fbpx

حرب البسوس.. عفواً حرب الرموز

0 368

استقر العرف والفقه الدستوري على أن لكل دولة عدة رموز تُعبّر عن حضارتها وأصالتها وقيمها وتاريخها وأمجادها وهي “الشعار والنشيد والعلم والعاصمة والعملة” ولكون الجولة السابعة من عمل اللجنة الدستورية تضمنت مناقشة هذه الرموز الأمر الذي اقتضى تسليط الضوء على رموز الدولة السورية.

الشعار الوطني: وفقاً للمرسوم رقم “158” تاريخ 18/2/1945م، المنشور في الجريدة الرسمية: يتألف شعار الجمهورية السورية من ترس عربي في وسطه ثلاث نجوم هي نجوم العلم السوري ويحضن الترس عقاب مستمد من التاريخ العربي إذ كانت راية قريش في الجاهلية وراية خالد بن الوليد عند فتحه دمشق. ويحيط بالترس ثلاثة خطوط وفي أسفل الترس سنبلتا قمح ترمزان إلى محصول البلاد الأول وطابعها الزراعي، وقد أمسك العقاب بمخالبه شريطاً كتب عليه بالخط الكوفي “الجمهورية السورية”، ثم تغيّر الشعار في عهد الوحدة بين مصر وسورية بموجب القانون رقم 190 لعام 1958 الذي نصّ على أن شعار الجمهورية يتمثّل في نسر زخرفي، مأخوذ عن “نسر صلاح الدين الأيوبي” وقد وقف مرتكزاً على قاعدة كتب عليها بالخط الكوفي “الجمهورية العربية المتحدة” كما نُقش فوق صدره درع يمثل “علم الجمهورية”.

وفي العام 1969 تم تعديل الشعار للمرة الثانية بالمرسوم رقم 394 تاريخ 10/2/1969 الذي نصّ على ما يلي: يعدل شعار الجمهورية العربية السورية المعمول به بموجب المرسوم رقم 158 تاريخ 18/2/1945 ليكون على شكل ترس عربي وسطه ثلاثة نجوم خضراء ويحتضن الترس عُقاب ويحيط به ثلاثة خطوط وفي أسفل الترس سنبلتا قمح وقد أمسك العُقاب بمخالبه شريطاً كتب عليه بالخط الكوفي “الجمهورية العربية السورية”، ويكون العُقاب حديدي اللون وتحلِّي أجنحته خطوط فضية وذهبية، وأما الترس فتحلِّيه ثلاث نجوم خضر على حصيرة فضية وتحيط بالترس ثلاثة خطوط هي الأحمر فالأبيض فالأسود ابتداء من الخارج إلى الداخل وأما السنبلتان فهما بلون القمح.

وفي العام 1972 تم تعديل الشعار للمرة الثالثة وكانت الأولى في عهد حافظ أسد أثناء قيام اتحاد الجمهوريات العربية عام 1972حيث أضيف العقاب شعار سورية المتخذ عام 1945 إلى علم اتحاد الجمهوريات العربية عام 1972.

وعدِّل للمرة الرابعة والثانية في عهد حافظ أسد وهو الشعار الحالي حيث تم اعتماد هذا الشعار بالقانون رقم 37 الصادر بتاريخ 21 حزيران 1980 بعد إقراره من قبل مجلس الشعب بتاريخ 17 حزيران/يونيو 1980 ونشر في الجريدة الرسمية عدد 26 لعام 1980.

العاصمة الوطنية: في 8 آذار 1920 أعلن ميلاد “المملكة العربية السورية” وعاصمتها دمشق وتشمل بلاد الشام بأسرها، غير أن المملكة لم تنل الاعتراف الدولي وزالت عن الوجود في أعقاب معركة ميسلون يوم 24 يوليو 1920 بين الجيشين السوري والفرنسي؛ وقد احتلّ الفرنسيون في أعقاب المعركة العاصمة يوم 25 يوليو، وفي 1 أيلول 1920 أعلن هنري غورو ميلاد “دولة دمشق” وعيّن حقي العظم رئيساً عليها وكانت حدودها تمتد من حماه شمالاً وحتى درعا.

في عام 1922 ومع إعلان “الاتحاد السوري” على أساس فيدرالي بين دول دمشق وحلب واللاذقية انتقلت العاصمة إلى حمص وبعدها بسنتين في 1 يناير 1925 عادت دمشق عاصمة البلاد بعد حل “الاتحاد السوري” وإعلان “الدولة السورية”، ومع إعلان استقلال سورية عن الاحتلال الفرنسي في 17 نيسان 1946 تم إعلان دمشق عاصمة رسمية للجمهورية العربية السورية، ثم انتقلت العاصمة إلى القاهرة مع قيام الوحدة بين مصر وسورية في 1958 وبعد الانفصال عادت دمشق العاصمة.

العلم الوطني: أول علم وطني هو علم الاستقلال ذو الألوان “الأخضر والأبيض والأسود، الذي تتوسطه ثلاث نجوم” تم اعتماده في 1 كانون الثاني من عام 1932، حتى وحدة سورية مع مصر في عام 1958، ومع الانفصال عاد هذا العلم رسمياً، لفترة قصيرة، ليقوم البعثيون بتغييره مع استيلائهم على السلطة في انقلاب “8 آذار 1963” ليحلّ محله علم البعث، الذي تم استبدال اللون الأخضر من علم الاستقلال باللون الأحمر وفي الأول من شهر كانون الثاني 1972 قام حافظ أسد بتعديل العلم حيث استبدل النجوم بالعقاب، وتم استبداله من قبل حافظ أسد بتاريخ 29 آذار 1980 حيث استبدل العقاب بنجمتين فقط ومازال هذا العلم هو العلم السوري.

النشيد الوطني: النشيد الوطني الرسمي للجمهورية العربية السورية تم تبنيه منذ العام 1938، ويعرف النشيد أيضا باسم نشيد “حماة الديار” نسبة إلى الكلمتين اللتين يبدأ بهما النشيد، توقف استخدام النشيد كنشيد رسمي خلال فترة الوحدة مع مصر وتمت الاستعاضة عنه بنشيد آخر هو مزيج من النشيد الوطني المصري آنذاك “نشيد الحرية” والنشيد الوطني السوري حماة الديار، وكان هذا المزيج هو النشيد الوطني الرسمي للجمهورية العربية المتحدة، وبعد الانفصال في 1961 تم الرجوع إلى نشيد حماة الديار كنشيد وطني رسمي معتمد للجمهورية العربية السورية.

رموز الدولة الحالية تعبّر كلها عن فترة استيلاء نظام البعث والأسد على سورية منذ إعلان الانفصال ومن ثم انقلاب 1963 حتى اليوم وتمّ تكريسها كرموز للدولة السورية في نصوص الدستور.

هذه الرموز هي التعبير الدستوري لمبدأ “الحزب القائد” أحد أهم المبادئ الانقلابية الناسفة للدستور التي كرّسها نظام البعث من عام 1961 حتى العام 1970 حيث حولّها الى يومنا هذا حافظ أسد إلى “القائد الرمز” وأنتجت لنا مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي تختصر سورية وشعبها وتاريخها وحضارتها بآل الأسد مثل “سورية الأسد والقائد المؤسس والقائد الخالد وآخرها مبدأ الأسد أو نحرق البلد” الذي كرّسه بشار أسد وريث الاجرام والوحشية بالقتل والتنكيل والتشريد والتهجير بالطائرات والصواريخ والدبابات والسلاح الكيماوي، فحرق البلد ونكّل بأهله وهجّرهم وشرّدهم في كل أصقاع الدنيا.

ولقطع الطريق على “المعارضة” وعلى المجتمع الدولي وفي محاولة منه للالتفاف على مقاربة الخطوة بخطوة التي يعمل عليها المبعوث الدولي بيدرسون أوعز إلى مجلس دُماه “البرلمان” لإصدار تشريع يُجرّم النيل من هيبة الدولة والمساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الرأي العام أو ما يسيء الدستور أو النيل من مكانة الدولة، حيث أنه في السابع عشر من آذار 2022 تم صياغة قانون جديد يشدّد عقوبات الجرائم الالكترونية المذكورة وإلغاء القانون رقم 17 لعام 2012 حيث تراوحت العقوبات الجديدة ما بين ثلاث إلى خمسة عشر سنة وبغرامة مالية من خمس إلى عشرة ملايين ليرة سورية.

إن طلب وفد النظام ووفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية تضمين الدستور محل النقاش نصّاً خاصاً يؤكد على وجود هذه الرموز بصيغتها الحالية وتحصينها من التعديل أو الإلغاء هو تكريس لحقبة الاستبداد والدكتاتورية “السوداء” وتخليداً لمجرميها وشرعنة لجرائمهم.

كما أن هذا الطلب في حال قبوله من المعارضة المشاركة في اللجنة الدستورية سيضعها في مواجهة قوى الثورة التي رفعت علم الاستقلال ومازالت تتمسك به وهو ما يدفع إليه النظام، وكذلك سيؤدي الى تعميق الخلاف مع أطياف المعارضة الأخرى التي تنادي بالفيدرالية واللامركزية السياسية واستبعاد كلمة “العربية” من اسم الدولة أو الإشارة إلى الشعب السوري كجزء من الأمة العربية، وبالتالي دخولها في صراع بيني ينسف أي فرصة لتحقيق التوافق بين هذه الأطياف الأمر الذي يُعزِّز موقف النظام أمام المجتمع الدولي من جهة واستفادته من الخلافات والصراعات في تمرير الوقت وتعطيل عملية “الحل السياسي” العقيم أصلاً.

الثورة هي الانقلاب الجذري على منظومة النظام الأسدي المجرم من رموز وأركان ومؤسسات دستورية وقانونية وسياسية واقتصادية وفكرية، وإن التفاوض مع هذا النظام لا يمكن أن يُحقق أي إنجاز لا على مستوى إسقاطه أو لا رحيله، ولا على مستوى محاسبته ولا على مستوى تعديل أو كتابة دستور جديد بالشراكة معه، ولا تحقيق أي تغيير سلمي للسلطة، الأمر الذي يجب أن يفهمه متصدّري المشهد من هذه المعارضات والتوقف عن إغراق السوريين بدمائهم وإطالة أمد معاناتهم وزيادة مآسيهم، والانسحاب من هذه المهزلة ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته ورفع الغطاء عن هذا النظام وانتزاع شرعية الدولة السورية من براثنه واعادتها الى الشعب السوري صاحبها الأصيل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني