوم عليهما، وما تحقق من هذا المسار في خطواته اللاحقة، ومرحلته الثانيّة، وفقا لمسار آستانة – اللجنة اللادستوريّة، وحتّى الآن، لا يضع مجالاً للشكّ بحقيقة نوايا القائمين على قيادة هذا المسار، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا!
ففي تغييب تحديد آليات فعّالة لتنفيذ أهداف غير قابلة للتأويل، ووفقاً لجدول زمني محدد، وحضور عبارات عامّة لا تتجاوز شكل النصيحة، تحمل كلّ منها تفسيرات متناقضة، تُبطل عملها، في ظل نوايا غير حسنة، ومصالح متناقضة، نفهم حقيقة أهداف تحالف القوى التي روّجت لما يُسمى مسار الحل السياسي!!

تدلل على صحّة هذا الاستنتاج عوامل سياق مسار جنيف التاريخي:

تاريخيّاً، أطلق الروس والأمريكان مسار جنيف ، بواجهة الديبلوماسي المخضرم، الراحل كوفي أنان ، لرفع العتب على تفشيل مسار الحل السياسي العربي، في خطتيه الأولى والثانية، في نهاية 2011، وخلال النصف الأوّل من 2012، لتأتي محطّاته المتعاقبة في سياق تنفيذ الخيار العسكري طوال سنوات الحرب اللاحقة، وبما يوازيه، وليس بديلاً عنه، وبما يوقفه، وقد وصلت حوارات الطرشان التي تضمنتها جلسات محطّته الأخيرة، اللجنة الدستورية، إلى صفر مكّعب فيما يتصلّ بإيجاد حلّ سياسي، بينما حققت جميع الأهداف الأخرى، المضللّة للسوريين، والمفشّلة لمسار حلّ واقعي، كلّ النجاح المطلوب!

منذ اللحظات الأولى لتفجّر الحراك الشعبي السلمي، سعت القوى المتضررة من أهداف سياقه التاريخي، وما يمكن أن ينتج عنه في إطار الإصلاح السياسي، محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، بقيادة الولايات المتحدّة الأمريكية، صاحبة المصلحة الأولى على الصعيد العالمي في توفير ظروف دفع الصراع السياسي المتفاقم في آذار 2011 إلى مسالك ومنعرجات طريق خيار العسكرة والتطييف لمنع تحقق أيّة خطوات على مسار إيجاد حلّ سياسي، يلبّي الحد الأدنى من أهداف التغيير الديمقراطي، ويضيّع الفرصة على أنصار الحلّ الأمني ؛ لخشية، (تتشارك في حملها مع سلطة النظام وشركائه الإقليمين)، أنّ تؤدّي إصلاحات سياسيّة تدريجيّة إلى انتقال، وتغيير سياسي يضع السوريين على عتبة خارطة طريق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، يحرم الولايات المتحدّة، وأدوات مشروع شريكها الإقليمي الرئيسي، سلطة النظام الإيراني، من أهمّ مرتكزاته الإقليميّة[1]، وبالتالي عملت على توحيد جهدها، وتنسيق أدواتها لدفع الصراع على مسارات العنف الطائفي والميلشياتي، كأنجع الخيارات لتحقيق أهدافها القذرة!

ضمن هذا السياق العام، تمّت ترتيب خطوات وآليات إجهاض مسار الحل السياسي، لتمهيد الطريق أمام الخيار الآخر، البديل، الدموي، بين تحالف القوى المتضررة من نتائجه؛ بسريّة ومكر، تحت يافطات دعم الشعب السوري، ومواجهة القمع والإرهاب الإسلاموي، وفي ظل قرعة السلاح، وصرخات المحتجين السلميين؛ في محطّتين أساسيتين:

الأولى: على الصعيد الداخلي/الوطني، والثانيّة: تجسّدت في تفشيل خطط السلام العربّية/التركيّة.


[1]– قد يجد بعضهم في هذا الاستنتاج رؤية غير واقعيّة، متجاهلين وقائع جديدة، تبلورت خلال السنوات العشرين الأخيرة لتمدد أدوات المشروع الإيراني، تُظهر بروز محطّات شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة وأدوات سيطرة النظام الايراني الإقليميّة، خاصّة في العراق ولبنان؛ وحقائق تاريخيّة، تؤكّد قدرة ودهاء القيادات الأمريكية على دفع جميع التناقضات والصراعات بما يصبّ في خدمة سياسات واشنطن ؛ خاصّة على الصعيد الإقليمي، وفي سوريّة، على وجه الخصوص؛ المعادية لأهداف التغيير الديمقراطي، والمعيقة لحدوث انتقال سياسي، والداعمة لسلطة الاستبداد، دون أن يجد زعماء النظام الديمقراطي تناقضا سياسيّاً، أو تعارضاً أخلاقياً وإنسانيّاً، في ادعاء ما يناقض الممارسات السياسيّة، إعلاميّاً وبرتوكوليّاً، لصداقة الشعب السوري، والوقوف إلى جانب قضاياه العادلة ؛ وهو سلوك طبيعي للحفاظ على مصالح دولة إمبريالية عظمى، بنت عوامل قوّتها على جماجم ملايين البشر، وعلى انقاض حربين عالميتين مدمرتين، وتضع في رأس أولوياتها الحفاظ على مصالح النظام الرأسمالي العالمي، في ظلّ هيمنتها الكونيّة، التي يأتي في مقدمتها، في سوريا، وكامل منطقة الشرق الأوسط، من الباكستان إلى المغرب العربي، قطع سبل التغيير الديمقراطي، ومنع قيام أنظمة ديمقراطية وطنية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني