fbpx

حاضنة النظام الأسدي وخيارها الصعب..

0 305

حافظ الأسد الذي قام بانقلابه في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1970 خطّط منذ البداية لتحويل المكوّن الطائفي الذي ينتمي إليه، أي (العلويون)، إلى ذراع لمشروعه السياسي، هذا المشروع كان جوهره بناء دولة أمنية، ذات أذرعٍ مخابراتية متعددة، يتجسس كل ذراعٍ أمنية منها على باقي الأذرع، في تكامل أمني بينها، مهمة هذا التكامل تأبيد سيطرة حافظ الأسد على السلطة بكل منافذها السياسية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والثقافية.

تحويل المكوّن العلوي إلى ذراعٍ أسدية، كان يحتاج إلى تهيئة ظروف تساعد على تحقيق ذلك، وكان أهم هذه الظروف هو منع قيام أية مشاريع صناعية في مناطق المكوّن العلوي، ومنح المنتسبين للأجهزة الأمنية على اختلافها امتيازات محددة، تسمح لهم بتوفير ظروف حياة وسلطة على باقي النسيج الوطني.

هذه الرؤية التي مارسها نظام الديكتاتور حافظ الأسد، هي من وضع المكوّن العلوي في حالة تميّزٍ عن باقي المكونات السورية، هذا التميّز، جعل المكوّن العلوي في ورطة وجودية، فهو إما أن يمضي مع المسار الذي رسمه الديكتاتور، أو أن يجعل المنتمين له في حالة بحث عن توفير لقمة عيش، كان من الصعب توفيرها في مناطق غير منتجة زراعياً أو صناعياً، وليست مؤهلة لتكون مناطق جذب سياحي، فجبال الساحل السوري التي تعتبر موطن هذا المكون في غالبيته، هي مناطق لا تتوفر فيها المياه، وإنما يقوم أهلها بجمع مياه الأمطار في خزانات صغيرة في ملكيتهم من الأرض، من أجل زراعة التبغ أو ري بعض الأشجار.

حافظ الأسد الذي خطّط للمكوّن العلوي أن يلعب هذا الدور، كان في الواقع يحتاط لتغيراتٍ ستحدث في النسيج الوطني السوري ذي الغالبية الإسلامية من المذهب السنّي، فهو كان يعرف أن المجتمع السوري عموماً، وغالبيته المسلمة لن تقبل بديكتاتوريته إلى زمن طويل، بل إنها ستعمل على تغيير الوضع العام لصالح قوى الدفع الاجتماعي (البرجوازية الوطنية) وهي في غالبيتها الساحقة تنتمي للمكوّن السنّي.

كذلك عمل حافظ الأسد على تمزيق البنى الاجتماعية التقليدية (القبائل والعشائر)، وخلق صراعات في بناها ليسهل عليه قيادها وتطويعها بما يخدم هيمنته المطلقة على السلطة.

وهو لم ينس قمع الأحزاب التقليدية وتمزيقها، حيث شجّعت أجهزته الأمنية على الانقسامات الحزبية، ما أضعف كل التيارات السياسية، القومية منها، أو الشيوعية، أو الدينية. وبهذه الاستراتيجية تمكّن حافظ الأسد من منع حراك القوى السياسية والمجتمعية إلى حين.

البنية الأمنية والعسكرية للنظام الأسدي صار لها امتيازات اقتصادية بحكم موقعها السلطوي، وهي في هذه الحالة، أسست للفساد في مؤسسات الدولة والمجتمع، حيث أرخت العنان للرشوة ونهب المال العام، من خلال مشاريع توضع لها كلفٌ باهظة، غير حقيقية، وذلك لتوزيع المال المنهوب عبر هذه المشاريع على الجهات الأمنية وسؤولي الدولة في القطاعات المختلفة.

البنية الأمنية والعسكرية للنظام الأسدي لعبت دوراً آخر أكثر خطورة على الشعب السوري، فهي بتحكمها بحركة الاقتصاد، وفرض نفسها شريكاً بصورة أو أخرى لأي مشروع اقتصادي يتمّ تأسيسه، إنما تكون قد عطّلت تطور البنى الاجتماعية الطبيعي، وسدّت تدريجياً آفاق تطور البلاد، وبهذه الحالة تتراكم المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحتقن نتيجة قمع الأجهزة الأمنية لأي محاولة للاحتجاج أو المطالبة العلنية بتغيير الواقع العام.

إذاً، يمكن القول دون مواربة، إن كثيراً من أبناء المكون العلوي ارتبطوا بعجلة النظام الأمنية والعسكرية، حيث سُدّت بوجههم فرص العمل المدني، الصناعي، والزراعي، والتجاري، والخدمي، وهم بهذه الحالة صارت حياتهم ووجودهم مرتبطان بشدّة بوجود النظام الأسدي وحياته، وهذا جوهر ما خطّط له الديكتاتور حافظ الأسد.

لكنّ الأمور زادت سوءاً في عهد الوريث بشار الأسد، ففي هذا العهد تعمّقت الهوّة بين غالبية فئات الشعب والطبقة المسيطرة على الاقتصاد والسياسة والأمن في البلاد، هذه الهوّة التي كانت تزداد اتساعاً راكمت الثروة بيد قلة قليلة، تعمل تحت معطف النظام الأسدي، كذلك زادت هذه الهوّة من حجم العاطلين عن العمل، ومن حجم المتضررين من تراجع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وتراجع قطاعات متعددة من الإنتاج الصناعي بسبب نشوء فئة تنافس الإنتاج الصناعي الوطني من خلال توكيلات تجارية سمح النظام الأسدي لأصحابها بهذا الدور، والذي دفع بقوى إنتاجية كثيرة إلى مربع العطالة والبطالة.

الثورة السورية ولدت في هذا الخضم من القهر والتمييز واحتكار الاقتصاد والسلطة، وهذا ما دفع قطاعات الشعب المختلفة إلى التظاهر السلمي من أجل إصلاحات حقيقية في البنى السياسية والاقتصادية والثقافية للبلاد، لكن النظام الأسدي يُدرك إن هذا الحراك السلمي هو عملياً يصبّ في مربع تفكيك هيمنته على البلاد، ولذلك واجه بكل عنفٍ التظاهرات السلميّة، واستخدم أجهزته الأمنية ثم العسكرية كأدوات في قمع انتفاضة السوريين.

تخيّل النظام إنه يستطيع بالقمع سحق التظاهرات والاحتجاجات، لكنه لم يفكّر للحظة واحدة إن هذه الاحتجاجات التي صارت ثورة عارمة ستستمر، لإنها ارتبطت بجوهر حرية الشعب السوري وكرامته وحقوقه، وهو أمر دفع النظام الأسدي إلى استخدام قوته المفرطة الغاشمة الإبادية من أجل بقاء هيمنته على السلطة، وبذلك يكون ورّط المنتسبين لأجهزته الأمنية والعسكرية من المكوّن العلوي بمزيد من قتل الأبرياء، وبمزيد من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وخاصةً بعد ما خدعهم عبر إرعابهم من الانتقام القادم وخسارة امتيازاتهم في حال سقوط النظام.

المكون العلوي غير المرتهن لنظام أسد، وهو في غالبيته لا يرى مستقبلاً له دون الهوية الوطنية السورية، وجد نفسه مختطفاً من نظام لا يرحم أحداً. هذا المكوّن دفع فاتورة ولاءه للنظام الأسدي من دم أبنائه، الذين تمّ سوقهم لشن حرب على شعبهم الذي ينتمون إليه، وهو ما جعلهم في مواجهة واسعة مع الشعب السوري بكل أطيافه.

النظام الأسدي يعيش أيامه الأخيرة، لأنه صار عاجزاً عن تأمين أبسط مقومات العيش في مناطق نفوذه، وهو صار مرتهناً للأجنبي الإيراني والروسي والميليشيات الطائفية الأجنبية، وكي لا يحدث ويتمّ حساب المكون العلوي على النظام الأسدي، ينبغي على قوى هذا المكوّن التي لم تخض في دماء السوريين أن تعلن رفضها له قبل غرق مركبه، وأن تجاهر بالمطالبة بمحاسبة المنتسبين له من مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، وهذا سيخفّف كثيراً من غلواء النزعة الطائفية لدى المكون الأكبر المتضرر جداً من إبادة وقهر النظام الاسدي.

على الوجهاء والحكماء منهم توعيه أهاليهم وتنمية حس الانتماء الوطني لسوريا الوطن الحاضن لجميع أبنائه دون تمييز أو تفضيل، الذي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات وأمام القانون.

إنها دعوة للعقلاء والشرفاء الوطنيين من أبناء المكوّن العلوي للالتحاق بمركب الثورة السورية المطالب بدولة مدنية ديمقراطية متعددة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والمساواة، فهل سيستجيب هؤلاء العقلاء والشرفاء لهذه الدعوة؟ أم أن خوفهم من بطش النظام الذي يحتضر سيبقي النار تحت الرماد مشتعلة وهذا ليس بمصلحة السوريين بكل مكوناتهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني